خبير آثار يطالب بحسن استغلال موقع متحف محمود خليل.. صور

متحف محمود خليل وحرمه بالجزيرة
متحف محمود خليل وحرمه بالجزيرة

أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار أن متحف محمود خليل يعد من أهم متاحف الفنون التشكيلية والتطبيقية فى الشرق الأوسط لأهمية لوحاته وموقعه المتميز على شاطئ النيل داخل حديقة كبرى وأشجار مثمرة لها قيمتها التاريخية كما يواجه دار الأوبرا وحديقة الأندلس وعلى الجانب الآخر من النيل المتحف المصرى وميدان التحرير بعد تطويره فهى منطقة سياحية متكاملة.

ويطالب الدكتور ريحان بتحويل حديقة المتحف إلى قاعات عرض مكشوفة ومعارض للفنون التشكيلية والتطبيقية والتصوير والنماذج التراثية من الموروثات الشعبية فى مصر بالنوبة والصعيد وسيناء والواحات والفيوم وغيرها ويتم وضعه على خارطة السياحة المحلية والدولية باعتباره أكبر متحف يضم حديقة متحفية للفنون التراثية والحديثة فى مصر والفنون العالمية من خلال معروضات المتحف النادرة. 

ويشير الدكتور ريحان من خلال جولة سياحية قامت بها الباحثة الآثارية نورهان نبيل مصطفى ماجستير الآثار اسلامية من جامعة حلوان وصورت مقتنيات المتحف وهو عبارة عن قصر بسيط مكون من طابقين لكنه يضم العديد من التحف والكنوز العالمية المبهرة من لوحات لأكبر وأعظم الرسامين فى العالم، والتى جمعها محمود خليل بنفسه وبناءًا على رغبة زوجة الفنان محمود خليل تحول القصر بما فيه من تحف إلى متحف يخلد ذكراهما.

ويضيف الدكتور ريحان أن تاريخ المتحف يعود إلى بدايات القرن العشرين، فقد شُيد عام 1905 كمقر للمصرفي الفرنسي الشهير رافييل سوارس ثم انتقلت ملكيته بعدها إلى أحد أمراء أسرة محمد علي وهو الأمير عمر طوسون، والذي باعه بدوره إلى المحامي والسياسي المصري الصاعد وقتها محمد محمود خليل، وكان خليل حقوقيًا ورجل أعمال وسياسيًا بارزًا عين وزيرًا للزراعة ثم رئيسًا لمجلس الشيوخ المصري في أربعينيات القرن الماضي.

وقع خليل أثناء دراسته في باريس فى غرام فتاة فرنسية كانت تدرس الموسيقى وهي إيميلن هيكتور التي تزوجها ورافقته للإقامة في قصره الجديد، وظلت وفية لذكراه بعد وفاته إلى جانب ذلك كان الرجل مولعًا بكل ما هو فرنسي وهو ما يبدو في اختياراته للأعمال الفنية التي جمعها وزوجته طوال حياتهما. 

وقد انتخب خليل فى عام 1948 مراسلًا للأكاديمية الفرنسية للفنون الجميلة، وأصبح عضوًا بها عام 1949 وقد أوصى خليل بالقصر ومحتوياته لزوجته، واتفق معها أن تتبرع بالقصر للدولة المصرية بعد وفاتها، وعاشت زوجته فى القصر حتى عام 1960 وكتبت وصيتها فى 11 مايو 1960 أن القصر بمحتوياته إهداء إلى الدولة المصرية على أن يستمر متحفًا متاحًا للدخول مجانًا أو بمبالغ زهيدة حتى يستطيع جميع المصريين زيارة المتحف. وقد تم افتتاح القصر بعد تجهيزه للعرض المتحفى فى 23 يوليو عام 1962

ويتابع الدكتور ريحان أن الرئيس الراحل محمد أنور السادات قرر فى عام 1972 اتخاذ المتحف مكتبًا له وكان بيته مجاورًا للمتحف فأبقى على النجف والسجاد ونقلت اللوحات والأثاث إلى قصر البرنس عمرو باشا إبراهيم فى الزمالك حيث أصبح المقر المؤقت للمتحف لمدة عشر سنوات وبعدها عادت الكنوز إلى قصر محمد محمود خليل.

وينوه الدكتور ريحان إلى أن أول المقتنيات الثمينة التي اشتراها صاحب القصر كانت لوحة للفنان الفرنسي الشهير أوغست رينوار، والمسماة "ذات ربطة العنق من التل الأبيض" وهي واحدة من بين أهم الأعمال المعروضة داخل المتحف اليوم، وكان خليل قد اشتراها من إحدى غاليريهات باريس عام 1903 لقاء مبلغ أربعمئة جنيه مصري، وهي لوحة ذات حجم متوسط مرسومة بالألوان الزيتية على القماش تمثل سيدة شابة ترتدي ربطة عنق من التُل الأبيض يشوب وجهها الحمرة وتعددت مقتنيات خليل بعدها، وساعده في ذلك اندلاع الحربين العالميتين واضطراب حركة السوق الفنية في أوروبا مما مكنه من اقتناء العديد من الأعمال الفنية لفنانين بارزين بأسعار زهيدة.

وتوضح الباحثة الآثارية نورهان نبيل مصطفى أن زوجة الفنان محمود خليل اشترت فى عام 1901 لوحة للفنان الفرنسى الشهير رينوار  بمبلغ 400 جنيه، واعتبر مبلغًا ضخمًا آنذاك، وفى عام 1953 قدرت اللوحة بمبلغ 40 مليون دولار والآن قيمتها أضعاف ذلك المبلغ واستمر خليل فى اقتناء اللوحات لكبار الفنانين حتى أصبح المتحف يحوى 403 لوحات و42 تمثالًا من أعمال 143 فنانًا، وتحوى مجموعات من أعمال جوجان وفان جوخ ورينوار وجان باتيست ومونيه وألفريد سيسلى وبودان ولاتور فانتان وديجا وديلاكروا، ومن المثالين عددًا كبيرًا من تماثيل النحات الفرنسى الأشهر رودان منها تمثال «المفكر» الشهير، بالإضافة إلى ذلك هناك عددًا كبيرًا من الفازات القيمة الأثرية التى لا تقدر بثمن وعددًا كبيرًا من اللوحات الصغيرة والمنمنمات والسجاد والنجف النادر الأثرى.

وتنوه الباحثة نورهان نبيل مصطفى إلى تعرّض أغلى لوحة فى المتحف للسرقة ثلاث مرات، وهى لوحة زهرة الخشخاش الشهيرة للفنان الأشهر فان جوخ، والتى يقدر ثمنها بمئات الملايين من الدولارات، فى المرة الأولى أخذها طالب بكلية الفنون عام 1960 فى فترة تحويل القصر إلى متحف ولكنه أعادها مرة أخرى والمرة الثانية سرقت نفس اللوحة أثناء هجرتها إلى قصر عمرو باشا بالزمالك ولكنها أعيدت مرة أخرى والمرة الأخيرة كانت فى 21 أغسطس عام 2010 حين اختفت اللوحة من المتحف وأحدث ذلك دويًا عالميًا ولم يعثر على اللوحة مرة أخرى، وتمت تحقيقات موسعة ومحاكمات وأغلق المتحف لأكثر من 10 سنوات حتى يتم إعادة تجهيزه بأجهزة أمان إلى أن افتتح منذ عدة أسابيع وتم عمل دليل للمتحف فى الأربعينيات، ثم تم طبع دليل آخر فى الستينيات أشرف عليه المؤرخ الفنى صدقى الجباخنجى وريشار موصيرى اليهودى المصرى والخبير الفنى الذى كان يساعد محمد محمود خليل فى الاقتناء.

وتضيف نورهان مصطفى أن المتحف حظى بزيارة مجموعة من الخبراء الفنيين الفرنسيين لمدة 10 أيام من 31 مارس 1989، لفحص المحتويات والتأكد من أنها أصلية، وتأكدوا من ذلك وسجلوا شهادات وصف دقيق للوحات، وسافرت المجموعة التى لم يرها الشعب الفرنسى من قبل فى عام 1994 للاشتراك فى معرض فى باريس، وعادت لمصر مرة أخرى بأمان.

 

 

أشرف العشماوي يكتب: لقطة ما قبل الاحتفال