فاطمة على
يبدو أن لوحات معرض الفنان على حسّان، الأستاذ بكلية الفنون الجميلة بالأقصر، والمقام حالياً بعنوان "ملاذ آمن" فى جاليرى "إيوان" بالزمالك، يتسق وحال مرافقة فتاة لوحاته لكائنات عالمها من الأسماك والديوك والببغاوات والقرود والقطط من البيئتين المصرية والاستوائية، وقد تكون الحيوانات والطيور التى هى "ملاذ آمن" للفتاة فى عالمها الواقعى هى الأخرى وجدت ملاذها الآمن فى هذه اللوحات.
ويقدم على حسّان فى المعرض الذى يستمر حتى 7 ديسمبر، لوحاته من وحى فتاة تروى حكايات عن حلمها المرتبط بطيورها وأسماكها، ليقدمها الفنان بواقعية شديدة فى أوضاع تعبيرية، وفى بساطة وسكون ظاهر، ومع ما يبدو من صمت بداخل الفتاة، فإن بداخلها حيوية وحياة تتخذ لنفسها معناها الوجودى برغبة الحضور والتأثير فى الغير، فالفتاة فى جميع لوحاته تنظر إلى المشاهد مباشرة فى تواصل إنسانى كأن هناك رابطاً بين الشخوص التى رسمها الفنان وحياتنا المُعاشة من داخل اللوحة إلى خارجها فى حالة أقرب إلى السحرية الرائقة.
قد سبق أن خرج الفنان فى لوحات له إلى الحقول والمناظر الطبيعية الخضراء وكانت هى أيضاً بصفائها ملاذاً نتمناه ونلجأ إليه فى الطبيعة، وقبلها كانت لوحاته عن الحنطور وهو أيضا يمثل إيقاعاً آمناً لحياة المصرى ومبتغاه لحالة من "الروقان" ومتعة التجوال الهادئ المهدئ للنفس وللصفاء الروحي، فيبدو أن الفنان باحث دائماً عن الوضع الآمن المريح وأن تكون لوحاته وسيلة تواصل ولرغبات الإنسان فى التمتع بالأمان والصفاء النفسى وهو هدف ننشده جميعاً.
فى "ملاذ آمن" امتدت اللوحات بأحلام الخيال وبالواقعية البصرية معاً لتسكن فى إطار لوحات ضخمة متجاورة فى ثلاثية تعبِّر عن حلم واحد أو ثنائية بنفس الموضوع لنرى هذه اللوحات منفصلة ولكن يجمعها حلم فتاة اللوحة.
وفى لوحاته يعبّر حسّان عن الفتاة الشابة الصغيرة التى تجد ملاذها الآمن فى حديقتها بين زهورها وحيواناتها الأليفة وطيورها وأسماكها.. تحلم بارتداء فستان زفاف.. وتحلم بركوب دراجة نارية رجالية.. وتحلم بركوب أحصنة الملاهي.
واللوحات هى صورة لأحلام، يقول عنها الفنان بلسان فتاته: "أمى تخبرنى أن الأحلام خادعة تعطينا دوماً مساحات رحبة ثم تسلبها منا حين نستيقظ.. أمى تخبرنى أن الأحلام كائنات لا تنتمى إلى عالمنا.. علينا الابتعاد عنها قدر المستطاع.. لكنى تراودنى الأحلام كثيرا أنا دوما أحلم.. أحلم أنى أرتدى فستان زفاف جدتى الأبيض.. أحلم أنى أركب دراجة نارية.. أحلم أنى أمتطى تلك الأحصنة الخشبية الملونة لتدور بى سريعاً.. لا يصيبنى الدوار ولا أسقط من فوقها أبداً.. مثلما أسقط دوما فى واقعى.. واقعى يخترق أحلامى.. إنه ينثر الصدأ على مزلاج باب غرفتى فلا أوصد بابها أبدا.. يترصد عودتى إلى فِراشى، أراه متعلقاً بستائر غرفتى ينتظر حتى يغلبنى النعاس.. حينها يصطحب معه أحلاما أخرى.. قططا سوداء لامعة الأعين.. أسماكاً جاحظة.. ضباعاً ضخمة تمزق فستان زفافى.. أصرخ مستيقظة.. ألمح نقاطاً مضيئة مبعثرة على أرض الغرفة.. إنها قشور أسماكى التى فارقت الحياة.. أسماكى الملونة مثلى ترفض ذلك الحيز الزجاجى الضيق الذى تعيش فيه فتقفز إلى خارجه.. هى مثلى تحلم باستنشاق الهواء بطريقة أخرى حتى لو فعلت ذلك لمرة أخيرة فى حياتها.. أحلامنا تنتهى سوياً على حافة ذلك الحوض الزجاجى الذى نعيش فيه.. نحن لم يعد لنا ملاذ آمن".
لوحات الحلم نفذها الفنان بمنتهى الواقعية، ليمزج برقة بين الحلم والواقع وبألوان تنبض دفئاً وبمشاهد نهارية مُضيئة مستلهمة من الفن الشعبى وزخارفه من نقوش وزهور ومنمنمات، ومصطبغة بروح الجنوب المصرى وبحلم العالم الاستوائى المتوهج بالأحلام، لتنبض لوحاته بأحلام لحياة آمنة مع الطبيعة وكائناتها.. ربما كان حلمنا جميعاً.