بقانون البيانات الصينى وأزمة سلاسل التوريد

بكين تؤلم الاقتصاد العالمى

الشحن البحرى يدفع فاتورة الحرب الباردة
الشحن البحرى يدفع فاتورة الحرب الباردة

دينا توفيق

لا تزال الصين تحاول الخروج من أزمة شركة التطوير العقارى الصينية إيفرجراند التى ألمت بها وتداعياتها على اقتصادها.. أزمات سياسية تحيط بها ومحاولات لمحاصرتها لإضعافها.. حرب باردة دائرة بين التنين الأصفر والولايات المتحدة، ولكن ثانى أكبر اقتصاد فى العالم لن يستسلم ولن يتراجع، فإذا كانت واشنطن لديها من الفرص لاستغلال الأزمة لتوجيه ضربة للاقتصاد الصينى إلا أن بكين لاتزال تمتلك من الأدوات للضغط ليس فقط على الولايات المتحدة وحلفائها فى المنطقة ولكن تأثيرها يهدد الاقتصاد العالمى.

السفن تختفى من أنظمة التتبع بمجرد دخولها المياه الإقليمية الصينية. 90% منها لم تعد ظاهرة على شاشات الرصد خلال الأسابيع الثلاثة الماضية.. تكدس وارتباك شديد فى الموانئ وتأخير فى تفريغ السفن، صداع آخر يضرب سلاسل التوريد يسفر عن ارتفاع فى الأسعار وتضخم وتداعيات أخرى على الاقتصاد العالمى. أصدرت بكين فى أغسطس الماضى قانون احماية المعلومات الشخصية الصينىب ودخل التنفيذ مطلع نوفمبر المنصرم، الذى يتطلب من الشركات الصينية التى تتعامل مع البيانات الحصول على موافقة الحكومة قبل السماح للبيانات الشخصية الخاصة بتلك الشركات بمغادرة الأراضى الصينية، خوفًا من انتقال هذه البيانات فى أيدى الحكومات الأجنبية. قد تكون عزلة الصين المتزايدة عن بقية العالم- إلى جانب انعدام الثقة المتزايد فى النفوذ الأجنبى- السبب فى ذلك. 

الأزمات التى تشهدها الصين مصنع العالم والتى تمتلك 6 موانئ الأكثر ازدحامًا، وأكبر مصدر للسلع لجميع الدول التى تشكل 15% من الصادرات العالمية، ما يمنحها قوة مؤثرة على حركة التجارة العالمية ومن ثم الاقتصاد. لاحظ المحللون وفقًا لشبكة اCNNب الإخبارية الأمريكية، التراجع فى حركة الشحن فى نهاية أكتوبر الماضى، حيث كانت تستعد الصين لسن تشريع يحكم خصوصية البيانات؛ عادةً ما تكون شركات الشحن قادرة على تتبع السفن فى جميع أنحاء العالم لأنها مزودة بنظام تحديد تلقائى أو جهاز إرسال واستقبال AIS. يسمح هذا النظام للسفن بإرسال معلومات، مثل الموقع والسرعة- إلى المحطات الموجودة على طول السواحل باستخدام الراديو عالى التردد. إذا كانت السفينة خارج نطاق تلك المحطات، فيمكن تبادل المعلومات عبر الأقمار الصناعية، لكن هذا لا يحدث فى ثانى أكبر اقتصاد فى العالم، اللاعب المهم فى التجارة العالمية، وفقًا لبيانات من مزود بيانات الشحن البحرية اVesselsValueب. وقالت المحللة التجارية فى مزود البيانات البحرية اشارلوت كوكب، إن التراجع فى بيانات AIS من الأسبوع الأول من نوفمبر قد أثر على قدرة شركات الشحن على تتبع العمليات بدقة فى الموانئ الصين. قد يؤدى قانون البيانات الجديد إلى تفاقم الفوضى فى سلسلة التوريد، خاصة أن مزودى البيانات الصينيين قد يحجبون المعلومات كإجراء احترازى وأن القانون جديد ويحتاج لبعض الوقت للتحقق من أن الأمور على ما يرام، وفقًا لرئيس فريق شبكة المعلومات فى امارين ترافيكب أناستاسيس توروس. فيما صرحت وزارة الشئون الخارجية الصينية للشبكة الإخبارية الأمريكية أن محطات AIS على طول السواحل الصينية التى تم إنشاؤها بشكل قانونى وفقًا للمعاهدات الدولية لم يتم إغلاقها وتعمل بشكل طبيعى.

خبراء الشحن الآخرون لديهم المزيد من القرائن على تأثير القانون، حيث قالت كوك إن الزملاء فى الصين أخبروها أنه تمت إزالة بعض أجهزة الإرسال والاستقبال الخاصة بنظام AIS من المحطات الموجودة على طول السواحل الصينية فى بداية الشهر، بناءً على تعليمات من سلطات الأمن القومى الصينية.

رغبة الصين فى الاحتفاظ بالسيطرة على جميع البيانات والمعلومات داخل حدودها ليست مفاجئة، حيث يواصل الرئيس اشى جين بينجب إعادة تأكيد هيمنة الحزب الشيوعى الحاكم فى كل جانب من جوانب الاقتصاد والمجتمع. كانت البلاد تضغط من أجل الاكتفاء الذاتى الاقتصادى لأنها تواجه تهديدات خارجية، مثل العقوبات الأمريكية على التقنيات الرئيسية. وشدد شى على أهداف بلاده فى الاعتماد على الذات فى السنوات التى سبقت وأثناء الحرب التجارية والتكنولوجية المريرة مع الرئيس الأمريكى السابق ادونالد ترامبب، على سبيل المثال، اصنع فى الصين 2025ب، وهى خطة طموحة لدفع قطاع التصنيع فى الصين إلى مجالات تكنولوجية أكثر تقدمًا. وحاول بعض كبار المسئولين فى بكين مؤخرًا تهدئة مخاوف المستثمرين الأجانب من أن الدولة تعزل نفسها عن بقية العالم لأنها تعطى الأولوية للأمن القومى. وقال نائب الرئيس الصينى اوانج كى شانب، الذى يعتبر حليفًا موثوقًا لشي، لمنتدى بلومبيرج للاقتصاد الجديد فى سنغافورة: إن الصين لن اتتطور بمعزل عن العالمب. كما دعا الدول أيضًا إلى الحفاظ على سلاسل التوريد مستقرة وسلسة. تريد الصين أن تضاعف الدولة إجراءاتها الأمنية الشاملة بما يتماشى مع استراتيجية وطنية حتى عام 2025، حيث لا تظهر التوترات بين واشنطن وبكين أى بوادر للتراجع. ووفقًا لصحيفة اجنوب الصين الصباحيةب، يشكل الأمن التكنولوجى جزءًا من نهج الصين الشامل للأمن القومى، وهو مفهوم شامل قدمه شى عام 2014 لتسليط الضوء على التهديدات على الجبهات الأيديولوجية والاقتصادية والسياسية والعسكرية. فالعقوبات التجارية التى فرضتها الحكومة الأمريكية على إحدى شركات الاتصالات الصينية الكبرى سابقًا، كانت طلقة تحذير من أن البلاد يجب أن تطور تقنياتها الخاصة للحد من الاعتماد على الموردين الأجانب. وفى غضون ذلك، طبقت الصين هذا العام قواعد ولوائح جديدة تقيد تدفقات البيانات عبر الحدود وفرض توطين البيانات. ومع ذلك، فإن نظام البيانات المشدد لم يمنع بكين من بذل جهود لتكثيف تطوير التجارة الرقمية.

ووفقًا لصحيفة اواشنطن بوستب اشتدت الحرب التجارية السياسة بين الولايات المتحدة والصين بدرجة أكبر، حيث فرضت بكين وواشنطن تعريفات جمركية ومقاطعة المنتجات الاستهلاكية فى صراعهما مع بعضهما البعض. وعلى الصعيد المحلى، أطلقت بكين حملة شعبوية ضد الشركات الكبرى، مما جعل السوق أقل ربحية للعديد من الشركات بموجب لوائح جديدة أكثر صرامة لبعض رجال الأعمال الغربيين. وفى 2 نوفمبر الماضي، أعلنت شركة اياهوب عن انسحابها من السوق الصينية بسبب البيئة القانونية والتحديات فى سوق العمل. وقبلها أعلنت مايكروسوفت عن قرارها إغلاق النسخة المترجمة إلى الصينية من موقع LinkedIn فى البلاد.

فيما قالت مديرة منتدى مستقبل الخصوصية لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ اكلاريس جيروتب، إن القانون الصينى مستوحى إلى حد كبير من اللائحة العامة لحماية البيانات فى أوروبا، والتى تم تنفيذها عام 2018. لكنها قالت إن نسخة الصين تختلف عن اللائحة العامة لحماية البيانات فى أحكامها الخاصة بالسيادة الوطنية للصين على البيانات، بدلًا من أن تكون مجرد حقوق المستهلك. يأتى القانون أيضًا وسط ضغوط واسعة على الشركات من حملة االرخاء المشتركب التى يقودها الرئيس الصينى جين بينج، وهى حملة شعبية لتضييق فجوة الثروة فى البلاد وإعادة توزيعها، حيث تعرض عدد من أقوى الشركات فى الصين لحملة تنظيمية خلال العام الماضى، وسارعت الشركات لتقديم تبرعات خيرية كبيرة لإثبات أنها تدعم جهود الحكومة.

ومع تنافس الصين والولايات المتحدة على السيطرة تجاريا على العالم، سيظل الصراع دائرا بينهما لن تقبل فيه الولايات المتحدة الشراكة الدولية فى توزيع السلطة ولن ترضخ الصين بأن يظل النظام العالمى نظام أحادى القطبية تنفرد واشنطن بحكمه.

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي

 
 

 
 
 

ترشيحاتنا