ناجي أبو مغنم يكتب: معلمي الأجيال.. عذرًا

ناجي أبو مغنم
ناجي أبو مغنم

اعتداء طالب على معلمه بالحذاء، وآخر بالساطور، وتعددت الحالات حتى ارتقى الأمر إلى كونه ظاهرة دخيلة على مجتمعنا الذي كان حتى وقت قريب يوفي المعلم ويبجله ويحترمه وإن شئت قل يقدسه. 
ما كان طالب من جيلي والأجيال السابقة يجرؤ على رفع عينيه أمام معلمه أو حتى يذكر اسمه في أي وقت خارج المدرسة دون أن يقول الأستاذ فلان. 
وعندما كان يمر الطالب من شارع ولمحت عيناه معلمه، لا يستكمل طريقه، بل يعاود للمرور من شارع آخر ويختفي من أمام عينيه، والخوف يتملكه خشية أن يكون الأستاذ قد رآه. 

وكان الآباء وأولياء الأمور يكنون الاحترام والتقدير ويقرون بالعرفان لمن يتولى تربية وتعليم أبنائهم في المدارس، ويشكروهم كلما التقوا بهم على تعبهم، ويطمئنون منهم على فلذة أكبادهم ويلتمسون من المدرس تعنيف الطالب وقتما يخطئ في أمر تعليمي أو حتى أي سلوك آخر خارج إطار العملية التعليمية، ولا أنسى موقفًا حدث معي ذات مرة، حينما صفعني مدرس على وجهي وضربني 8  جلدات، ومع نهاية اليوم هرولت مسرعا إلى والدي، شاكيًا وباكيًا والدموع تنهمر من عيني، ورافقني في صباح اليوم التالي وسأل عن المدرس، ولما قابله قال أبي: «معلش يا أستاذ لو ناجي غلط، يا ريت متزعلش منه، وخد راحتك معاه واضرب وكسر عظمه وأنا عليا عمل الجيبرة»، هكذا كان والدي وكل الآباء، ممن يعرفون فضل المعلم ودوره في تأدية رسالته التي أمرنا بها الله في أول آية نزلت على نبينا محمد في محكم التنزيل. 

أما الآن ، فحدث ولا حرج، فقد رأينا الأب يشجع ابنه على ضرب أستاذه، ويعتدي علي معلم الأجيال لكونه مارس حقه في تربية طلابه، وأحيانًا ينزعج الوالد عندما يعنف الأستاذ نجله «الدلوع عين مامته»، ويقوم الدنيا ولا يقعدها وكأن المعلم في حالة ندية مع تلميذه، فخرجت العملية التعليمية عن سياقها وفقدت قدسيتها، والخاسر هو الطالب والأسرة والمجتمع، بسبب فقدان دور إحدى مؤسسات التنشئة وهي المدرسة. 
وهنا وجب السؤال، ماذا يتبقى للمعلم بعدما سُلبت منه كرامته وكبريائه، وراح شموخه وانهدرت عزته بنفسه، وبات مكسور العين، هل يمكن للمعلم المعتدى عليه أن يؤدي واجبه بنفس الحماس والحب، أم أنه بات مرتعدًا خائفًا من بلطجة الطلاب وآبائهم.
وقبل أن أنهي كلماتي لا يفوتني سرد موقفين بمثابة عزاء لنا جميعا فيما حدث. 
الموقف الأول الأحكام القضائية العاجلة والرادعة لمن سولت له نفسه أن يخدش كبرياء معلم الأجيال ومربيهم. 
الموقف الثاني، الذي يبث في قلوبنا الطمأنينة على مجتمعنا الذي ما زال فيه العارف والحافظ لفضل المدرسين، والموقف هو ضابط مرور في بني سويف الذي تداول الجميع حكايته بكل فخر واعتزاز، عندما طلب من العاملين في وحدة المرور التي يرأسها، بتسريع الإجراءات للمعلمين بل يتوجهون الي مكتبه لإنهاء طلباتهم فورا تقديرا منه وعرفانا لأصحاب الفضل الذين علموه وقت أن كان طالبا للعلم في قاعات البحث والدرس.