الثأر على رأس الميت!

جنايات أسيوط تقضي بإعدام 7 متهمين قتلوا مشيعي جنازة خصومهم

المجنى عليهما
المجنى عليهما

  محمود مالك 

  للموت حرمته، ولم يقدس إنسان على وجه الأرض الموت مثلما قدسه المصريون قداماهم ومحدثوهم، خاصة أبناء الصعيد الذين كانوا يوقرون عدوهم المدين لهم بثأر، ولا يمسونه بل يوصلونه خارج البلد؛ إذا كان عنده ميتم، ورغم أنه ليس هناك  أسوأ من القتل شيء، إلا أن الغدر  يظل أبشع سلوك يأتيه بشر، وكأن هؤلاء الناس لم تمر عليهم الأقوال المقدسة مثل «إن جاع عدوك أطعمه وإن عطش اسقيه».. فما بالك وأهل المجني عليهم استأذنوا خصومهم للمرور بجنازة سيدة متوفاة للوصول إلى المسجد للصلاة على جثمانها قبل مواراتها التراب. لكنهم غدروا بهم بعد أن منحوهم الأمان وأطلقوا الرصاص على مشيعي الجنازة فأسقطوا قتيلين وأصيب آخرون.

هذا ما حدث بمركز القوصية محافظة أسيوط بصعيد مصر منذ شهور، حيث أحالت النيابة العامة 7 متهمين بقتل شخصين وإصابة 4 آخرين إلى المحاكمة بتهمة القتل مع سبق الإصرار والترصد للمجني عليهم خلال تشييع جنازة والدة القتيل الأول وشقيقها القتيل الثاني وإصابة 4 آخرين من المشيعين في واقعة هي الأولى من نوعها في الصعيد، من أخذ بالثأر خلال جنازة وحتى بعد استئذان الخصوم في المرور من أمام منازلهم بنعش الجنازة قبل خروجهم وأعطاهم خصومهم الأمان بالمرور ولكن أعدوا لهم كمينًا وحين الوصول أمام منازلهم اعترضت طريق الجنازة سيارة خاصة بأحد الخصوم ونزل منها المتهمون السبعة وأطلقوا النيران على الجنازة في مشهد مؤلم محطم للقلوب حيث ألقى المشيعون النعش في الأرض وحاول كل منهم النجاة بحياته ولقي ابن المتوفاة وشقيقها مصرعهما في الحال.

جثتان ونعش

تعود وقائع القضية إلى شهر يناير من العام الماضي حيث انطلقت جنازة عائلة «حجازي» في مشهد مهيب في قرية المنشأة الكبرى في حضن الجبل الغربي في مركز القوصية شمال محافظة أسيوط، وخلال ثوانٍ مرت الجنازة أمام منزل الخصوم من عائلة «مدكور» فاعترضت طريقها سيارة خرجت منها فوهات ٤ بنادق آلية انطلقت تحصد أرواحا وفجأة انقلبت الجنازة المهيبة إلى هرج ومرج واختلطت أصوات الصرخات بأصوات الرصاص، ورجال واطفال والكل يجري يمينًا ويسارًا في مشهد مرعب بدا أنه من أفلام المافيا سكتت أصوات العيارات النارية  لتخلف جثتين ومصابين ونعش في الأرض.

  ساد الحزن بين أبناء القرية على حادث الغدر كما وصفه الأهالي، إذ أنه من المشهور عرفيًا لا يمر أطراف الخصومة من أمام منازل خصومهم إلا بعد الإذن بالمرور من الخصم في بعض الحالات  الحرجة  وهذا ما حدث فعلاً، حيث استأذن بعض الرجال  من عائلة (حجازي) عائلة (مدكور) بالمرور من أمام منزلهم لأداء صلاة الجنازة على المتوفاة فردوا عليهم بالموافقة والعزاء، وبالفعل حمل المجني عليهم من عائلة حجازي النعش في خشوع لأداء صلاة الجنازة والدفن وعند وصولهم إلى منطقة منازل الجناة فوجئوا بالغدر ووقع الأمر وقتل ابن المتوفية وشقيقها في الرصاصات الأولى، وأصيب أربعة آخرون، ابدى المشاركون استياءهم من الجريمة التى تخالف اعراف وأخلاقيات ابناء الصعيد حتى فى ظل الخصومات الثأرية  وخاصة أن الكفتين بين طرفى الخصومة متعادلة.

أستاذ جامعي

بدأت وقائع الخصومة منذ ١٠ سنوات حيث أطلق بعض أفراد من عائلة (حجازي) النيران  على شاب من عائلة (مدكور) لخلافات سابقة فأردوه قتيلاً، وبعد ٤ سنوات حكمت المحكمة بحبس أحد المتهمين مؤبد وبراءة ٤ آخرين من عائلة حجازي، فقام شباب عائلة مدكور بالرد بقتل أحد شباب عائلة حجازي وحكمت المحكمة بحبس احدهم وخرج بعد ٥ سنوات بالنقض، ومنذ عام كامل جرت جهود عائلة مدكور للصلح وبالفعل منذ خمسة أيام، توصلت أفراد العائلتين إلى إتمام الصلح بين أطراف الخصومة.

  تلقى اللواء أسعد الذكير - مدير أمن أسيوط - إخطارًا من اللواء دكتور منتصر عويضة مدير المباحث الجنائية ببلاغ من مركز شرطة القوصية عن الجريمة التي وقعت في قرية المنشأة الكبرى بمركز القوصية. وتبين مقتل كل حسن شوقي أحمد عيد (٦٢سنة بالمعاش) شقيق المتوفاة، ونجلها عبدالرحمن محمد عبدالحافظ عيد (٢٧ سنة) حاصل على مؤهل جامعي. ونجحت تحريات المباحث في التوصل لهوية المتهم الرئيسي في الحادث، وتبين أن المتهم الرئيسي وهو «ح.خ» يبلغ  من العمر 42 سنة حاصل على الدكتوراة يعمل أستاذًا جامعيًا بإحدى الجامعات الخاصة، وحضر ليلة الحادث بعد ان علم بحالة الوفاة واتفق مع ابناء شقيقه وعمه بتنفيذ جريمتهم مستخدمين سيارته الخاصة، وألقت قوات الامن القبض عليه قبل عودته الى القاهرة في كمين على مخارج القوصية قرب الطريق الصحراوي الغربي، وانه يستخدم طرفًا صناعيًا بديلاً عن قدمه التى بترت فى حادث قطار.  

   وشيع الآلاف من أبناء مركز القوصية بأسيوط  تحت جنح الظلام  جثمانى الضحيتين شاب وخاله اللذين لقيا مصرعهما  فى المجزرة التى وقعت اثناء تشييع جنازة والدة القتيل الأول من عائلة حجازى.

صرحت النيابة العامة بدفن جثث القتلى وسرعة ضبط المتهمين وإحالتهم للنيابة لتباشر التحقيقات والتي قررت قيام 7 متهمين بالتخطيط وتنفيذ عملية قتل المجني عليهم، وبإحالتهم للمحكمة الدائرة الثامنة جنايات؛ قضت بالإعدام شنقاً على كل من احمد عماد خليفه عبدالحافظ، واحمد زكريا محمود عبدالحافظ، وحماده خليفه عبدالحافظ أبوزيد، وجابر سعد جابر زيان وشهرته صابر، وعيد علي محمد ابراهيم، واحمد عبداللطيف محمد ابراهيم وشهرته احمد لطفي، ومحمد حامد محمود أبراهيم.