مساء الأحد الماضي 3/5/2015 اتصل بي العميد محمد سمير، الناطق الرسمي بإسم جيشنا مُعَلِّقاً علي مقال الأحد الماضي. وكان المقال عنوانه: لا تلعبوا بنيران سيناء. وكنت كتبت منزعجاً من الأخبار التي نشرت بأن قبائل سيناء بزعامة قبيلة الترابين قررت التصدي للمتطرفين والإرهابيين بسيناء. وخشيت من أن هذا التطور قد تكون له عواقبه. خصوصاً أن القبائل أعلنت أن ما تقوم به إنما يتم بالتنسيق مع القوات المسلحة والأمن. في نفس اليوم أرسل لي الصديق اللواء حسن الرويني، قائد المنطقة العسكرية المركزية في يناير 2011، أي قائد ميدان التحرير إن شئنا الدقة، وعضو المجلس الأعلي للقوات المسلحة. ربما كان الضابط المصري الوحيد الذي قدَّم استقالته احتجاجاً علي مجئ الإخوان لحكم مصر. قالت رسالته بطريقته التي عرفناها عنه، التي تعتمد علي التعبير المحدد والمباشر. والذي يخلو من أي طرطشة عاطفية، وتصل إلي لُب الموضوع من أكثر طريق: - مقال اليوم في الأخبار في منتهي الخطورة. ياريت يكون موضوع الساعة. لأنه فكره شيطاني، نهايته خطيرة، ربنا يستر. في اليوم التالي اتصل بي الصديق الدكتور حسن راتب، الرجل الذي قضي أكثر من نصف عمره في سيناء، يعمل لها ومن أجل أهلها. وقال أن لديه تصوراً متكاملاً للوضع في سيناء، يُفضِّل أن يرسله لي مكتوباً نظراً لأهمية ما قاله. ويترك لتقديري وحسي الوطني نشر ما أري نشره من تقدير الموقف الذي خلُص إليه. هذا الأسبوع نتوقف مع العميد محمد سمير، الذي يتمتع بثقافة أدبية وعسكرية وحس وطني من النوع النادر. وكنت قد تعرفت عليه عندما افتتح الرئيس عبد الفتاح السيسي المجمع الطبي في الجلاء، وكان التعارف سريعاً وفي سياق احتفالات كبري. لكنها المرة الأولي التي يجري فيها بيني وبينه حوار. قال لي أن لدينا في جيش مصر عقيدة قتالية. والجيش لا يمكن أن يسمح لأي قوي في المجتمع أن تلعب دوره. وقوات مصر المسلحة قررت مواجهة التطرف والإرهاب في سيناء. لكن ضمن ضوابط وثوابت العسكرية المصرية. فنحن نحرص علي ألا يسقط أبرياء. وعندما نقاتل لا تصل نيراننا إلي شيخ أو امرأة. لا نقطع شجرة. لا نُدمِّر مسكناً آمناً بسكانه. لكن هدفنا واحد وهو اقتلاع جذور الإرهاب من سيناء. ولهذا بدأنا نُنسِّق مع بعض القبائل. وهو تنسيق فقط. لا يتعدي تقديم المعلومات. لأنه لا يمكن لأي قوة في المجتمع أن تلعب الدور المنوط بالقوات المسلحة. والتنسيق مع القبائل سببه أن الإرهابيين يحتمون بالمدن. والضرب قد يؤدي إلي خسائر في المدنيين. ونحن حريصون علي تجنب هذا. وإن تم يكون في أضيق الحدود الممكنة وفي سياق خارج عن التخطيط والإرادة. إن هدفنا منع وصول المؤن للإرهابيين وحرمانهم من القدرة علي استعواض ما ينفذ منهم من ذخائر ومن أسلحة. وحرمانهم من أي أماكن ممكن أن توفر لهم إقامة بعيداً عن الرصد والمتابعة. حتي نحرم المتطرفين من الأماكن الحاضنة التي يمكن أن تشكل ملاجئ لهم توفر لهم فرصاً لاستمرار ما يقومون به من أعمال إرهابية ومتطرفة. ونعترف أن القبائل بدأت التعاون مع القوات المسلحة فيما لا يتعدي تقديم المعلومات وحرمان المتطرفين والإرهابيين من المناخ الذي يمكنهم من الاستمرار فيما يقومون به من عدوان علي المدنيين الآمنين وعلي قواتنا المسلحة وعلي رجال الشرطة الذين يقومون بواجبهم. القوات المسلحة لا يمكن أن تسمح بوجود ميليشيات علي أرض الوطن. مهما كانت المبررات. ثم إن قواتنا المسلحة ليست في حاجة إلي عتاد ولا سيارات دفع رباعي ولا أسلحة ولا قوات. فهي قادرة علي أن تنجز المهمة. لكن ما تحتاجه فعلاً وجود مواطنين شرفاء في سيناء - وهم موجودون فعلاً - يقدمون لها المعلومات المطلوبة التي تُمكنها من القيام بدورها. وهذا ما تم فعلاً. إن الجيش المصري جيش وطني. لا هو جيش عقائدي. ولا هو جيش مذهبي. وقد رأينا ما جري للجيوش العقائدية والمذهبية حولنا. فجيشنا خير أجناد الأرض كما جاء في حديث الرسول صلي الله عليه وسلم. وهم في رباط ليوم القيامة. ثم يتحدث العميد محمد سمير بكلام مؤثر يلمس حبة القلب عندما يقول: إنني في كل صلاة أدعو الله سبحانه وتعالي أن أستشهد وأنا أرتدي الزي العسكري في قلب قلب الميدان. وأنا جزء من جيش وطني يعتمد علي المصداقية في كل ما يقوم به. ولو أن هناك تنسيقا مع أي جهة لكنا أول من يعلنه بصريح العبارة. شكراً لقواتنا المسلحة، درعنا الأول ودرعنا الأخير. شكراً للعميد محمد سمير