هل تنجح الصين في تغيير المفهوم التقليدي للديمقراطية ؟

بكين
بكين

بكين ــ عامر تمام 

لم يكن إعلان الولايات المتحدة عن عقد قمة للدول الديمقراطية لمواجهة الأنظمة المستبدة ـ في إشارة للصين وروسيا ـ مفاجئة، دائما ما تنصب واشنطن نفسها قاض الديمقراطية، تمنحها من تشاء، تنزعها ممن تشاء، كم من أنظمة تغيرت تحت ذريعة الديمقراطية، كم من أطفال ونساء قتلوا تحت قصف المقاتلات الأمريكية لينعموا بالديمقراطية، لكن رغم أن هناك من يرى أن الديمقراطية حق تريد به أمريكا باطل، كانت المفاجئة دخول الصين على الخط، إعلانها للعالم، إنها أنجح نظام ديمقراطي على وجه البسيطة، وأن النموذج الأمريكي على طريق الزوال. 

دعت إدارة الرئيس جو بايدن أكثر من 100 دولة لحضور القمة بالطبع لم تكن الصين من بينها، وما زاد الطين بلة، دعوة تايوان لهذه القمة نكاية في بكين. اعتبرت الصين هذه القمة استهدافا مباشرا لنظامها الحاكم وتشويها متعمدا لها على الصعيد العالمي، من خلال تصنيفها ضمن الدول المستبدة التي يجب أن تواجهها الدول الديمقراطية، ما يهدد بتقسيم العالم أيدلوجيا وينذر بحرب باردة جديدة، لذا جندت بكين كل إمكاناتها الإعلامية والدبلوماسية للرد على هذه القمة حيث أصدرت وثيقة رسمية عن الحكومة حول ديمقراطيتها كما أصدرت الخارجية الصينية بيانا رسميا يهاجم النموذج الأمريكي للديمقراطية، وعقدت منتدى عالمي حول مفاهيم الديمقراطية، وأكدت أن لديها نموذجها المناسب لشعبها والذي لا تريد فرضه على شعوب العالم كما هو حال واشنطن.

ووضع الرئيس الصيني شي جين بينج تعريفًا واضحا لديمقراطية بلاده، فمن وجهة نظره: الديمقراطية هي كل ما ينجح. "الديمقراطية ليست شيئا يستخدم للتجميل؛ يجب أن تستخدم لحل المشاكل التي يريد الناس حلها ".

احتكار تعريف الديمقراطية

بدأت الصين خطابها من نقطة أن الديموقراطية ليست حكرا على دولة أو عدة دول، لكنها قيمة مشتركة للبشرية جمعاء، كما إنها تتخذ أشكالًا متنوعة، ولا يمكن لأي دولة أن تحتكر تعريف الديمقراطية واختصاصها. مؤكدة أنها لن تفرض نموذجها الديمقراطي الخاص بها على الآخرين، ولن تقبل إلقاء محاضرات من قبل بعض الذين نصبوا أنفسهم قضاة الديمقراطية.
استغلت بكين الجدل الذي أثارته قائمة الدعوات الطويلة للقمة في تعضيد وجهة نظرها، حيث تم دعوة دول لا يمكن تصنيفها بأنها ديمقراطية بحسب التصنيف الأمريكي ذاته مثل أنغولا والعراق وجمهورية الكونغو الديمقراطية التي تصنف في أدنى فئة - "ليست حرة" - ضمن تصنيف منظمة فريدوم هاوس الأمريكية. 

وشملت القائمة آخرين هم فقط "أحرار جزئيًا" أو الذين، على الرغم من أنهم يستخدمون بعض الأشكال والإجراءات الديمقراطية، يحرمون الجماعات المقهورة المحددة على أساس العرق أو الدين من حقوقها السياسية مثل الهند.
في الشرق الأوسط، تم دعوة دولة الاحتلال الإسرائيلي والعراق الذي تمزقه الطائفية والمليشيا المسلحة، متجاوزين أعدادًا كبيرة من الحلفاء في الخليج العربي والعالم العربي الأوسع.

ما هي الديمقراطية الصينية؟

بحسب ليو قوانغ يوان مفوض وزارة الخارجية الصينية في هونغ كونغ فإن ما وصفها بالديمقراطية الفاعلة في الصين تتمتع بممارسات واقعية تحمي بشكل فعال الحقوق الديمقراطية الواسعة للشعب، والتي تُمارَس من خلال مجموعة من الانتخابات والمشاورات وصنع القرار والإدارة والرقابة.

اقرأ أيضا.. يداً بيد لبناء مجتمع صيني أفريقي ذي مستقبل مشترك في العصر الجديد

كتب يوان في مقال بصحيفة ساوث تشاينا مورنينغ بوست إنه لابد من التركيز على عدة جوانب لفهم الديمقراطية الصينية منها، إنها موجهة نحو الناس وترحب بالمشاركة الواسعة. موضحا أنه في الصين، يتم انتخاب جميع النواب البالغ عددهم 2.62 مليون نائب في المستويات الخمسة لمجالس الشعب، من المؤتمر الشعبي الوطني وصولاً إلى المقاطعات والمدن والمقاطعات والبلدات، من قبل الشعب. 
أضاف أن الديمقراطية يجب أن تعزز التنمية وتفيد الناس، مشيرا إلى أنه لا ينبغي للديمقراطية أن تكون مجرد نافذة، بل يجب أن تتناول في الواقع القضايا ذات الاهتمام. مستشهدا بأن ديمقراطية الصين قضت على الفقر المدقع في البلاد في إنجاز تاريخي.

أضاف مدللا على نجاح النموذج الصيني للديمقراطية أن بلاده أنشأت أكبر نظام للضمان الاجتماعي في العالم، يغطي أكثر من 1.3 مليار شخص، ما يتيح لهم عيش حياة أكثر أمانًا، كما أوجدت أكثر من 10 ملايين وظيفة جديدة كل عام لمدة 15 عامًا متتالية، وهو رقم يعادل عدد سكان دولة متوسطة الحجم.

أكد المتحدث باسم المكتب الإعلامي لمجلس الدولة، شو لين على وجهة نظر يوان قائلا، إن الولايات المتحدة تحاول احتواء وقمع البلدان التي لديها نموذج تنمية مختلف. وأضاف " الديمقراطية الجيدة هي تلك التي تحكم بشكل جيد، وتدفع باتجاه التنمية. 

يرى شيو يه لي الباحث في معهد الاقتصاد العالمي والسياسة بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعي أن حقيقة أن الولايات المتحدة هي القوة العظمى الوحيدة لا تعني أن قيمها ونظامها السياسي عالمي.  وبحسب شيو يه فإن الولايات المتحدة تتظاهر بأنها المزود للقيم العالمية، فهي تقسم العالم وتخلق صراعات لا تؤدي إلى السلام العالمي والتنمية العالمية، متهما أمريكا بأنها تقوم بتصدير الحروب وإطلاق "الثورات الملونة" وتحريض الفكر المتطرف باسم الديمقراطية. 

ديمقراطية تحتضر

انتقاد قمة بايدن للديمقراطية لم يقتصر على الصين بل جاء من داخل الولايات المتحدة نفسها، حيث انتقد بول بيلار ضابط المخابرات الامريكية السابق في مقال لصحيفة ناشيونال انترست القمة، معتبرا أن الديمقراطية الأمريكية تحتضر، وقال بيلار الذي يعمل أيضا رئيس الوحدات التحليلية في وكالة المخابرات المركزية الشرق الأدنى والخليج العربي وجنوب آسيا إن ما يجب اعتباره القضية الأكثر وضوحا هو أن الدولة المستضيفة للقمة ترى ديمقراطيتها تتدهور بشدة. 

وأضاف أنه من بين أوجه القصور الأخرى في النظام السياسي الأمريكي، أن أحد الحزبين السياسيين الرئيسيين في الولايات المتحدة لم يعد يؤمن بالديمقراطية بعد الآن في إشارة للحزب الجمهوري.  موضحا "يقود الحزب رئيس سابق مهزوم لا يزال يرفض نتيجة الانتخابات الوطنية الأخيرة، ويدعي مزاعم تزوير، كما صوت معظم ممثلي الحزب في مجلس النواب بالهيئة التشريعية الوطنية على رفض هذه النتيجة أيضًا". تنعكس الحالة المؤسفة للديمقراطية الأمريكية جزئيًا في مؤشر قياس الديمقراطية لفريدم هاوس، حيث تحتل الولايات المتحدة مرتبة خلف 69 دولة أخرى في مجال الحقوق السياسية. وهنا يبقى السؤال هل تستطيع أمريكا الاستمرار في تصدير ديمقراطيتها المتراجعة أم تنجح الصين في فرض نموذجها للديمقراطية القائم على إنه على كل دولة أن تصنع ديمقراطيتها.