مأساة أم خرساء لمدة 90 يومُا

مأساة أم خرساء لمدة ٩٠ يوما
مأساة أم خرساء لمدة ٩٠ يوما

عادت من عملها إلى المنزل فلم تجد أطفالها، وقد اعتادت أن تجدهم بعد عودتهم من المدرسة، تملكتها حالة من القلق والريبة، الدقائق تمر عليها كالدهر، وافترسها القلق حتى اقترب المساء، هرولت مسرعة تسابق ساقيها الرياح متوجهة إلى المدرسة، واكتشفت أن والدهم الذي انفصلت عنه وطلقها، قد حضر وأخذهم بحجة شراء ملابس لهم.

اقرأ أيضا | مدرسة «تصفع» طالب وتسكب المياه على كتابه الدراسي في مصر الجديدة

أيقنت الأم أن انتقامه منها كان مروعا، حيث سلبها أعز وأغلى ماعندها، وظلت تصرخ، وتولول، وتدور ذهابا وجيئة في شقتها كالمجنونة، وأسرعت تخبر عائلتها بما حدث.

سافر شقيقها إلى الزوج الذي يقيم بإحدى محافظات الصعيد، ليعود بأطفالها، وما إن استقبله أبو الأطفال ولم ينكر بأنهم معه، وبصوت جهوري قال إن نجوم السماء أقرب إليها من أن ترى أطفالها، وإن كان في مقدورها أن تستردهم، وتعيش معهم فعليها أن تتنازل عن عنادها، وإذا رغبت أن تقيم بالقاهرة فلتترك عملها وتبقى في بيتها لرعاية أطفالها.

واستطرد الزوج قائلاً: أنا راجل صعيدي، وأرفض أن تعمل زوجتي، وتختلط بالرجال، وتخرج في زحام المواصلات، وإنني لست بحاجة إلى مرتبها، وأنا أقوم بكل التزاماتها، ولا أبخل علي أولادي بشيء فلماذا تعمل؟

عاد الخال وما إن أخبر شقيقته بما حدث من طليقها، جن جنونها، ظلت تصرخ وتصرخ، وكادت حنجرتها أن تنشق من كثرة الصراخ، ووقعت على الأرض مغشيا عليها، وقاموا بنقلها إلى المستشفى حيث أكد الأطباء بأنها أصيبت بصدمة عصبية شديدة واحتبس صوتها، وفقدت النطق.

ذهبت بها الأسرة إلى مصحة للأمراض النفسية والعصبية، لكنها ظلت خرساء، وعاشت في ذهول تام، ولا ترى عيناها النوم وترفض أي طعام، حيث صدمة حرمانها من أطفالها أقوى من أن تحتملها وأوشكت على الجنون؟!

أسرعت أسرة الأم إلى محكمة الأحوال الشخصية، وقاموا برفع دعوى مستعجلة بضم أطفالها الثلاثة، فأكبرهم في السابعة، وأصغرهم في الثالثة، وهم من حقها شرعا وقانونا.

وقفت الأم أمام هيئة المحكمة وعيناها مغرورقتان بالدموع، وتعلو وجهها علامات حزن شديد عند مناقشتها أخذت تشير بيديها ولا تنطق، وقدم محاميها شهادة تفيد بأنها أصيبت بصدمة عصبية شديدة أفقدتها النطق من جراء خطف مطلقها أطفالها.

وجاء حكم المحكمة، بضم الأطفال الثلاثة إلى أمهم، وحكما مشمولا بالنفاذ المعجل، لعل في هذا مايرد إليها صوابها، وصوتها لتعود إلى ماكانت عليه قبل حرمانه من فلذات كبدها، وقرة عينيها، فهو حق مكتسب لها بوجود أطفالها بين أحضانها، فهي الأم التي وضع الله في قلبها نبع الحنان.

حمل شقيق الأم الخرساء صورة الحكم، وسافر إلى بلد الزوج، وقامت قوة من الشرطة بتنفيذ الحكم بالقوة الجبرية، واصطحب أطفال شقيقته وعاد بهم إلى القاهرة.

وما إن قام بطرق باب الشقة، فالمشهد تدمع له الأعين  ويتفتت له الصخر، حيث هرولت الأم مسرعة تحتضن أطفالها، وتسبقها صرخة مدوية لأول مرة بعد أن ظلت خرساء لمدة ٩٠ يوما، وتردد في جنون.. أولادي.. أولادي.