في المقالة السابقة واصلت الحديث عن مؤتمر الفكر العربي الثالث عشر.. وطرحت التساؤلات السبعة التي قدم بها معالي الفريق ضاحي خلفان تميم نائب رئيس الشرطة والأمن العام بدبي... ورجوت قارئي الكريم محاولة الإجابة عليها.. واليوم وبالعودة للتساؤل الأول : »‬هل الأمن يمكن تحقيقه بعصا القانون، أم برغيف الخبز أم بكليهما» وعلينا من أجل الإجابة علي هذا التساؤل العميق أن نفهم من هم الخارجون علي القانون، والذين لابد من استخدام عصاه معهم لتحقيق الأمن.. ثم ما هو المراد هنا برمزية الرغيف؟ وأعتقد أن نفراً من القراء الأعزاء توصلوا معي إلي أن المقصود بهذه الرمزية هو العيش الكريم الذي يوفر للإنسان قوته اليومي وقوت عياله. فنادراً بل من المستحيل أن تخلو سفرة من نوع من أنواع »‬العيش» سواء كان معجوناً بالزبدة أو مخلوطاً بالردة. أما من يخرج عن القانون فهم في معظمهم من الفاقدين لهذا الرغيف.. والخروج علي القانون هنا لا يعني بالضرورة الخروج بالسلاح أسود أو أبيض، ولكن الخروج الذي يمثل الرفض والاحتجاج والتاريخ يعرف ثورات كاملة أطلق عليها »‬ثورة الجياع». والجوع هنا هو رمزي أيضاً ولكنه يفيد رغم هذه الرمزية أنه الحرمان من شيء والتعطش لنيله. والحرمان بمفهومه الواسع يفيد الظلم، والظلم في العادة أو الإحساس به هو ذلك الذي يدفع في حالات كثيرة للخروج عن القانون. ونذكر أن الخليفة الفاروق رضي الله عنه، قد عطل في عام الرمادة، يوم توقف المطر وماتت الزروع وجفت الضروع، عطل رضي الله عنه إقامة حد السرقة، لأن من كان يسرق في تلك الحالة رغيفاً أو ما يسد به رمقه ليحفظ حياته وحياة عياله، يومها لم يكن من العدل والحق إقامة الحد عليه. ولقد أشرت في كثير من محاضراتي وكتاباتي وفي ندواتي إلي نظرية الاستخلاف، حتي بدأت بها في التعريف والتمهيد بشركة المصفق، والمصفق في اللغة هو المكان الذي تعقد فيه الصفقات، وقد اخترته منصة تجمع كافة الأطراف المهتمة والفاعلة والمشاركة في عملية الإنماء والتشغيل... إنماء البلاد وتشغيل البلاد.. استنادا واعتماداً علي مبدأ أن المال مال الله والبشر مستخلفون فيه، ومقتضي الاستخلاف ينص علي عمارة الأرض.. يقول تعالي »‬هو الذي أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها »‬ سورة هود الآية 61. كما أن السبب الحقيقي للتفضيل في الرزق هو دور الأغنياء في إيجاد فرص عمل للناس. ويقول تبارك وتعالي في سورة الزخرف الآية 32 »‬ نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً».. وعليه فإن رسالة أصحاب المال والأعمال هي تأمين رغيف الخبز بكل مدلولاته ورمزياته، وفي ذلك اهتمام بقضايا الأمة والتصدي لمشكلاتها وفق مقتضي الاستخلاف والإعمار.. وهذا هو القانون السماوي الذي لو اتبعناه وطبقناه لما خرج أحد عليه، ولما احتاج الأمن إلي عصاه ولتوفر العيش للجميع وحوصرت البطالة المتفشية في كثير من بلدان الوطن العربي.. ولأجاب هذا التطبيق ضمنا علي التساؤل الثاني : »‬هل البطالة المتفشية في كثير من بلدان الوطن العربي تخلق أمناً». وإلي لقاء قادم بحول الله، نحاول فيه معاً تناول التساؤلات تباعاً.