يوميات الأخبار

يوم فى منزل رأفت الهجان

نهاد عرفة
نهاد عرفة

« وفى الدور الأخير بإحدى البنايات المطلة على تراك الفروسية بنادى الشمس الرياضي، كان عند حارس العقار علم بوصولى وأدخلنى مصعداً خاصاً يصل داخل شقة الهجان»

الأحد
من أشهر الأعمال الدرامية الوطنية التى تعاد طوال العام مراراً وتكراراً ولا تمل من مشاهدتها مسلسل « رأفت الهجان « بأجزائه الثلاثة رغم أنها محفوظة عن ظهر قلب، تذكرنا أحداثه بأحلى وأجمل معانى العزة والكرامة وتاريخ طويل من الانتصارات يثلج قلوبنا، كلما شاهدته تذكرت كيف تجولت فى شقة رجل المخابرات الجاسوس المصرى الأشهر رفعت على سليمان الجمال الشهير برأفت الهجان، وكنت أول صحفية تدخل شقته الخاصة بالدور الأخير بإحدى البنايات المرتفعة المطلة على نادى الفروسية التابع لنادى عين شمس العريق، بعد عرض الجزء الأول منه فى أغسطس عام 1988، عايشت فيها لساعات طويلة زوجته فالتراود بيتون وإبنه دانيال برفقة الفنان المصرى الراحل إيهاب نافع، الذى أفنى حياته فى العمل المخابراتى وكان من أبرز الطيارين المقاتلين قبل دخوله عالم التمثيل، وكان وقتها زوجاً لأرملة الهجان، وكيف حملت معى مجموعة من الصور الجماعية لنا فى كل أرجاء المنزل والتى مازلت أحتفظ بها وأخرجها من حين لآخر من مكتبتى الخاصة تُذكرنى ليس ببطولة الهجان فقط، بل بمئات من البطولات التى عايشناها طوال حرب أكتوبر المجيدة.

ذكريات من زمن فات
كثيرة هيَ البرامج والندوات التى أُقيمت بعد إذاعة وعرض المسلسل للمرة الأولى فى صيف عام 1988، لاستضافة مجموعة من ظباط المخابرات الذين عاصروا البطل المصرى رفعت الجمال الشهير برأفت الهجان للحديث عنه وعن فترة من أهم الفترات فى تاريخ مصر، لكن فى النهاية تبقى تلابيب الحقيقة التى لم يُفرج عنها كاملاً، وتعود بى الذاكرة لهذه الفترة التى كانت كالحُلم الذى عايشناه بكل الانبهار والدهشة، كان الحُلم يراودنى للقاء زوجته التى كانت فى تلك الفترة بمصر ودخول المنزل الذى عاش فيه رأفت على سليمان الهجان أو رفعت على سليمان الجمال، كان التساؤل الذى ظل أياما يراودني..

كيف أتصل بها ؟ كانت فالترواد بيتون زوجة رأفت الهجان فى تلك الفترة قد تزوجت من الفنان المصرى الراحل إيهاب نافع، ولم أجد عناء بالإتصال به، مُرحبا بزيارتى الصحفية، وفى الدور الأخير بإحدى البنايات المرتفعة المطلة على نادى الفروسية التابع لنادى عين شمس العريق، كان عند حارس العقار علم بوصولى فأدخلنى مصعداً خاصاً يصل داخل شقة الهجان مباشرةً، كانت زوجة الهجان وإبنه دانيال ومعهم الفنان إيهاب نافع فى انتظارى بكل الترحيب، لم تكن بداية الحوار معهم صعبة، فقد أزالوا بترحيبهم وكرم الضيافة كل خوف ورهبة وانبهار بداخلي، فقد كنت صغيرة السن وفى بداية سنوات عملى بالصحافة، كان المنزل متسعاً وبسيطا جداً فى أثاثه ومفروشاته صناعة مصرية خالصة، كانت صورة البطل الأسطورى رفعت الجمال تتوسط جدران المنزل، لم يكن الحوار معهم بالورقة والقلم، كان حواراً عائلياً تنقلنا خلاله بين صالون البهو المتسع والبلكونة المطلة على نادى الخيول، والمطبخ البسيط لإعداد بعض أكواب الشاى والقهوة، أو مشاهدة دانيال وهوَ يعد بعض أنواع الطعام، وكان المطبخ يحتوى على بوتاجاز وثلاجة من انتاج المصانع الحربية، تحدثت معى فالتراو بيتون فى كل شئ، بداية من علاقتها برجل السياحة الإسرائيلى الذى عرفته وهيَ فى الثانية والعشرين من عمرها بإسم جاك بيتون، الشهير برأفت الهجان، والتى كانت أشبه بـالحبٍ من النظرة الأولى، ومن إحساسها بالدهشة والخوف لحظة وفاته ووصيته لها بالإتصال بالمخابرات المصرية، وكيف أنها عاشت معه 19 عاماً ولم تعرف حقيقته كرجل مخابرات مصري، فقد أحبته وكانت صغيرة قليلة الخبرة، وكان هوَ شخصية نادرة وغير عادية، وبعد زواجهما كيف تقبلت شراءَ الهجان للوحةً عليها آية قرآنية، وعدم استغرابها من قراءته للقرآن، فالأمر لم يكن ليلفت انتباهها لأن الدين لم يكن بالأمرٍ المهم لها، خاصة وأنه يتحدث العربية وهى لا تعرفها، وأنها كانت تثق به ثقة عمياء، تحدثت معى عن زياراتها المتكررة لمصر وكيف عشقتها، عن الدفء الذى تشعر به خلال وجودها هنا، أكدت لى أنه لولا إبنها دانيال ماكانت تعود لألمانيا، عن زواجها بالفنان إيهاب نافع بعد وفاة الهجان، شاركنا الحوار دانيال الذى كانت زيارته الأولى لمصر فخوراً بوالده، وقبل نهاية لقائى به أهدانى صورة له بإمضائه فى حديقة منزله بألمانيا مع كلبه البوليسى الذى يُحبه كثيراً. ويبقى المسلسل الدرامى الأشهر فى تاريخ الدراما المصرية ذكرى لبطل كُتب عليه العيش لما يقرب من عشرين عاماً فى إسرائيل مصاحباً لساسته وقادتها خافياً جنسيته ودوره البطولى غير المسبوق متحملاً مالا يستطيع إنسان تحمله للحفاظ على أمن هذا الوطن. وتبقى الصور ذكرى أُخرجها من درج مكتبى من حين لآخر.

يبقى أن نترحم على أبطال المسلسل، ومخرجه المبدع يحيى العلمي، الذين رحلوا عن عالمنا، والتحية والتقدير لمن هم مازالوا على قيد الحياة أطال الله فى أعمارهم، والدعاء بالرحمة والمغفرة للبطل الأسطورى رفعت على سليمان الهجان.

قبائل سيناء.. وأشبال فوق الستين
الإثنين
فاجأنى اللواء فؤاد حسين، الذى شغل عدة مناصب بإدارة المخابرات الحربية والاستطلاع الأسبق، والمشرف على تنفيذ اتفاقية السلام فى سيناء فى أوائل ثمانينيات القرن الماضي، فاجأنى بزيارة حاملاً معه عدد العشر من كتبه ومؤلفاته القصصية والروائية، وهوَ ما ذكرنى بمقولة عالم الكيمياء الراحل د. أحمد زويل « لو لم أدرس العلم لتمنيت أن أكون أديباَ «، كل من قاموا بأعمال استثنائية مرهقة ذهنياً تجدهم متعددى المواهب، يكتبون القصص، يلقون الشعر، يستمعون للموسيقى بشغف لتنقى ذهنهم وتحميهم من التوتر، اللواء فؤاد حسين عاشقاً للكتابة، ولم أكن أعلم أنه عضو اتحاد الكتاب ونادى القصة، عاصر خلال عمله فى سيناء، فى فترة من أصعب الفترات فى تاريخ مصر، الكثير من المصاعب والمشاق، حفظ دروبها وتعامل مع قبائل بدو سيناء، وصار أحد أفرادها، يعرف شيوخهم وشبابهم، عاصر أبناءهم وأحفادهم، وارتبط بعلاقات وثيقة معهم بصفته عضوية جمعية مجاهدى سيناء وجمعية محبى سيناء ورئيس جهاز الاتصالات بالمنظمات الدولية الذى يشرف على تنفيذ اتفاقية السلام مع اسرائيل فى سيناء، عام 1996 صدر له مؤلف متميز بعنوان « شبه جزيرة سيناء المقدسة..

المعجزات الإلهية على أرضها وبطولات أهلها « موسوعة متكاملة أشبه بالدراسة المتكاملة تاريخياً وجغرافياً، عن سيناء خلال القرن العشرين، ويُعد من الكتب القليلة عن شبه جزيرة سيناء والتى لا يتعدى عددها الخمس مؤلفات، الأول صدر عام 1916 لنعيم بك شقير اللبنانى الذى عمل فى المخابرات الإنجليزية أثناء احتلالها لمصر ويعد مرجعاً مهماً فى الوثائق التى قُدمت إلى المحكمة الدولية عند نشوب النزاع القانونى بين مصر وإسرائيل حول مشكلة طابا، والثانى موسوعة سيناء التى صدرت عام 1957 عن المجلس الأعلى للعلوم التابع لرئاسة الجمهورية بعد انسحاب اسرائيل من سيناء عقب العدوان الثلاثى على مصر، والثالث سيناء للعالم الدكتور جمال حمدان، وسيناء المصرية عبر التاريخ لابراهيم أمين غالي، وسيناء أرض المُقدس والمُحرم لخالد عكاشة، ولكن يأتى المؤلف الخاص للواء فؤاد حسين مختلفاً ومتفرداً حيثُ يجعلنا نتعايش على أرضها ونتعارف على أهلها بعاداتهم وتقاليدهم وبطولاتهم خلال السنوات الست مابين نكسة 67 وانتصارات اكتوبر73ـ قصص وأحداث حقيقية غيرت وجه مصر فى تلك الفترة، وقد أُعيد طباعته عام 2015، وقت كانت الحركات الإرهابية على أشدها فى شبه الجزيرة المقدسة. ولأن اللواء فؤاد حسين بلغ مؤخرا الثانية والثمانين من العمر، متعه الله بالصحة، يؤمن أن الحياة تبدأ بعد الستين، جاءت مجموعته القصصية «أشبال فوق الستين» فريدة من نوعها بعضها حدث بالفعل والبعض الآخر مستوحاة من واقعنا الذى نعيش فيه، وبالرغم من اختلاف موضوعاتها فإنها تشترك فى توجيه اللوم والعتاب الرقيق إلى أشخاص ابتعدوا عنه بعد إحالته للمعاش رغم صلته الوثيقة بهم.

سارتر.. وتراجع دور المثقفين
الثلاثاء
هل تراجع دور الكتاب والمثقفين فى التنوير والتكوين الفكرى والثقافى فى زمن شبكات التواصل الاجتماعى ؟ تساؤل تبادر إلى ذهنى عقب المعركة التى قادها بعض شباب التواصل الاجتماعى ضد إعادة عرض مسرحية « المومس الفاضلة « للفيلسوف والمفكر والروائى والكاتب المسرحى الفرنسى الشهير جان بول سارتر الذى تُرجمت أعماله بكل لغات العالم، اعتراضاً على العنوان وليس المضمون الرائع الذى لم يقرأوه والقيم المجتمعية والأخلاقية التى يعرضها الكاتب ! فكرة إعادة المسرحية طرحتها الفنانة الهام شاهين وأيدتها القديرة سميحة أيوب التى قدمتها على خشبة المسرح القومى فى ستينيات القرن الماضى معلنة استعدادها لإخراجها، قامت الدنيا ولم تقعد فى شبكات التواصل الاجتماعى بتطبيق مقولة ولا تقربوا الصلاة ! مالفت نظرى فى هذه المعركة ليس عدم قراءة الشباب المعاصر ومعرفتهم بالأدب العالمي، فوسائل وشبكات التواصل الاجتماعى ألهتهم عن القراءة والمتابعة، مالفت نظرى وأحزننى صمت الكتاب والمثقفين الذى لم يعُد مفهوماً ! كنت أتخيل أن ينبرى المثقفون ويبادروا دفاعاً وتنويراً وليس إبداء الرأى على استحياء حين يُسألون ! لقد تضاءل مفهوم الثقافة لدى قطاع عريض من شبابنا الذى لم يعُد يقرأ أو يطلع على الثقافات الغربية بعد أن ألهته وسائل التواصل الاجتماعي، وهُنا لا ألومه بقدر ما أوجه اللوم للمثقفين الذين يجب أن يستمر دورهم فى التنوير والتكوين الفكرى وتنمية الذوق والإحساس للأجيال الجديدة فى كل زمان ومكان حتى عبر وسائل التواصل الاجتماعى التى لا تعترف بمن يملك المعرفة والثقافة مالم يغز هذه الوسائل للوصول إلى أكبر عدد ممكن من الشباب.