رحلة البطاطس.. من سبب تسمم أهم المحاصيل الزراعية في أوروبا؟

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

في فيلم " همام في أمستردام" حينما قام "محمد هنيدي" بشراء محصول من البطاطس وتجهيزها للبيع للكثير من المحلات وكانت سبب في بداية ثرائه يأتي مشهد الشراء ورؤية الكميات الكبيرة من البطاطس المخزنة لتؤكد على أهمية هذا المحصول لجميع سكان أوروبا فقد يكون مجرد مشهد ولكنه ينقل إلى حد ما حقيقة واقعية ولكن تاريخ هذا المحصول أوروبيا لم يكن بهذه الأهمي.

ومرت البطاطس برحلة طويلة ومثيرة للاهتمام بداية من اعتبارها سبب للتسمم وفساد الأرض وحتى أصبحت رابع أهم محصول عالميا.

بدأت قصة البطاطس مع اكتشاف العالم الجديد وخصوصا الأمريكتين فبحسب موقع " Vegetable Facts" فالبطاطس تطورت خلال ألاف السنين من كونها نبات سام مرتبط بزراعة الباذنجان إلى كونها محصول مستقل صاحب مكانة واهمية في ثقافة سكان مرتفعات الأنديز بأمريكا الجنوبية بين بيرو وبوليفيا.

اقرأ أيضا| «روزاليا».. أخر أطفال سراديب موتى إيطاليا المحنطين

ومع بدأ الأسبان في اكتشاف قارة أمريكا الجنوبية بدأت البطاطس رحلتها ببطء للخروج إلى أوروبا حيث نقل المستكشفون هذا النبات إلى أوروبا بين عامي 1570 و1593 وعلى الرغم من أن التبني الأوروبي لهذا النبات كان بطيئا إلا أن مسئولي الحكومات بدأوا يبحثوا عن نبات يتميز بالقوة وجودة التخزين حتى يكون أساس لطعام الجيوش ولم يجدوا أفضل من البطاطس لذلك ومن هنا استخدمته الحكومة الإسبانية كغذاء موثوق به وسهل النقل للجيش والبحرية.

ولكن ظل السكان المحليون ينظرون للبطاطس على أنها غير ضرورية وغريبة وسامة حتى أن البعض وصل به الحال باعتبار البطاطس شر صارخ وكانت في اعتقادهم السبب في انتشار الامراض مثل الجذام والزهري والموت المبكر نتيجة انتشار هذه الأمراض مع زراعة البطاطس حتى أنهم رأوها سبب تدمير التربة التي نمت فيها.

ولكن تراجعت هذه الاعتقادات مع عهد ملك فرنسا "لويس الـ 16" حينما بدأ الفرنسيون البحث عن طعام يدعم الجيش والسكان الذين تعرضوا لشبه مجاعة خلال فترات الحروب وبعد قيام عالم النبات الفرنسي " أنطوان أوجستين" بالبحث والفحص وجد أن البطاطس هي أنسب ما تقوم بهذه المهمة حتى تمكن من اقناع ملك فرنسا بضرورة تشجيع الزراعة الجماعية لهذا النبات.

وبالفعل قام ملك فرنسا بتنفيذ النصيحة ولتغيير معتقدات الشعب أمر بتخصيص أرض تبلغ من المساحة 100 فدان لزراعة نبات البطاطس كما أصدر أوامره بحراسة هذه الأرض من قبل الحراس العسكريين وقد أثار هذا الاهتمام العسكري والحكومي الكبير بحراسة هذه البطاطس انتباه الناس الذين بدأوا بعد ذلك في تبني زراعة البطاطس أكثر فأكثر حتى أصبحت واحدة من أكثر مصادر الطعام شعبية في أوروبا.

لدرجة أنه في أوائل القرن الـ 19 عندما دمر المرض إنتاج البطاطس بأكمله في أيرلندا ضربت مجاعة كبرى البلاد حيث مات نحو مليون شخص من الجوع وهاجر أكثر من 500 ألف أيرلندا في اختبار حقيقي يؤكد أهمية هذا النبات لأوروبا حتى تمكن العالم " لوثر بوربانك" في عام 1872 من اكتشاف بطاطس هجينة مقاومة للأمراض وهجين آخر تم استخدامه في أيرلندا للمساعدة في مكافحة وباء اللفحة الذي دمر إنتاج البطاطس كاملا.

وبعد هذه الرحلة الطويلة من الرفض القاطع إلى الأكثر انتشارا وشيوعا وشعبية أصبحت البطاطس مع القرن الـ 20 واحدة من أكثر مصادر الغذاء المحبوبة وأكثرها أهمية استراتيجية مع الأرز والقمح والذرة بسبب قيمتها العالية من السعرات الحرارية وجودة تخزينها.