بريطانيا «جنة الفاسدين».. العقارات والعملات الرقمية أبرز الأشكال

 غسيل الأموال
غسيل الأموال

خالد حمزة

منذ أيام، كشف مركز أبحاث اتشاتام هاوسب البريطانى فى تقرير له، عن أن بريطانيا أصبحت عاصمة غسيل الأموال فى العالم، بسبب ضعف قوانين مكافحة الفساد وقلة المراقبة والإشراف على تنفيذها، وطالب المركز بإجراءات جديدة وإعادة هيكلة كاملة للقوانين لمنع تجار الأموال القذرة من الاستفادة من الثغرات القانونية، محذرًا الحكومة البريطانية من أن قوانينها لا تسهم فقط فى ازدهار الجريمة المنظمة، بل تساعد الفاسدين حول العالم على تبييض أصولهم غير الشرعية.

وتُعد العاصمة لندن التى تُصنف كأبرز المراكز المالية عالميًا، أكبر مركز لعمليات غسيل أموال تقدر بمليارات الجنيهات الإسترلينية سنويًا، ويُعتقد أن معظم هذه العمليات يتم عبر البنوك بصورة أساسية، وجزء كبير من عمليات تبييض تلك الأموال، يتم داخل قطاع المساكن الفاخرة فى العاصمة لندن وضواحيها وبعض المدن البريطانية الرئيسية، ويمتد لإسكتلندا وويلز التابعتين للتاج البريطانى. 

وبحسب صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية، فإن حجم الصفقات المشبوهة فى شراء المساكن التى تمت عبر شركات، لها ارتباطات خارجية، ولا ترتبط بعمليات غسيل لأموال داخل البلاد فقط، كما أنه من الملاحظ أن أسعار العقارات فى أحياء وسط لندن، تضخمت أسعارها بمعدلات خيالية خلال العشر سنوات الأخيرة، وأصبحت أسعار الشقق الفاخرة فى أحياء مثل ماى فير ونايتسبريدج وكينزنجستون الراقية، تتراوح بين 25 و100 مليون جنيه إسترلينى، وكانت تعرض بأسعار لا تزيد عن 20 مليون دولار منذ سنوات قليلة.

وتعد أوروبا الشرقية وروسيا من أكبر الوجهات للمستثمرين فى العقارات الفاخرة فى لندن وما حولها، وتساعد الثغرات فى نظام التحويلات النقدية فى بريطانيا الجريمة المنظمة وتجارة المخدرات، وتعتبر محلات تحويل الأموال وصرف العملات الأجنبية المنتشرة فى معظم الشوارع الرئيسية البريطانية، شريان الحياة لمجتمعات المهاجرين الذين يرسلون الأموال إلى بلدانهم الأصلية، ويُعد شارع كوينزواى واحدا من أكثر الشوارع ازدحاما فى منطقة بايزووتر غرب لندن، كما أنه إحدى النقاط الرئيسية لتبييض وغسيل الأموال فى المملكة المتحدة ، ويضم عشرات من المتاجر لتحويل الأموال وشركات الصرافة.

لا يقتصر الأمر على ذلك، فقد صادرت الشرطة البريطانية منذ فترة عملات رقمية بقيمة 180 مليون استرلينى ا250 مليون دولارب، ضمن تحقيقات حول غسل الأموال، وهو ما يؤكد أن عمليات غسيل الأموال، لم تعد مقصورة على مصادرها التقليدية مثل العقارات أو المخدرات، بل امتدت للعملات الرقمية بكافة أشكالها المتعددة، والأخطر كما ذكرت صحيفة الإندبندت البريطانية، أنه يجرى تمويل الجماعات الإرهابية التى تنشط فى العراق وسوريا بصورة رئيسية، عن طريق عمليات غسيل أموال تتم عبر طرق معقدة، لعمليات احتيال مصرفية تتم فى الجنوب البريطانى، وعن طريق السيارات المستوردة إلى أفريقيا من المملكة المتحدة، كما أن وكلاء السيارات المستعملة من بريطانيا ودول أخرى، هم جزء من مخطط معقد لغسيل الأموال، تمول به الجماعات الإرهابية كوجهة نهائية، وتمر عمليات غسيل الأموال المعقدة فى بريطانيا بمرحلتين أساسيتين : الأولى بإدخال الأموال النقدية التى تأتى من نشاط غير مشروع فى النظام المصرفى أو المالى البريطانى، والثانية مرحلة التغطية بإخفاء علاقة تلك الأموال غير المشروعة مع مصادرها الإجرامية، من خلال العديد من العمليات المصرفية والمالية المعقدة، وعن طريق التمويه عبر مرورها بعدة بنوك أو شركات أو مؤسسات فى عدة دول حول العالم، لإخفاء مصدرها الأصلى أو حتى وجهتها النهائية التى غالبا ما تكون مشبوهة.

وغالبًا ما يتم استغلال المُتخصصين فى المحاسبة ومجموعات الجريمة المنظمة والمحاسبين والعاملين بالبنوك ووكلاء العقارات، باستغلال مهاراتهم، التى قد تكون مشروعة أو قانونية على الورق على الأقل فى ذلك، وكانت منظمة الشفافية العالمية قد هاجمت الحكومة البريطانية، ووصفتها بأنها تسهِّل الأساليب للأفراد الفاسدين حول العالم خاصة تجار المخدرات والسياسيين لغسيل أموالهم، لسهولة القوانين المختصة بمكافحة غسيل الأموال داخلها، التى يمكن تجاوزها بسهولة من أى محامٍ أو محاسب محترف، وقالت المنظمة إن هذه الممارسات لا تعد غير قانونية فى بعض الأحيان ولو ظاهريا، لكنها بالمقابل حولت قطاع العقارات بصفة خاصة فى العاصمة لندن، لملاذ للأموال المنهوبة أو التى يراد غسيلها حول العالم.

ورغم تأكيد الحكومة البريطانية إلزام الشركات الأجنبية على أراضيها، بإعلان العقارات التى تمتلكها بشفافية، وإلا تعرضت للعقوبة التى قد تصل للسجن أحيانا، فى محاولة للتصدى لعمليات غسيل الأموال، وبتسجيل الشركات فى نظام جديد حال امتلاكها عقارات أو عند الدخول فى المنافسة على التعاقدات الحكومية، غير أن منظمة الشفافية العالمية، ذكرت أن العقوبات التى تُفرض على أشخاص مثل المحامين ووكلاء العقارات الذين لا يلتزمون بقواعد مكافحة غسيل الأموال فى بريطانيا، ليست قوية بما يكفى لتشكل رادعا لهم، وطالبت المنظمة بتعديل نظام بريطانيا لمكافحة غسيل الأموال، لأنه يضم ثغرات قد يستغلها الإرهابيون والمجرمون، لتنفيذ نشاطاتهم وتغطية أموالهم المنهوبة، أو الذين حصلوا عليها بطرق ملتوية أو غير مشروعة، أو تلك مجهولة المصدر. 

وردت بريطانيا بأنها من أوائل دول العالم التى تكافح وتطارد الأموال المشبوهة أو عمليات غسيل الأموال حول العالم، وأنها استضافت مؤتمر القمة حول الفساد منذ سنوات قليلة، وكان موضوع غسيل الأموال من ضمن أولوياته التى ناقشها القادة، وبأنها قامت بإنشاء وحدة خاصة لمراقبة جرائم الرشوة والفساد والتحقيق، فيما يُعرف بجرائم ذوى الياقات البيضاء بحى المال البريطانى الشهير. وذوو الياقات البيضاء هم طبقة تتشكل من كبار المهنيين من المحاسبين ورجال البنوك والعاملين بالضرائب وغيرهم، الذين يسهِّلون مهمة المسئولين ومديرى الشركات الحكومية فى العالم الثالث وعصابات الإجرام، على غسيل الأموال القذرة فى لندن عبر استغلال الثغرات القانونية. 

كما قالت الحكومة البريطانية إنها أنشأت فرقة العمل المشتركة التابعة للاستخبارات والخاصة بغسيل الأموال، كما أنها حددت الجرائم المالية وجرائم غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، بموجب قانون عائدات الجريمة وقانون الإرهاب، وهو نفس الأمر الذى يؤكده ليل نهار المسئولون البريطانيون، بأن البلاد، وضعت من القوانين ما يكفى لمكافحة عمليات غسيل الأموال المشبوهة، وأن العقوبات فى ذلك قد تصل للسجن لسنوات خاصة فى جرائم غسيل أموال الجماعات الإرهابية، أو التى تقوم بجمع التبرعات الإنسانية، وتستغلها فى تمويل جماعات مسلحة أو إرهابية أو مصنفة إرهابية حول العالم، وهو ما حدث مؤخرا بعد حظر وتصنيف حركة حماس إرهابية وفق تلك الضوابط والقوانين، وتضمن الحظر عقوبات بالسجن لمدة عشر سنوات وقد تصل لأربعة عشر عاما أو الغرامة، على من يدعم حماس أو يرفع أعلامها أو يردد شعاراتها، وتم إقرار المذكرة لتعديل قانون الإرهاب لعام 2000، وهو ما يمهد الطريق لحظر أنشطة منظمات وحركات متطرفة أو إرهابية، تتخذ من العاصمة لندن ملاذا لها منذ عقود، وعجز القانون البريطانى عن ملاحقتها، بسبب دعاوى احترام حقوق الإنسان، أو الحفاظ على صورة بريطانيا المزعومة، كواحة للحريات داخل القارة العجوز، كما يصر رئيس الوزراء بوريس جونسون حسب صحيفة الإندبندنت على أن بريطانيا لديها بالفعل بعض من أقوى ‏الضوابط والقوانين الحاكمة فى العالم، للسيطرة على مثل تلك الممارسات غير المشروعة.