فرحة النـسب

المحكمة تنتصر لـ«ياسمين» وتُثبت نسب طفلتها من زواج قاصرات

ياسمين وابنتها مع المحامي أحمد مهران
ياسمين وابنتها مع المحامي أحمد مهران

حبيبة جمال
نشرنا في العدد رقم ١٥٠٩ موضوعا بعنوان «اغتصاب في عش الزوجية»، سردنا فيه مأساة ياسمين التي تزوجت وهي قاصر، بعدما أنجبت طفلة ورفض الزوج الاعتراف بها بل والاعتراف بالزواج من أصله، تلك القصة التي أنهكت ياسمين وجعلتها تجوب المحاكم هي وابنتها الطفلة مكة التي لا حول لها ولا قوة، اليوم أخيرا عرفت الفرحة طريقها لياسمين، انتصرت لها محكمة الأسرة بكرادسة عندما أثبتت علاقة الزواج، لتبدأ الأم المكلومة باستخراج شهادة ميلاد لطفلتها، تكتب فيه آخر سطور الحزن في فصل المحاكم، وتبدأ فصل جديد من حياتها.. اليوم ننشر للمرة الثانية ولكن تلك المرة ليست مأساة الزوجة، وليست دموع الحزن بل هي دموع الفرحة بعودة الحق لها ولابنتها.

بالزغاريد والسجود شكرللَّه، هكذا استقبلت ياسمين حكم المحكمة بإثبات زواجها، قصة معاناة خاضتها تلك المسكينة لإثبات حقها وحق ابنتها، ياسمين ضحية لأسرتها التي قررت زواجها وهي ابنة ١٦ عاما، ومكة ضحية أب انعدمت الرحمة من قلبه ورفض الاعتراف بها، وتركها في حيرة تسأل أمها أين والدي، طفلة لا تفقه شيئا، فقط ترى كل من في سنها في حضن أبويه، بينما هي لا أب لها، ولا تمتلك أي أوراق رسمية تثبت وجودها في الحياة، لذلك قررت ياسمين خوض المعركة وحدها، قررت التردد على ساحات المحكمة حتى تثبت زواجها وتثبت نسب ابنتها، وبعد معركة دامت لشهور اقتصت المحكمة لها وكتبت شهادة ميلاد جديد لها ولابنتها. 
شهادة ميلاد
تواصلنا معها لنعرف رد فعلها بعدما عرفت حكم المحكمة، فقالت بنبرة صوت كلها فرح وسعادة: «مش مصدقة، حاسة أني وكأني ملكت الدنيا بمن عليها، أول ما عرفت حكم المحكمة أطلقت زغرودة ورفعت يدي للسماء أشكر ربنا، هو وحده كان يعلم أنني صاحبة حق، وأنني تعذبت كثيرا، وكنت لا أنام إلا والدموع على خدي، كنت معلقة لا أنا متزوجة ولا منفصلة، والأصعب إني معايا طفلة ملهاش أي وجود، لكن الحمدلله المحكمة انتصرت لي». 


سألناها ما هي الخطوة القادمة في حياتها؟، فقالت: «سوف استخرج شهادة ميلاد لابنتي، ثم نبدأ أنا والأستاذ أحمد مهران المحامي الذي وقف بجانبي في رفع قضية خلع ونفقة لابنتي». 


سألناها إذا كان لديها رسالة تود أن توجهها للفتيات والأهالي حتى لا يعيشون نفس قصتها، فقالت: «لو عاد بي الزمن لرفضت تلك الزيجة، وأنصح كل أم وأب مهما كانت الظروف أنهم ميرموش بناتهم بحجة الستر مثلما حدث معي». 


هكذا كانت نهاية المأساة التي عاشتها ياسمين هي وطفلتها، دعودنا نسرد لكم تفاصيل الحكاية من البداية، بدأت أحداث تلك القصة التي تحمل بين طياتها أحداث مثيرة ومأساة في الوقت ذاته، بدأت في منطقة المعتمدية، بمحافظة الجيزة، حيث نشأت ياسمين غريب، فتاة لم تكمل عامها ال١٨ بعد، ورغم ذلك أصبحت أما لطفلة تعيش بلا هوية وبلا أوراق، الحكاية تفاصيلها بدأت عندما انفصل والد ياسمين عن والدتها، فاضطرت الأم أن تخرج ياسمين من المدرسة، لعدم قدرتها على الإنفاق عليها، فهي أكبر أشقائها، وراحت الأم تبحث عن زوج لابنتها، ربما كانت تحلم وقتها بمن يخرجها من ظلمات الفقر إلى نور الاستقرار والحياة الكريمة، وفي الوقت الذي كانت الفتاة تبحث مع أقرانها الصغار عن أحلامها المتمثلة في اللعب، كانت والدتها تبحث عن طريق آخر لسترة ابنتها أو لنقل التخلص من مسئوليتها، وإلقائها على عاتق شخص ولو كان يكبرها بأعوام كثيرة! 
بالفعل تقدم شاب يدعى محمود لها، كان يكبرها بستة أعوام، فالصدفة وحدها هي من جمعت الاثنان، وقتها ياسمين كانت تبلغ من العمر ١٦ عامًا، لا تملك حرية الاختيار، ولا تعرف ماذا تعني مسئولية الزواج، كل ما كانت تعرفه وقتها أنها أحبت هذا الشاب، وشعرت أنه سيكون سندًا لها، والأم كل ما كان يهمها هو أن تؤمن مستقبل ابنتها، وتمت خطبة الاثنين لمدة ثلاثة شهور فقط، لتقام بعدها مراسم الزفاف، كانت المشكلة الوحيدة كيف سيتزوج الاثنان وهي لم تتم السن القانونية، لذلك قرر مأذون المنطقة الاشتراك في تلك الجريمة بكتابة ورقة عرفي يتم توثيقها لاحقا، مع أخذ إيصال أمانة على العريس، وقائمة منقولات للزوجة، وانتقلت ياسمين لمنطقة شبرا الخيمة حيث يعيش زوجها، ٣٠ يومًا فقط كانت هي مدة السعادة التي شعرت بها ياسمين، ليتحول الزوج فجأة من العطف للقسوة، ومن الحب للكره، وصلت الأمور بينهما للتعدي عليها بالضرب، ومع ذلك كانت تصبر نفسها أن الأيام ربما ستصلح من حاله وتعيده لها كما كان، حتى علمت بأنها تحمل في أحشائها جنينا، اعتقدت أنه سيكون سببا في إدخال السعادة والحب من جديد لبيتها الصغير، ولكن يبدو أن الزوج أصبح لا يحمل تجاهها أي مشاعر، والسبب - كما قالت- أنه شاهد والدتها وهي تبيع بالأسواق، وكأنها تسير بالطريق الحرام، يأست ياسمين من زوجها ومن صلاح أحواله، شعرت وكأنها في سجن لا تريد سوى التخلص منه والتحرر من قيوده،  ذهبت لأهلها، ظلت هناك حتى وضعت طفلتها مكة، لتبدأ ياسمين رحلة جديدة من العذاب، الزوج لا يريد الاعتراف بالطفلة ولا حتى بالزواج العرفي، كادت الصدمة تذهب بعقل ياسمين نحو الجنون، أسرعت للمأذون، لكنه تهرب هو الآخر منها، سبعة شهور هي عمر الطفلة التي لا يوجد ما يثبت أنها على قيد الحياة، لم تجد ياسمين سوى الصراخ وطلب المساعدة، حتى قرر أحمد مهران المحامي الدفاع عنها متطوعًا ليأتي بحقها وحق طفلتها، هكذا كانت هي التفاصيل التي سردناها لنتابع معها قصتها، واليوم أسدلت المحكمة ستار النهاية السعيدة، بالحكم لصالح الأم بإثبات زواجها وبالتالي اثبات نسب الصغيرة لأبيها.