فهل من مستمع !!!

مغازي شوقي
مغازي شوقي

لا بد لكل إنسان من أن يجد ولو مكانا يذهب إليه، إلى أي مكان! هل تدرك ما معنى أن لا يكون للإنسان مكان يذهب إليه؟”
جملة وتساؤل جاء على لسان مارميالدوف في رائعة دوستويفسكي الخالدة، الجريمة والعقاب. والحقيقة انني شعرت بمرارة السؤال ولو للحظات حين طافت مخيلتي كثيرا في محاولة لفهم وإجابة السؤال .. فالألم يغير الناس ويجعلهم يثقون بشكل أقل ويفكرون بشكل أكثر وينعزلون لمدة اطول .. هذا ما فهمته من جلال الدين الرومي .. وما أصعب أن لا يكون للإنسان مكان يذهب إليه ... والمقصود هنا بلا شك ليس بالضرورة الحيز الجغرافي.. وإنما مكان في قلب أحدهم .. ركن نحن اليه . بحر نلقي  فيه بحمم قلوبنا فيسمعنا في هدوء دون ارهاق .. شخص ما  يمد الينا يده .. يستمع لنا بحكمة وروية .. يجبر كسرة خاطرنا.. فالناس تمر بهم أويقات يكونو فيها كساكني القبور .. لا أحد يسمعهم ولا أحد يشعر بهم .. أحياء كالأموات .. بقلوب كصبار حزين لا يبكي .. فقط ندرك بمرارة أن لا احد يسمعنا . لا احد تعنيه مفردات كلامنا . نشعر فيها بالوحدة و  الوحدة ليست أن تجلس وحيدآ .. الوحدة أن ينفرد بك حزنك .. قديما قالوا.. 
وعودة إلى الرواية وشخصية قائل هذه الجملة.. مارميالدوف .. لقد اطلق هذا التساؤل أثناء تواجده في حانة كان فيها بين غرباء .. لم يكن هناك ثمة فرد من عائلته او دائرته .. فالمرؤ  احيانا يبوح عما بداخله للغرباء  فقط اذا افتقد وجود الأهل والعائلة والأصدقاء من حوله .. مؤلم ذلك  الشعور حين تجد أن أهل بيتك وعائلتك أقل الناس فهمًا لمشاعرك. حينها تشعر وكأنك جزيرة منعزلة.. أو احد اشجار الأثل في صحراء قاحلة لا حياة فيها..
طافت مخيلتي أيضاً بمشاهد عدة .. تذكرت ذاك الشاب الذي أقدم على انهاء حياته حين ألقى بنفسه من فوق البرج ، وآخر في البحر وثالث تحت عجلات القطار ..  والقائمة تطول والقوس مفتوح لاستقبال المزيد ..هل لم يجد أيا منهم  أحداً يذهب اليه ؟؟ يسمعه ؟ ألم يكن هناك مكان يحتوي مفردات شكواه !! هل حقاً دخلوا قبر الوحدة بأنفسهم فماتوا ألف مرة ؟؟ هل استصغر أحدنا محاولة خروجهم من الوحدة ، فلم يكن مستمع ولم يلق بالاً لهذه الأرواح التي غيم عليها ضباب العزلة !! ربما .. 
وهناك أيضاً قصة سائق العربة الشهيرة في رواية الكاتب تشيخوف  – لمن أشكو كآبتي - حين أراد ان يحكي للركاب عن موت ابنه فأخذ يردد لكل منهم أنا يا سيدي.. هذا الأسبوع.. مات ابني .. فلم يجد من الركاب من يلقي لحديثه بالآ. احدهم ينهره والآخر يزجره والثالث يتجاهله  . وكان يقص على كل من يقابله القصة ذاتها .. دون أن يتفاعل معه أحد وفى النهاية.. يقول ( السائق) محادثاً نفسه : فلأذهب لأتفقد الفرس ويذهب إلى الاصطبل حيث تقف الفرس في محاوله منه أن ينشغل تفكيره في  أمور أخرى مثل الشعير والدريس والخيل ، لأنه عندما يكون وحده لا يستطيع أن يفكر في ابنه ... هو فقط يستطيع أن يتحدث عنه مع الآخرين ، لكنه حين  يفكر فيه ويرسم لنفسه صورته يشعر وكأنه يحمل على ظهره حملا ثقيلا وما أصعب أن تحمل كفن ابنك  .. 
هل  حقاً عدم وجود مكان أو شخص نذهب اليه في حياتنا مؤلم ؟؟ .. هل يهم ذلك كثيراً ؟؟.  ولمعرفة الإجابة فليتفحص كل منا قائمة الأسماء المسجلة بهاتفه أو في حسابه على صفحات التواصل الإجتماعي  قائمة الأصدقاء أو كما يطلق عليها . ثم يسأل كل منا نفسه : من منهم سيكون الشخص أو المكان الذي استطيع أن أذهب إليه إن أظلمت روحي وأتعبني التفكير .. من منهم  الشخص الذي أحتاج منه أن يلعب دور البحر الهاديء فيسمعني دون ضجيج ؟ من منهم الشخص الذي أستطيع أن أقول له إني متعب حقاً ؟..