دائما ما كان ضمان تدفق النفط، ودعم أمن «إسرائيل»، ومحاربة الإرهابيين، ومنع انتشار النووى، أبرز مصالح واشنطن الاستراتيجية فى الشرق الأوسط. اليوم حققت امريكا اكتفاء ذاتياً فى مجال الطاقة، ولم تعد إسرائيل «حليفاً محاصراً» بعد تطبيع علاقاتها مع جيرانها فى الخليج العربى، والعديد من الدول الأخرى. وبعد التطور الذى حققته على الصعيدين الاقتصادى والعسكرى. كذلك انكسرت موجة الإرهاب بشكل كبير، فلم تتعرض أمريكا لهجوم آخر كهجمات 11سبتمبر، كما تم القضاء تقريبا على داعش، وأصبح كورونا أكبر تهديد للبشرية.
اما النووى فتتكثف الجهود لإنهاء القضية مع إيران بالتفاوض، وبالتالى فرملة السباق للتسلح النووى بالمنطقة. من هنا بدأ البعض يرى الانسحاب الأمريكى من العراق وأفغانستان مؤشر لانتهاء مصالح واشنطن فى المنطقة، وبالتالى الخروج منها. كما طرحت فى مقالى السابق.
لكن حقيقة الأمر ان المنطقة إستراتيچية لدرجة لا يمكن الاستغناء عنها. فالشرق الاوسط قلب العالم والامتداد الجنوبى لأمن أوروبا، وهى تتحكم بشكل كبير فى مفاصل حركة الملاحة الدولية والتجارة العالمية بما تزخر به من منافذ وممرات مائية. كما تضم أكثر من 65% من احتياطى النفط فى العالم وحوالى 30% من الإنتاج العالمى للغاز الطبيعى. والمنطقة الزاخرة بالصراعات هى أكبر مصدر لموجات الهجرة والإرهاب للعالم، لذلك فابقاءها تحت السيطرة هدفا حيويا للأمن الأمريكى والدولى، ناهيك عن ان الشرق الأوسط يستحوذ على 47% من صادرات الأسلحة الأمريكية.
لاتملك أمريكا اذا رفاهية الانسحاب من المنطقة، وما تفعله هو إعادة صياغة لسياساتها واعادتها لحقبة ما قبل غزو العراق وذلك من خلال انهاء «حروبها التى لا نهاية لها» مع الإبقاء على تواجد عسكرى محدود بمجموعة سفن بحرية وبعض القواعد العسكرية، وعدد محدود من الجنود «45 إلى 65 الف» بعدها ستبدأ التفكير فى كيفية التعامل مع أزمات وصراعات الإقليم دون أَن يفرض عليها ذلك أعباءً أمنية واقتصادية إضافية.