الديانات السماوية تتعانق فى «متحف الحضارة»

محمل يعود لعصر الخديو عباس
محمل يعود لعصر الخديو عباس

تحقيق:  عبدالعزيز أحمد

 هنا تتلاقى الحضارات وتمتزج فى بوتقة الهوية المصرية التى تؤثر ولا تتأثر.. هنا يشع التعايش والتسامح والمحبة التى اشتهرت بها مصر وشكلت قاعدة راسخة فى نفوس أبنائها عبر العصور.. هنا «متحف الحضارة».. حيث عظمة الماضى والحاضر.

اللواء الإسلامى قامت بجولة داخل متحف الحضارة، قدم خلالها كل من على طه أمين أول متحف الحضارة، وشيماء محمود بندارى مدير مخزن العصر الحديث والتراث بمتحف الحضارة، شرحاً وافياً عن مقتنيات المتحف والقطع المعروضة التى تروى حكاية مختلف الحضارات التى شهدتها مصر عبر العصور، والتى تؤكد القوة والتميز التى امتلكتها مصر  وتمتعت بها منذ فجر التاريخ.

بداية يقول على طه، انه تم اختيار هذا الموقع فى منطقة الفسطاط، بعناية شديدة، حيث انه مبنيا على حفائر قديمة بمنطقة الفسطاط التاريخية حيث وجدت بها بقايا ولقى أثرية، وكانت الفسطاط اول عاصمة إسلامية انشأها الصحابى الجليل عمرو بن العاص، كما ان موقع المتحف قريب جدا لمعظم الآثار الشهيرة بمدينة القاهرة مثل القلعة ومجمع الأديان كما انه قريب من منطقة الأهرامات بالجيزة.

واعتبر طه ان متحف الحضارة يتميزعن بقية المتاحف الأخرى، حيث يوجد لدينا فى مصر متاحف نوعية ومتاحف تاريخية، فالنوعى منها هو الذى يعتد فى عرضه على خامات بعينها مثل متاحف الخزف والنسيج، اما التاريخية فهى التى تختص بعرض حقبة من الزمن سواء الفرعونى أو الإسلامى أو القبطى بينما فى متحف الحضارة يتم عرض الحضارات التى مرت على مصر عبر العصور.

وأضاف: »معظم الحضارات التى وردت إلينا عن طريق الإحتلال لم تكن مؤثرة فى الحضارة المصرية ولكنها تأثرت بها فنجدها تندمج وتنصهر مع المجتمع المصرى، بل وتأخد من المعتقدات المصرية وربما مثال على ذلك الإندماج الذى حدث بين المعبودات المصرية واليونانية فى العصر اليونانى الرومانى. حتى فى العصر الحديث عندما جاءت الحملة الفرنسية على مصر أخذ الجنود والقادة فى التقرب إلى المصريين. 

وهنا تبرز رسالة وهدف المتحف الذى يؤكد أن الحضارة المصرية اثرت ولم تتأثر بكل الحضارات التى كانت حولها، وقد ظهر ذلك فى البناء والفنون المختلفة التى أبهرت ومازالت تبهر العالم.

العصر الإسلامى

كما تميزت مصر فى العصر الإسلامى سواء أكانت مركزا للخلافة أو ولاية من الولايات بالرغم من أن معظم الحكام فى فترة العصر الإسلامى لم يكونوا مصريين لكنهم تأثروا بمصر وعاشوا فيها واحبوها وصنعوا الحضارة هنا بيد أبناء الشعب المصرى، وكانت مصر فى فترة الاضمحلال تنتج أموراً إبداعية مثل البريق المعدنى، والمشكاوات، فقد كانت منارة بمعنى الكلمة. ويلفت طه النظرالى نقطة مهمة وهى أن متحف الحضارة يعرض به معروضات تعبر عن الديانات السماوية الثلاث، المسيحية واليهودية والإسلامية. وهو ما يعكس تاريخا من التسامح امتازت به مصر على مر العصور ومازال متواصلا يشع نوره حتى الآن.

ومن بين المعروضات حامل التوراة، «صحائف التوارة» مكتوبة بالعبرية، تعود لنهاية القرن التاسع عشر، حيث كانت اسفار موسى فى العهد القديم تكتب بخط اليد على لفائف من الرق، والتى تحتوى على اكثر من 304 ألف حرف، وكانت تحفظ عند اليهود الشرقيين «مزراحيم» فى صناديق اسطوانية الشكل تسمى «تيكيم» وهى صناديق  من الخشب تغلف بالمخمل ثم تزين بزخارف من الفضة تحمل فقرات مختارة من التوراة. كما يعرض المتحف الفن القبطى الذى استمر حتى فى العصر الإسلامى، مما يعنى أن الأرض المصرية احتوت جميع الديانات فأصبح شعبها كالنسيج الواحد وكان التعايش السلمى بين الجميع وهو مايميزها حتى الآن.

والدليل على ذلك يوجد بمتحف الفن الإسلامى احد اشهر أبواب المساجد وهو باب مسجد السيدة زينب رضى الله عنها، إلا أن من قام بصنعه ودون أسمه عليه هو الصانع اليهودى «يهوذا أصلان»، مما يؤكد سماحة وتلاحم الأديان فى مصر عبر العصور، حيث كان الفنانون أبعد ما يكون عن التعصب الدينى. كما أن من قام بتصميم جامع أحمد بن طولون هو مهندس قبطى.

وشارك المتحف بمجموعة من القطع الأثرية فى بعض المعارض الخارجية  خلال الفترة الماضية كما استقبل الكثير من القطع الأثرية بعضها كان مهددها بوجوده فى مكانه الأصلى مثل منبر أبو بكر مزهر من العصر المملوكى والذى كانت تهدده المياه الجوفية.

بالإضافة إلى بعض الآثار المستردة من الخارج التى كانت قد خرجت بطرق غير شرعية وذلك طبقا للإتفاقيات الدولية وقانون حماية الآثار.

الهوية المصرية

وقالت شيماء بندارى مدير مخزن الحديث والتراث، أن إجمالى عدد القطع المعروضة فى متحف الحضارة يبلغ نحو 1600 قطعة من كافة العصور التى شهدتها مصر منذ فجر التاريخ.

مؤكدة أن المتحف يلقى إقبالا شديدا من الفئات العمرية المختلفة بالمجتمع من الداخل والخارج وخاصة من الأطفال والشباب حيث وجد الجميع فرصته فى الحصول على معلومات مبسطة ومركزة عن الحضارة المصرية عبر العصور فى مكان واحد بالإضافة للسماح للجميع بزيارة قاعة المومياوات الملكية التى كان يزورها من قبل حيث كانت معروضة بالمتحف المصرى بالتحرير البعض وليس الكل.  

ومن ابرز القطع المميزة فى قاعة العرض المتحفى «هيكل انسان نزلة خاطر» وهو هيكل لشاب عثر عليه فى مدينة سوهاج منذ نحو 35 الف سنة، وجدت بجواره أداة كان يستخدمها فى حياته اليومية.

كما يعرض المتحف مجموعة من الموضوعات تمثل الاستقرار فى حياة المصرى القديم وبداية الحضارة بعد أن كان يعيش فى الكهوف بما فيها مايمثل صناعة الحلى والأدوات الحربية والموسيقى والطب وغيرها من الموضوعات التى تؤكد ريادة المصرى عبر العصور .

ومن أهم القطع الأخرى المعروضة خارجياً «المشرفية» أو المشربية، التى ظهرت فى مصر إعتبارا من القرن السادس الهجرى، كانت فى تصميم المنزل من الداخل كى تطل من خلالها السيدات على صحن المنزل دون أن يراها زائرى المنزل الغرباء يزينها من أعلى شبابيك من الجس المعشق بالزجاج الملون وكان الهدف من المشربية إدخال الإضاءة الطبيعية والتهوية إلى المنازل مع الاحتفاظ بخصوصية المكان.

ونظرا لتحريم الإسلام استخدام الذهب والفضة فى الأدوات المنزلية ظهر فن الخزف ذو البريق المعدنى الذى أبدع فيه الفنان المصرى من خلال وضع أكاسيد معينة تعطى لمعة تقارب الفضة والذهب بعد حرقها فى الأفران المخصصة لذلك وقد اهتم المتحف بعرض مجموعة من الخزف ذو البريق المعدنى المتميزة ضمن معروضاته خاصة أن مدينة الفسطاط اشتهرت فى العصر الفاطمى بصناعة الفخار.

كما تعددت وسائل الإضاءة الأخرى مثل الشمعدانات والمسارج والمشكا ويكتب عليها الآية 35 سورة النور آية النور: »الله نور السموات والارض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح فى زجاجة الزجاجة كأنها كوكب درى يوقد من شجرة مباركة زيتونة لاشرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيئ ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدى الله لنوره من يشاء ويضرب الله الامثال للناس والله بكل شئ عليم»..

كما يعرض المتحف مجموعة من العملات الذهبية والفنية والبرونزية من العصر اليونانى الرومانى والعصر الإسلامي، ويذكر أن الخليفة الأموى عبد الملك بن مروان أول من سك الدنانير العربية الإسلامية.

ومن الجدير بالذكر أن الشارات التى وجدت على بعض المشكاوات أو المشغولات المعدنية أو بعض قطع النسيج المعروضة بالمتحف والتى انتشرت فى العصر المملوكى كانت تعبر عن الوظائف التى يتولاها صاحب التحفة نفسها. 

ومن أشهر سلاطين المماليك قبل دخول السلطان سليم الأول إلى مصر كان السلطان قنصوة الغورى حيث يوجد ضمن معروضات المتحف صندوق مصحف يرجع لعصره. 

ومن ضمن معروضات  قاعة العرض المركزى «المحمل» الذى يرجع لعصر الخديوى عباس حلمى الثانى 1322 تقريباً، وكسوة الكعبة الشريفة «باب التوبة» وهى آخر كسوة خرجت من مصر فى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر 1962م، ومسجل عليها اسمه والتاريخ الميلادى والهجرى.

وأضافت شيماء بنداري: »يجرى العمل من خلال قاعة العرض المؤقت لعرض القطع الأثرية التى كانت معروضة بمتحف النسيج ونقلت بأكملها لمتحف الحضارة وأن الامتزاج بين الحضارة المصرية القديمة والحضارة اليونانية لم يطمس الهوية المصرية بل نجد أن الحكام اليونانيين صوروا أنفسهم بالهيئة المصرية والنقبة القصيرة لاستمالة الشعب. أما فى الفترة القبطية فقد انتشرت الرمزية فى جميع الفنون وتطورت تلك الفنون خلال العصر الإسلامي».

كما يعرض بالمتحف مجموعة متميزة من أعمال بعض الفنانين المعاصرين مثل محمود مختار ونبيل درويش وسعيد الصدر ومحمد طه حسين.

تعاون مع جهات أخرى 

ولفتت بندارى إلى ان القطع الأثرية أو التراثية التى تعرض بالمتحف تم نقلها من متاحف ومخازن الآثار التابعة للمجلس الأعلى للآثار بالإضافة لبعض القطع نتيجة التعاون المثمر بين وزارة الثقافة ومتحف السكة الحديد التابع لوزارة النقل ومتحف بنك مصر التابع للبنك المركزى.

يضم العرض أيضا مجموعة من البانورامات مثل نموذج لكهف فى العصر الحجرى ولسبيل وكتاب من العصر الإسلامى.