مستمر حتى 7 ديسمبر فى جاليرى «إيوان»

«الملاذ الآمن» فى لوحات الفنان على حسان

الفنان على حسان
الفنان على حسان

فاطمة‭ ‬على

 

يبدو‭ ‬أن‭ ‬لوحات‭ ‬معرض‭ ‬الفنان‭ ‬على‭ ‬حسّان،‭ ‬الأستاذ‭ ‬بكلية‭ ‬الفنون‭ ‬الجميلة‭ ‬بالأقصر،‭ ‬والمقام‭ ‬حالياً‭ ‬بعنوان‭ "‬ملاذ‭ ‬آمن‭" ‬فى‭ ‬جاليرى‭ "‬إيوان‭" ‬بالزمالك،‭ ‬يتسق‭ ‬وحال‭ ‬مرافقة‭ ‬فتاة‭ ‬لوحاته‭ ‬لكائنات‭ ‬عالمها‭ ‬من‭ ‬الأسماك‭ ‬والديوك‭ ‬والببغاوات‭ ‬والقرود‭ ‬والقطط‭ ‬من‭ ‬البيئتين‭ ‬المصرية‭ ‬والاستوائية،‭ ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬الحيوانات‭ ‬والطيور‭ ‬التى‭ ‬هى‭ "‬ملاذ‭ ‬آمن‭" ‬للفتاة‭ ‬فى‭ ‬عالمها‭ ‬الواقعى‭ ‬هى‭ ‬الأخرى‭ ‬وجدت‭ ‬ملاذها‭ ‬الآمن‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬اللوحات‭.‬

ويقدم‭ ‬على‭ ‬حسّان‭ ‬فى‭ ‬المعرض‭ ‬الذى‭ ‬يستمر‭ ‬حتى‭ ‬7‭ ‬ديسمبر،‭ ‬لوحاته‭ ‬من‭ ‬وحى‭ ‬فتاة‭ ‬تروى‭ ‬حكايات‭ ‬عن‭ ‬حلمها‭ ‬المرتبط‭ ‬بطيورها‭ ‬وأسماكها،‭ ‬ليقدمها‭ ‬الفنان‭ ‬بواقعية‭ ‬شديدة‭ ‬فى‭ ‬أوضاع‭ ‬تعبيرية،‭ ‬وفى‭ ‬بساطة‭ ‬وسكون‭ ‬ظاهر،‭ ‬ومع‭ ‬ما‭ ‬يبدو‭ ‬من‭ ‬صمت‭ ‬بداخل‭ ‬الفتاة،‭ ‬فإن‭ ‬بداخلها‭ ‬حيوية‭ ‬وحياة‭ ‬تتخذ‭ ‬لنفسها‭ ‬معناها‭ ‬الوجودى‭ ‬برغبة‭ ‬الحضور‭ ‬والتأثير‭ ‬فى‭ ‬الغير،‭ ‬فالفتاة‭ ‬فى‭ ‬جميع‭ ‬لوحاته‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬المشاهد‭ ‬مباشرة‭ ‬فى‭ ‬تواصل‭ ‬إنسانى‭ ‬كأن‭ ‬هناك‭ ‬رابطاً‭ ‬بين‭ ‬الشخوص‭ ‬التى‭ ‬رسمها‭ ‬الفنان‭ ‬وحياتنا‭ ‬المُعاشة‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬اللوحة‭ ‬إلى‭ ‬خارجها‭ ‬فى‭ ‬حالة‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬السحرية‭ ‬الرائقة‭.‬

قد‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬خرج‭ ‬الفنان‭ ‬فى‭ ‬لوحات‭ ‬له‭ ‬إلى‭ ‬الحقول‭ ‬والمناظر‭ ‬الطبيعية‭ ‬الخضراء‭ ‬وكانت‭ ‬هى‭ ‬أيضاً‭ ‬بصفائها‭ ‬ملاذاً‭ ‬نتمناه‭ ‬ونلجأ‭ ‬إليه‭ ‬فى‭ ‬الطبيعة،‭ ‬وقبلها‭ ‬كانت‭ ‬لوحاته‭ ‬عن‭ ‬الحنطور‭ ‬وهو‭ ‬أيضا‭ ‬يمثل‭ ‬إيقاعاً‭ ‬آمناً‭ ‬لحياة‭ ‬المصرى‭ ‬ومبتغاه‭ ‬لحالة‭ ‬من‭ "‬الروقان‭" ‬ومتعة‭ ‬التجوال‭ ‬الهادئ‭ ‬المهدئ‭ ‬للنفس‭ ‬وللصفاء‭ ‬الروحي،‭ ‬فيبدو‭ ‬أن‭ ‬الفنان‭ ‬باحث‭ ‬دائماً‭ ‬عن‭ ‬الوضع‭ ‬الآمن‭ ‬المريح‭ ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬لوحاته‭ ‬وسيلة‭ ‬تواصل‭ ‬ولرغبات‭ ‬الإنسان‭ ‬فى‭ ‬التمتع‭ ‬بالأمان‭ ‬والصفاء‭ ‬النفسى‭ ‬وهو‭ ‬هدف‭ ‬ننشده‭ ‬جميعاً‭.  ‬

فى‭ "‬ملاذ‭ ‬آمن‭" ‬امتدت‭ ‬اللوحات‭ ‬بأحلام‭ ‬الخيال‭ ‬وبالواقعية‭ ‬البصرية‭ ‬معاً‭ ‬لتسكن‭ ‬فى‭ ‬إطار‭ ‬لوحات‭ ‬ضخمة‭ ‬متجاورة‭ ‬فى‭ ‬ثلاثية‭ ‬تعبِّر‭ ‬عن‭ ‬حلم‭ ‬واحد‭ ‬أو‭ ‬ثنائية‭ ‬بنفس‭ ‬الموضوع‭ ‬لنرى‭ ‬هذه‭ ‬اللوحات‭ ‬منفصلة‭ ‬ولكن‭ ‬يجمعها‭ ‬حلم‭ ‬فتاة‭ ‬اللوحة‭.‬

وفى‭ ‬لوحاته‭ ‬يعبّر‭ ‬حسّان‭ ‬عن‭ ‬الفتاة‭ ‬الشابة‭ ‬الصغيرة‭ ‬التى‭ ‬تجد‭ ‬ملاذها‭ ‬الآمن‭ ‬فى‭ ‬حديقتها‭ ‬بين‭ ‬زهورها‭ ‬وحيواناتها‭ ‬الأليفة‭ ‬وطيورها‭ ‬وأسماكها‭.. ‬تحلم‭ ‬بارتداء‭ ‬فستان‭ ‬زفاف‭.. ‬وتحلم‭ ‬بركوب‭ ‬دراجة‭ ‬نارية‭ ‬رجالية‭.. ‬وتحلم‭ ‬بركوب‭ ‬أحصنة‭ ‬الملاهي‭.‬

واللوحات‭ ‬هى‭ ‬صورة‭ ‬لأحلام،‭ ‬يقول‭ ‬عنها‭ ‬الفنان‭ ‬بلسان‭ ‬فتاته‭: "‬أمى‭ ‬تخبرنى‭ ‬أن‭ ‬الأحلام‭ ‬خادعة‭ ‬تعطينا‭ ‬دوماً‭ ‬مساحات‭ ‬رحبة‭ ‬ثم‭ ‬تسلبها‭ ‬منا‭ ‬حين‭ ‬نستيقظ‭.. ‬أمى‭ ‬تخبرنى‭ ‬أن‭ ‬الأحلام‭ ‬كائنات‭ ‬لا‭ ‬تنتمى‭ ‬إلى‭ ‬عالمنا‭.. ‬علينا‭ ‬الابتعاد‭ ‬عنها‭ ‬قدر‭ ‬المستطاع‭.. ‬لكنى‭ ‬تراودنى‭ ‬الأحلام‭ ‬كثيرا‭ ‬أنا‭ ‬دوما‭ ‬أحلم‭.. ‬أحلم‭ ‬أنى‭ ‬أرتدى‭ ‬فستان‭ ‬زفاف‭ ‬جدتى‭ ‬الأبيض‭.. ‬أحلم‭ ‬أنى‭ ‬أركب‭ ‬دراجة‭ ‬نارية‭.. ‬أحلم‭ ‬أنى‭ ‬أمتطى‭ ‬تلك‭ ‬الأحصنة‭ ‬الخشبية‭ ‬الملونة‭ ‬لتدور‭ ‬بى‭ ‬سريعاً‭.. ‬لا‭ ‬يصيبنى‭ ‬الدوار‭ ‬ولا‭ ‬أسقط‭ ‬من‭ ‬فوقها‭ ‬أبداً‭.. ‬مثلما‭ ‬أسقط‭ ‬دوما‭ ‬فى‭ ‬واقعى‭.. ‬واقعى‭ ‬يخترق‭ ‬أحلامى‭.. ‬إنه‭ ‬ينثر‭ ‬الصدأ‭ ‬على‭ ‬مزلاج‭ ‬باب‭ ‬غرفتى‭ ‬فلا‭ ‬أوصد‭ ‬بابها‭ ‬أبدا‭.. ‬يترصد‭ ‬عودتى‭ ‬إلى‭ ‬فِراشى،‭ ‬أراه‭ ‬متعلقاً‭ ‬بستائر‭ ‬غرفتى‭ ‬ينتظر‭ ‬حتى‭ ‬يغلبنى‭ ‬النعاس‭.. ‬حينها‭ ‬يصطحب‭ ‬معه‭ ‬أحلاما‭ ‬أخرى‭.. ‬قططا‭ ‬سوداء‭ ‬لامعة‭ ‬الأعين‭.. ‬أسماكاً‭ ‬جاحظة‭.. ‬ضباعاً‭ ‬ضخمة‭ ‬تمزق‭ ‬فستان‭ ‬زفافى‭.. ‬أصرخ‭ ‬مستيقظة‭.. ‬ألمح‭ ‬نقاطاً‭ ‬مضيئة‭ ‬مبعثرة‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الغرفة‭.. ‬إنها‭ ‬قشور‭ ‬أسماكى‭ ‬التى‭ ‬فارقت‭ ‬الحياة‭.. ‬أسماكى‭ ‬الملونة‭ ‬مثلى‭ ‬ترفض‭ ‬ذلك‭ ‬الحيز‭ ‬الزجاجى‭ ‬الضيق‭ ‬الذى‭ ‬تعيش‭ ‬فيه‭ ‬فتقفز‭ ‬إلى‭ ‬خارجه‭.. ‬هى‭ ‬مثلى‭ ‬تحلم‭ ‬باستنشاق‭ ‬الهواء‭ ‬بطريقة‭ ‬أخرى‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬فعلت‭ ‬ذلك‭ ‬لمرة‭ ‬أخيرة‭ ‬فى‭ ‬حياتها‭.. ‬أحلامنا‭ ‬تنتهى‭ ‬سوياً‭ ‬على‭ ‬حافة‭ ‬ذلك‭ ‬الحوض‭ ‬الزجاجى‭ ‬الذى‭ ‬نعيش‭ ‬فيه‭.. ‬نحن‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬لنا‭ ‬ملاذ‭ ‬آمن‭".‬

لوحات‭ ‬الحلم‭ ‬نفذها‭ ‬الفنان‭ ‬بمنتهى‭ ‬الواقعية،‭ ‬ليمزج‭ ‬برقة‭ ‬بين‭ ‬الحلم‭ ‬والواقع‭ ‬وبألوان‭ ‬تنبض‭ ‬دفئاً‭ ‬وبمشاهد‭ ‬نهارية‭ ‬مُضيئة‭ ‬مستلهمة‭ ‬من‭ ‬الفن‭ ‬الشعبى‭ ‬وزخارفه‭ ‬من‭ ‬نقوش‭ ‬وزهور‭ ‬ومنمنمات،‭ ‬ومصطبغة‭ ‬بروح‭ ‬الجنوب‭ ‬المصرى‭ ‬وبحلم‭ ‬العالم‭ ‬الاستوائى‭ ‬المتوهج‭ ‬بالأحلام،‭ ‬لتنبض‭ ‬لوحاته‭ ‬بأحلام‭ ‬لحياة‭ ‬آمنة‭ ‬مع‭ ‬الطبيعة‭ ‬وكائناتها‭.. ‬ربما‭ ‬كان‭ ‬حلمنا‭ ‬جميعاً‭.‬