تقدمها: دينا جلال
جرأته جعلت منه واحدًا من أشهر سارقي البنوك في الولايات المتحدة الأمريكية، قدرته على الهرب والاختفاء لمدة 52 عامًا حولته إلى التحدي الأكبر للسلطات الأمريكية لتكرر حملات البحث عنه والتفتيش في أغلب المدن والولايات على مدار خمسة عقود كاملة، أما نهايته فكانت مفاجأة صادمة للجميع خاصة بعد أن نجحت السلطات في تحديد هويته لتفاجأ بهروبه إلى ملاذه الأخير دون سجن أو محاكمة.
تبدأ قصة ثيودور جون كونراد في يوليو 1969 وعمره وقتها 20 عامًا فقط، لم تمر أشهر قليلة على بدء وظيفته كموظف مصرفي في البنك الوطني في كليفلاند، حتى بدأت خطته للانتقال إلى صفوف الأثرياء، تعامل كونراد مع الأموال بشكل يومي، وتزامن ذلك مع هوسه بأفلام المغامرات والجريمة وخاصة أحد أفلام الممثل ستيف ماكوين وهو الأمر الذي أكده زملاؤه حيث كان دائم الحديث والحكي عن مشاهد السطو المسلح والسرقة ليتعهد للمقربين منه بتنفيذ تلك المشاهد على أرض الواقع يومًا ما، لم يمر وقت طويل على تنفيذ عهد كونراد بل اعتبر نفسه الأكثر حظًا من لصوص السينما، فلا يتطلب الأمر منه اقتحام بنك أو القيام بالسطو المسلح حيث كان بإمكانه الوصول إلى مئات الآلاف من الدولارات كل يوم.
2 مليون دولار
أتم كونراد خطته في نهاية الأسبوع ونجح بالفعل في سرقة مبلغ يصل إلى 215 ألف دولار، وضع مسروقاته في حقيبة ورقية لم تلفت انتباه أحد، وبعد يومين من الحادث اكتشف مسئولو البنك غيابه التام منذ بداية الأسبوع بالإضافة إلى اختفاء الأموال لتوصف بواحدة من أكبر عمليات السطو على البنوك في تاريخ كليفلاند بولاية أوهايو حيث اختلس كونراد ما تعادل قيمته مليوني دولار في هذا العصر.
منذ اكتشاف واقعة السرقة لم تخط قدم كونراد مدينة كليفلاند بعد أن تحولت سرقته إلى موجة من الأخبار والتقارير الصحفية التي انتشرت في أغلب الولايات الأمريكية مثل كاليفورنيا وهاواى وتحولت صورته وجريمته الغريبة في ذلك الوقت إلى العنوان الأهم في الصحف الأمريكية ليصبح من أخطر المطلوبين لدى الشرطة حيث تولت مسئولية القبض عليه قوات المارشال الأمريكية أو «يو اس مارشال» وهى أقدم وكالة فيدرالية لإنفاذ القانون في الولايات المتحدة وتتبع وزارة العدل الأمريكية وتخضع لإشراف المدعي العام الأمريكي بشكل مباشر.
حياة جديدة
اكتملت خطة كونراد باختفائه التام عن الأنظار وتغيير اسمه ليتحول إلى «توماس رانديلي» كخطوة نحو محو ماضيه بأكمله، لم ينطو كونراد على نفسه ولم تتوقف أنشطته للمزيد من الكسب والعلاقات الاجتماعية والمعاملات التجارية، بدأ حياته الجديدة بجرأة حين مارس رياضة الجولف وتميز بها ليصبح لاعبًا محليًا في شمال بوسطن بولاية ماساشوستس، كما امتهن تجارة السيارات الفاخرة، وتزوج من حبيبته كاثي ليثمر عن إنجاب ابنته الوحيدة آشلي.
الغريب في الأمر أن مطاردة قوات المارشال الأمريكية لم تتوقف على مدار خمسة عقود في ولايات لم يعش بها كونراد، شنوا حملات أمنية اجتاحت أماكن عديدة في واشنطن وكاليفورنيا وغرب تكساس وأوريجون وأشهرها في هونولولو في هاواي في عام 2017 بعد إبلاغ زوجين للشرطة حين اكدا متابعتهما لقضية كونراد وشاهداه بالمصادفة، ولم تسفر تلك الحملات عن شيء لتثير المزيد من التساؤلات حول جديتها.
استمرت حياة كونراد بشكل طبيعي على مدار 52 عامًا إلى أن توفى وعمره 71 عامًا ولم يكن مرضه المميت بسرطان الرئة هو الصدمة الوحيدة في حياة زوجته وابنته فقد سبقها سنوات قليلة من الصدمات منها إعلان إفلاسه وانهيار تجارته بالديون وتقدم وقتها بمستندات تؤكد إفلاسه أمام محكمة بوسطن الفيدرالية في عام 2014 دون أن يكشف أحد حقيقته على الإطلاق، أما الصدمة الأكبر فهي اعترافاته لزوجته وابنته بماضيه وسر جريمته الكبرى في أيامه الأخيرة حين استسلم للمرض.
اعتقال ميت
بدأت خيوط التحقيق تقترب من كونراد لتحدد مقر إقامته اخيرًا منذ أسابيع قليلة وحين تحددت هويته بدأت إجراءات اعتقاله لتفاجأ قوات المارشال الأمريكية بوفاته قبل ستة أشهر من تحديد هويته، وفي نفس الوقت نشرت زوجته نعيًا خاصًا له عبر حسابها على التواصل الاجتماعي وأرفقت الزوجة نعيها بصورة شديدة الشبه لتوقعات المحققين حول ملامح موظف البنك السارق بعد خمسين عامًا، نشرت الزوجة النعي لتصف فيه زوجها الراحل ومدى عشقه لعائلته وحبه للتجارة والمغامرة الذي دفعه للتنقل بين فلوريدا وبوسطن بالإضافة إلى ممارسة رياضته المفضلة لآخر وقت في حياته، ومن هنا تعرف المحققون على الخطوط العريضة لحياة كونراد وخط سيره في الماضي. أصدر المتحدث باسم المارشال الأمريكي، بيت اليوت بيانًا منذ أيام قليلة عبر مؤتمر صحفي أكدوا فيه التوصل إلى هوية كونراد ومطابقة مستنداته وأوراقه الشخصية حيث احتفظ بنفس تاريخ ميلاده في بطاقة هويته المزورة.