رحلة فيل من الهند لحديقة حيوان الجيزة..اشترته مصر مقابل «حمار ونمرين»!

تم نقل الفيل من البـاخــرة إلـــــــى الميناء بواسطة ونش كبير
تم نقل الفيل من البـاخــرة إلـــــــى الميناء بواسطة ونش كبير

أحمد الجمَّال

قبل نحو 66 عاماً، تمت صفقة غريبة اشترت فيها مصر من الهند فيلاً كبيراً وزنه ثلاثة أطنان، وأربعة ثعابين، مقابل حمار ونمرين ومجموعة من الطيور، واعتبرت حينها صفقة ناجحة إذ اقتصدت مصر فيها حوالى 500 جنيه وهو مبلغ كبير بحسابات ذلك الزمان، بالنظر مثلاً إلى أن سعر الفيل كان يُقدر وقذاك بـ800 جنيه.

المثير فى الأمر هو الرحلة التى قطعها الفيل على متن باخرة من الهند إلى ميناء بورسعيد، ثم واصل رحلته فى قطار بضائع إلى الجيزة ومن محطة القطار قطع المسافة سيراً على الأقدام حى انتهت رحلته فى مكانه الأخير داخل حديقة حيوانات الجيزة.

آخرساعة تابعت رحلة الفيل من ميناء بورسعيد وصولاً إلى بيته الجديد فى حديقة الحيوان بالجيزة، ونشرت تقريراً بالصور عن هذه العملية التى تمت بصعوبة، وفى السطور التالية نعيد نشر التقرير بتصرف محدود: 

مرت باخرة ألمانية خلال الأسبوع الماضى فى ميناء بورسعيد تحمل شحنة من الحيوانات.. وفى الميناء أنزلت الباخرة فيلاً كبيراً وأربعة ثعابين من نوع االأصلةب التى يزيد طول الواحد منها على العشرين متراً.. لقد كانت اآخرساعةب هناك وشاهدت الفيل وهو يمرح مع مجموعة من الأفيال فوق ظهر الباخرة.. ورأته أيضاً وهو يقاوم عملية إنزاله إلى الشاطئ، كان يريد أن يبقى مع هذه الأفيال ليسافر معها إلى ألمانيا.. أخذ يضرب الهواء بخرطومه حتى أمسك به العمَّال.. وعندما حمله الونش الكبير الذى أعد لإنزاله من فوق ظهر الباخرة إلى صندل كان فى انتظاره إلى جانبها، لم يهدأ وأخذ يتراقص بأقدامه ويهز خرطومه فى كل الاتجاهات.

عملية التبادل

يقول الدكتور عبدالمنعم المنيرى، مدير حدائق الحيوان بالجيزة: إنه هو الذى طلب من الباخرة إنزال هذا الفيل فى بورسعيد.. وقد ظل ينتظر وصوله أكثر من أربعة أسابيع.. وعلى ظهر الباخرة تمت عملية تبادل غريبة.. حدائق الحيوان بالجيزة تسلم قبطان الباخرة احماراًب مصرياً ونمرين كبيرين من نوع االببرب المخطّط ومجموعة من الطيور والحيوانات التى تزيد على حاجتها.

وسلّم قبطان الباخرة إلى الدكتور حسن حافظ، كبير الأخصائيين بحدائق الحيوان، هذا الفيل والثعابين الأربعة.. وكانت حدائق الجيزة قد تعاقدت مع أحد كبار الصيادين الألمان على أن يصيد لها مجموعة من الحيوانات التى تفتقر إليها مقابل تسليمه عدداً من الحيوانات التى تزيد على حاجتها.

إعدام فى الجبلاية

لقد كانت الصفقة التى عقدتها حدائق الجيزة مع هذا الصياد رائعة للغاية، وكان قد تعهّد بأن يتحمل نفقات شحن الحيوانات إلى بورسعيد، وبدأت الحيوانات التى طلبتها حدائق الجيزة تصل على دفعات.. النسور الأمريكية التى وصلت منذ أسبوعين وهى من نوع أخذت سلالته فى الانقراض وتمتاز بضخامة حجمها، وأن النسر الواحد منها يقوى على اختطاف خروف كبير وحمله بين مخالبه، والقرود الحبشية التى أعدت جبلاية القرود لسكناها بعد أن أعدمت الحدائق القرد بخيت وزوجاته التسع وأولاده، وكانت عملية الإعدام قد نُفِذت فى بخيت وعائلته على إثر انتشار مرض السل فى جبلاية القرود.

وبقيت حدائق الجيزة تنتظر الفيل والثعابين الأربعة.. لقد كانت هذه الحيوانات هى أهم ما فى الصفقة كلها، فالفيل وحده لا يقل عن 800 جنيه، وكل ثعبان من هذه الثعابين تقدر قيمته بنحو 150 جنيهاً.

وحتى وصول الباخرة التى تنقل الفيل، لم تكن حدائق الجيزة قد سلمت إلى الصياد الألمانى حيواناً واحداً من الحيوانات التى تم الاتفاق على أن يحصل عليها من مصر.

حصان فى الثلاجة!

وقبل أن تصل الباخرة بعشر ساعات، قامت ثلاث سيارات لورى بنقل الحيوانات إلى بورسعيد، وقد حملت معها أيضاً حصاناً مذبوحاً لإطعام النمرين الكبيرين فى أثناء الطريق وخلال رحلة الباخرة التى تستغرق 18 يوماً من بورسعيد إلى هانوفر، ووُضع الحصان فى ثلاجة الباخرة ليقتطع منه فى كل يوم ما يكفى حاجة النمرين.

وكان الدكتور حسن حافظ، كبير الأخصائيين بالحدائق، قد سافر إلى بورسعيد لإتمام التدابير الخاصة بنقل هذه الحيوانات إلى الباخرة، وكانت التعليمات التى لديه ألا يُسلِّم هذه الحيوانات إلا بعد أن يصعد إلى الباخرة ويعاين الفيل والثعابين الأربعة بنفسه.

بقى أن نعرف ماذا حصّل الصياد الألمانى من حدائق الجيزة مقابل هذه الحيوانات.. لقد أبدى اهتماماً بالغاً بالحصول على حمار مصرى، وقال إن كثيرين فى أوروبا لا يعرفون شيئاً عن الحمير.. إنهم يسمعون عنها فى الكتب وحدها، وقد قرر أن يضع الحمار فى مكان بارز فى حدائق حيواناته فى هانوفر.. وحصل أيضاً على النمرين الكبيرين وعلى عشرين زوجاً من طائر مصرى يعيش فى بحيرة المنزلة اسمه االبشاروشب.. ومن الحقائق الثابتة حول هذه الصفقة، أن النمرين وُلدا فى حدائق الحيوان، وقد قدر الصياد الألمانى قيمة الواحد منهما بنحو 250 جنيهاً، وأن حدائق الحيوان لم تدفع فى طيور البشاروش أكثر من عشرة جنيهات، وقد باعتها بنحو 400 جنيه، وأن حدائق الجيزة اقتصدت بإتمام عملية التبادل فى بورسعيد أكثر من 500 جنيه كان ممكناً أن تتكبدها لو أنها استوردت هذه الحيوانات لحسابها.

الوداع الأخير

لقد فوجئت بورسعيد بالفيل عندما نزل فى مينائها، وهذا الفيل كان أنثى، وبقى فيل آخر فى الباخرة فى طريقه إلى ألمانيا، وعندما توقفت الباخرة فى بورسعيد كان هذا الوداع الأخير بين الفيل والفيلة.

ووزن هذا الفيل ثلاثة أطنان، ولم تكن الباخرة تحمل أربطة تتحمل نقله عند ربطه بها ورفعه بواسطة الونش الكبير، واضطر أحد البحّارة إلى أن يذهب إلى بورسعيد ويبحث عن الأربطة اللازمة لإتمام هذه العملية.. وقد ثار الفيل وأخذ يطارد العمال ويضربهم بخرطومه حتى انهارت قوته فقاموا بربطه وحملوه بالونش.

كما فوجئت مدينة الجيزة أيضاً عندما حمل قطار بضاعة الفيل إلى محطتها، واستغرقت الرحلة من ميناء بورسعيد إلى الجيزة 26 ساعة كاملة.. ولدى وصوله إلى المحطة قطع الفيل الطريق إلى حدائق الحيوان على قدميه، كان يسير فى الشارع بينما يحيط به حراس الحدائق.. وتعطلت المواصلات وهى تفتح له الطريق، ومن خلفه احتشد الأطفال والناس يجرون وراءه.. وقبل أن يصل الفيل إلى حدائق الحيوان، اتجه ناحية إحدى العمارات.. حاول أن يدخل إليها لولا أن أسرع أحد الحراس وأخذ ايغرزب فى جلده السميك حربة طويلة جعلت الفيل يسير فى اتجاهه إلى باب الحدائق.