كتب - محمد الشندويلى
القارئ الشيخ شعبان عبدالعزيز الصياد.. لم يكن قارئا عادياً - وإنما كان متميزاً بأدائه الراقى حيث كان يجذب القلوب والآذان إلى قراءته فهو أحد أقطاب التلاوة فى مصر والعالم كله - عرفته الدنيا كلها - قارئ متعلم بالأزهر الشريف يعرف معانى القرآن الكريم وكأنه مفسر وعُرف بأنه فنان من طراز فريد يتنقل بمقامات الصوت وكأنه فى بحر ينتقى اللآلىء والغالى والنفيس.. تربع على عرش التلاوة مع الجيل الرائد، فكان خير سفير للقرآن الكريم.
أشاد به الرئيس السادات أثناء تلاوته فى مسجد القنطرة شرق احتفالاً بتحريرها بمناسبة ذكراه فى هذا الشهر.. «اللواء الإسلامى» تشارك أسرته وإذاعة القرآن الكريم بهذه السطور..
وفد ولد فضيلته الشيخ شعبان عبدالعزيز الصياد بقرية صراوة التابعة لمركز أشمون محافظة المنوفية عام ١٩٤٠م وللعلم أن هذه القرية لقبت بقرية القرآن الكريم لكثرة كتاتيبها.. وزخم محفظيها الأجلاء الذين حفظ وتخرج على أيديهم كثير من أعلام ومشاهير مصر.
وقد نشأ الشيخ الصياد وسط أسرة قرآنية وورث حب تلاوة القرآن الكريم عن والده الشيخ عبدالعزيز الصياد الذى كان من كبار قراء عصره.. وإن كان قد توفى قبل أن يبلغ ولده الوارث الجديد لكتاب الله أربعة أعوام.
وبعد وفاة الوالد بدأ الابن الصغير فى استكمال المسيرة القرآنية فالتحق بكتاب الشيخ جاد أبوغريبة العالم الجليل بالأزهر، وعلى يديه أتم الشيخ الصياد حفظ القرآن الكريم بقراءاته السبع وهو فى عمر العاشرة من عمره.. وفى تلك الفترة التحق بالمعهد الإبتدائى الأزهرى.
وفيه كان موعده مع بداية الرحلة القرآنية فلم تنته دراسته الإبتدائية والثانوية إلا وقد أصبح الشيخ الصياد قارئاً لا يشق له غبار فى عموم محافظة المنوفية كلها والمحافظات المجاورة لها.
طريق الشهرة
وما أن بدأ يشق طريقه نحو الشهرة يوماً بعد يوم إلى أن وصل إلى القاهرة ليلتحق بكلية أصول الدين.. وكانت معظم اقامته فى صحن الجامع الأزهر الشريف.. ثم تلا بعد ذلك مرحلة الأضواء والأنوار القرآنية تظهر فى قاهرة المعز حتى ذاع صيته بين عمالقة ومشاهير القراء.. وهو ما جعل الشيخ مصطفى إسماعيل يتوقع له أن يكون بلبلاً صداحاً وسط جيل هؤلاء العمالقة.
ومن المفارقات أيضا إذا بالشيخ مصطفى إسماعيل يراه فى صحن الأزهر نائماً ممسكاً بكتابه.. فقال لمن معه انظروا وتمعنوا فى صديقكم هذا النائم المستيقظ.. فإن له مستقبلا كبيرا فى دنيا تلاوة القرآن الكريم.
وقد فرضت موهبة الشيخ الصياد نفسها على الجميع بمن فيهم كبار القراء.. وكان دائماً يحاول الاستماع للقراء فى عصره.. وأيضا السابقون عليه ومنهم الشيخ مصطفى إسماعيل قارئه المفضل والشيخ محمد رفعت والشيخ محمد صديق المنشاوى والشيخ محمد سلامة وكان يعتبر والده المثل الأعلى رغم عدم معاصرته، ولكن لما كان يروى له عن جمال صوته وشهرته العالمية بين قراء القرآن الكريم.
لماذا رفض العمل بالجامعة
وقد أتم الشيخ الصياد تعليمه الجامعى وتخرج فى كلية أصول الدين شعبة العقيدة والفلسفة بتقدير جيد جدا عام ١٩٦٦م ورشح للعمل كمحاضر بالكلية.. ولكنه رفض من أجل استكمال رسالته التى يعشقها ويؤمن بها وهى تلاوة القرآن الكريم وتبليغ دعوته.. فأبدله الله بالجامعة منزلة كبيرة فى نفوس الناس ولكنه عمل مدرساً بالمعهد الدينى بمدينة سمنود بالغربية ثم معهد الباجور فمعهد منوف ثم إلى مديرية الأوقاف بشبين الكوم وتدرج فيها وظيفياً حتى وصل إلى درجة وكيل وزارة بوزارة الأوقاف وبذلك استطاع الجمع بين العلم الأزهرى وتلاوة القرآن الكريم.
ملك الفجر
وتميز أداء الشيخ الصياد عن غيره بأن له لونه وبصمته فى التلاوة انفرد بها.. فأعطته ميزة عن جميع القراء منذ نشأة الإذاعة وحتى تاريخنا هذا فهو القارئ الوحيد الذى له أداؤه وإن جاز لنا القول بأنه «الصياد» الوحيد.. وسط دولة التلاوة فمنذ أن أجازته الإذاعة المصرية قارئاً بها عام ١٩٧٨م وهو من بين القراء القلائل الذين اعتمدوا لم يمر على إذاعات البرامج القصيرة.. كما كان يحدث مع أى قارئ جديد يدخل الإذاعة.. وفى نفس الوقت تم اعتماده قارئاً بالتليفزيون.
وفى أول شهر من اعتماده قارئاً بالإذاعة والتليفزيون أسندت إليه تلاوة القرآن الكريم فى صلاة الجمعة وهذا لم يحدث مع أى قارئ من قبل.
ولما عرفت جماهير المستمعين أن هذا القارئ له تميزه فى قراءة الفجر.. عرف المسئولون بالإذاعة ذلك حُب الناس له فطلبوا من الإذاعة أن تزيد الأيام الذى يتلو فيها قرآن الفجر.. فكان الشيخ يقرأ قرآن الفجر كل ثلاثة أسابيع فى مساجد مصر الكبيرة وفى مقدمتها الإمام الحسين والسيدة زينب وفى هذه المساجد كان الناس يتوافدون عليه من كل فج عميق ومن جميع الطبقات.. وحتى الفنانين ومنهم المطرب محمد عبدالمطلب الذى كان حريصاً على متابعة الشيخ الصياد.. وأطلق عليه لقب الصياد «ملك الفجر».
وظل هذا اللقب يطلق عليه حتى وفاته وأضيفت إليه ألقاب أخرى كنجم الأمسيات الدينية.. وصوت السماء وغيرها.
أول قارئ
ذاعت شهرة الشيخ شعبان الصياد حتى أنه اختير من الجهات المسئولة العليا ليتلو آيات الله فى مسجد القنطرة شرق بمحافظة سيناء فى حضور الرئيس الراحل أنور السادات.. وذلك بعد تحرير سيناء وعودتها إلى مصر من أيدى الاحتلال الغاشم.. وعندما قرأ الشيخ الصياد أمام الرئيس.. أثنى الرئيس السادات على الشيخ لأدائه الراقى واختياره الآيات المناسبة فى هذا اليوم وشد على يده وعانقه وأمر له بجائزة فورية إعجاباً وتقديراً لجمال تلاوته.. ومثلما حدث فى وفاة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر دعى الشيخ الصياد على رأس وفد من بعض القراء لإحياء ذكرى الرئيس الراحل السادات رحمه الله.
«سفيراً فوق العادة»
وكان فضيلته دائم الدعوات من الدول العربية الإسلامية وغير العربية والأوروبية لإحياء ليالى رمضان والمناسبات.
وكانت أول دعوة له لإحياء ليالى رمضان بعد دخوله الإذاعة إلى دولة الكويت أكثر من مرة بصحبة الشيخين الطبلاوى وراغب مصطفى غلوش رحمة الله عليهما.
وللعلم اختير فضيلته رئيساً للجنة التحكيم فى إحدى المسابقات الدولية.. وكما كانت دولة إيران تدعوه وأطلقوا عليه «فنان القراء» وآخر تلاوة له فى دولة إيران عام ١٩٩١م وكان معه فضيلة الشيخ محمود صديق المنشاوى وتركاً أثراً طيباً فى إيران إلى الآن ولهما تلاوات نادرة تذاع على مواقع التواصل الاجتماعى.
من نوادر الشيخ الصياد
ومن النوادر التى تحكى للشيخ الصياد أنه دعى لأمسية دينية بإذاعة القرآن الكريم وهذا الموقف كان لا ينساه الشيخ إطلاقا.. وكانت الأمسية من مسجد سيدى عبدالوهاب الشعرانى بباب الشعرية.. وكان هو قارئ السورة بهذا المسجد.. وكانت الأمسية عبارة عن صلاة العشاء ثم الابتهالات كلمة لأحد العلماء وقرآن الأمسية.. أن الشيخ المتحدث اعتذر على آخر فرصة وأيضا لم يأت المبتهل فإذا بالشيخ يطمأنهم أذن للصلاة وأقام شعائرها وأم الناس وقرأ القرآن ثم ابتهل فأبهر جمهور الحاضرين وأذيعت الأمسية وعلم وزير الأوقاف وقتها فأخبره بأن الإذاعة ستجيزه مبتهلاً بجوار كونه كقارئ.. ولكنه رفض.
المرض والوفاة
ظل الشيخ شعبان الصياد فى عطائه المستمر فى تلاوة القرآن الكريم فى كافة أنحاء المعمورة إلى أن فاجأه المرض عام ١٩٩٤م فأصيب بمرض الفشل الكلوى فاستمر فى تلاوته ولكن فى أضيق الحدود حتى أقعده المرض تماماً.
وفاضت روحه الطاهرة إلى بارئها فى أول أيام عيد الفطر المبارك ١٤١٩هـ - ١٩٩٨م.. وقد ترك الشيخ الصياد ذرية صالحة محبة للقرآن الكريم ستة أولاد وبنت واحدة وهم: عبدالعزيز ومحمد ومحمود وعادل وأشرف وأيمن وجميعهم فى وظائف مرموقة داخل أجهزة الدولة المختلفة.. وتقوم أسرة الشيخ بجمع تراثه.. وتهيب إلى محبيه أن تقدم لأسرته الأشرطة النادرة من تلاواته النادرة حتى يتسنى أن تقدمه للإذاعة لجمهوره ومحبيه.