فى الجمهورية الجديدة .. الارتقاء بالذوق العام طريق إجبارى| تقرير

فى الجمهورية الجديدة
فى الجمهورية الجديدة

 محمود بسيونى

للفن فى أى مجتمع عدد من الأهداف الإنسانية النبيلة مثل الارتقاء بالذوق العام، نشر قيم الخير والحق وتذوق الجمال، مواجهة العنف والكراهية، وقف الابتذال والإسفاف، لتصحيح مسار أى مجتمع واستعادة وعيه بعد فترات الضعف والكمون وعلى النقيض حينما تمر الدول والمجتمعات بفترات ضعف واضمحلال تنتشر الاغانى الهابطة والمبتذلة ويصبح الفن بلا قيمة ولا هدف بل ان الحرية نفسها تصبح تحت مقصلة موجات الفوضى والتفكك السائدة.

وتصبح الدولة ضعيفة وبلا قيمة.. ربما جاء تحرك نقابة الموسيقيين ضد ما عرف بالمهرجانات متأخرا، لكنه يؤكد إصرار الموسيقيين على وقف تسلل الابتذال إلى الوسط الفنى وتطهير الموسيقى المصرية مما لحق بها من تشويه بسبب صناعة الترندات على وسائل التواصل الاجتماعى.

تقدم الفنان هانى شاكر أمير الغناء العربى الصفوف بشجاعة وقرر اقتحام ملف من أخطر ملفات الوعى ونزع الشرعية القانونية عن هؤلاء الذين تسببوا فى تدمير وعى الأجيال الجديدة بهذا النوع من الغناء الذى يروج للعنف والقيم المنحطة وترسيخها فى مستقبل مصر وهى تخطو نحو جمهوريتها الجديدة وتتخلص من أسباب الضعف وتمتلك قدرات الدول الإقليمية الكبرى، دولة تريد العودة الى ريادتها المعهودة فى الفن والغناء والثقافة العربية بعدما شاركت للأسف فى نشر ذلك النوع من الابتذال الفنى خلال الفترات السابقة.

 الوعى يبدأ بالفن، والدول الكبرى تعرف بفنونها الراقية والارتقاء بشعبها هدف قومى تسعى كل مكونات المجتمع لخدمته، وترفض المجتمعات القوية الرضوخ لابتزاز الفن الرخيص وتشدق مروجيه بالحديث عن الحرية لان الحرية وجدت لتمنح الانسان الحق فى التعبير دون ان يروج لقيم العنف والتحريض عليه كما ان من حق المجتمعات الأصلية الانتصار لقيمها المشتركة وتضع حدا للتلاعب من قبل من وضعوا الربح المادى من وسائل التواصل الاجتماعى هدفا يعلو على رسالة الفن.. ليس صحيحا ان «الجمهور عايز كده» والدليل التفاف كل فئات المجتمع حول الاعمال الفنية القوية دراميا وتحمل رسالة وعى حقيقة مثل فيلم الممر ومسلسلي الاختيار وهجمة مرتدة وغيرها من الاعمال الفنية التى استعادت قوة الدراما المصرية وإعادتها مرة أخرى للانتشار من المحيط الى الخليج، بل انتقلت مصر الى العالمية بعد نقل قنوات العالم لاحتفالات مصر بموكب المومياوات الملكية ثم طريق الكباش، والاستماع الذى تخطى المليون مشاهدة لترنيمة ايزيس بصوت اميرة سليم ثم انشودة امون بصوت هايدى موسى وعز الأسطول فضلا عن الإقبال الضخم على حفلات الموسيقى العربية الفنان العالمى عمر خيرت والحفلات المكتملة العدد للفنانين المصريين الكبار.


نقابة الموسيقيين مؤسسة تنتمى للمجتمع المدنى ويتم اختيار نقيبهم بالانتخاب ليمثل جموع الموسيقيين ومن بين أدواره حماية فنه ومهنته، من حقه وحق النقابة ان تواجه القبح، فهو احد ادوارها ، حماية لمهنة قد تندثر اذا ما ساد ذلك النوع من القبح وارتباط الأجيال الجديدة به، يكفى النظر اليوم لأطفالنا الذين قد لا يجدون الاهتمام والرعاية والتربية الكافية من الآباء تحت ضغط ظروف الحياة وايقاعها السريع، ثم تقودهم هواتفهم المحمولة الى عالم المهرجانات وما فيها من اسفاف وابتذال والصعود الصاروخى لبعضها تحت تأثير الترند ولجوء بعضهم الى تقليد هؤلاء حتى اصبحنا امام موجة لا تهدد فكرة الفن ورسالته ولكن تهدد مسار الجمهورية الجديدة وتدمر قيماً مهمة مثل إتقان العمل و المثابرة والاجتهاد وسيادة قيم العنف وإهانة المرأة والتنمر على الآخرين وهى قيم تدمر أى مسار مستدام للتنمية وتدفع أى دولة للانهيار.

نزع الشرعية عن المهرجانات بداية استفاقة للفن ودفعة قوية له فى مهمته لإنقاذ وعى الأجيال الجديدة من المصريين، بالتأكيد لن تقضى على المهرجانات او تنهى الازمة، بل يمكن اعتبارها بداية قوية من اجل اعادة تلك الظاهرة لحجمها الطبيعى، وأن تستعيد شركات الإنتاج الفنى قدرتها على المنافسة بالفن الحقيقى والبحث عن المواهب الجديدة والأفكار المبتكرة المعبرة عن تطور المجتمع المصرى وتطور الأغنية ووضعها على طريق البقاء.. لقد وافقت النقابة على قبول فن الراب، وهو موجة عالمية تقدم موسيقى مختلفة مع بعض التحفظ على كلمات الاغانى غير المفهومة، ولكنها تقدم موسيقى تعبر عن جيل جديد، ودور النقابة احتواء تلك المواهب وإعطاء الفرصة للموسيقى ان تتطور وتنفتح على افاق جديدة تساعدها على الارتقاء بالذوق العام.


تتجه الجمهورية الجديدة للاهتمام بالفن والثقافة والمشروعات الثقافية الكبرى فى العاصمة الإدارية الجديدة وفى كل محافظات مصر، هذا الاهتمام يعكس الى أى مدى تولى الدولة أهمية كبيرة للفن والابداع، وانتشرت عمليات انتقاء المواهب وضخ دماء جديدة فى الفن المصرى بشكل عام، وعدم الارتهان الى من يصنعهم «الترند» الساخن ويحمل الظواهر الغريبة لا الفنانين و يضعهم فى مصاف الشخصيات العامة لتابعهم الناس وتتأثر بهم الأجيال الجديدة.. ما قامت به نقابة الموسيقيين هو انتصار للفن وللحرية وللابداع وإنقاذ مستحق لأجيال المصريين القادمة فى الجمهورية الجديدة.