يوميات الأخبار

الوقاية فى كمامة

عصام عبد الحافظ
عصام عبد الحافظ

هذا التعصب، وذلك الاحتقان الذى انفجر كالبركان، لابد أن يتوقف، ولابد أن يكون هناك مشروع حقيقى يبدأ فورًا، بل يبدأ الآن.
 

فى يوم الأربعاء الثانى من شهر نوفمبر، أخبرنى الطبيب المُعالج بالبشرى التى كنت أنتظرها، وكنت أترقبها من لسانه بصبر وجلد.. مبروك لقد تخلصت من الفيروس، تقرير وأفلام الأشعة الأخير مع نتائج تحاليل الدم لمجموعة كورونا تؤكد أنك تعافيت، وأنه يمكنك العودة إلى حياتك الطبيعية، وإلى نشاطك المُعتاد، لكن لا تتهاون مرة أخرى فى حق نفسك، وفى حقوق الآخرين عليك، ولا تستهين مرة أخرى بإجراءات الوقاية، وهى إجراءات سهلة وفى مُتناول الجميع، هى ببساطة كِمامة وتطعيم مجانًا ومُتاح للجميع.


وعلى الرُغم من أننى لم أتهاون فى إجراءات الوقاية الشخصية من جائحة اجتاحت العالم منذ عامين أو أكثر قليلا، إلا أننى أعترف ببعض الهفوات التى قد تحدث لبعضنا بدون قصد، لكن المؤكد أن الهفوات ما هى إلا ثغرات لغير المرغوبين، ويدخل منها الشيطان مثلما تسلل فيروس كورونا إلى جهازى التنفسي، فجعلنى طريح الفراش ورهنًا للعزل المنزلى لستة اسابيع، نعم الرقم صحيح ستة أسابيع فى رحلة علاج استوعبت فيها الكثير، وأهم دروسها ونصائحها.. لا تتهاونوا فى إجراءات تقيكُم من فيروس الهوان والندم !!


تعصب رياضى وتكويش


التعصب الكروي، كان ظاهرة مرضية، وانتقل من خانة المشكلة إلى بوابة الأزمات فى السنوات العشر الأخيرة، وصعد إلى فوهة بركان من التجاوزات والمتناقضات.. وتتوازى معه ظاهرة أُخرى أشد خطورة، عنوانها التكويش والاحتكار لكراسى اتحاد الجبلاية، والاتحادات الرياضية الأخرى.


فى يوم الجمعة الموافق 27 أغسطس الماضي، خلال مراسم تتويج البطل بدرع الدوري، انفجر بركان من التعصب الكروي، وتكرر المشهد فى 5 نوفمبر، فى توابع أحداث مباراة القمة بين قطبى الكرة المصرية، ولا أتوقع أن تتوقف تلك المشاهد من الاحتقان والتربص والتعصب، فهذه أصبحت بمثابة أمراض اجتماعية لم تشهد مصرنا الحبيبة مثيلا لها عبر تاريخها الرياضي، أمراض تراجعت أمامها الروح الرياضية بما تتميز به من صفات جميلة، صفات  تتصدرها روح الود والتسامح، ويعلوها ويسمو بها قبول الآخر بالتنافس الشريف.


هذه الصفات هى من الماضى الجميل، أيام الأسطورة حلمى زامورا فى الزمالك، والمايسترو صالح سليم فى الاهلى وما قبلهما، كان المشير عبد الحكيم عامر، وهو الزملكاوى الذى يرأس اتحاد الكرة يُكلف الفريق عبد المحسن كامل مرتجى الأهلاوى بمهمة إنقاذ الاهلى من عثرته فى الستينيات، ويطالبه باستعادة واسترداد عافية الأهلى وقوته فى مواجهة غريمه ومنافسه التقليدى الزمالك، ومعهما دراويش الإسماعيلية بقيادة أبوجريشة وشحته وحازم وميمى درويش، وغزل المحلة فى وجود الشناوى وعمر عبد الله والسياجى وعبد الرحيم خليل، وكذلك ترسانة الشاذلى ومصطفى رياض وحسن علي، واتحاد بوبو والبابلى والجارم، وأوليمبى محمود بكر ويعقوب ومحمد الكاس الكبير، وغيرهم من منظومة الكرة المصرية فى الزمن الجميل.


انتماء غريب!


وتلك الروح الجميلة التى كانت عليها المنافسة فى الزمن الجميل، لم يبق منها شيء فى السنوات الاخيرة، بل إن تنامى التعصب بين جماهير الناديين كان كارثيًا فى الموسم الأخير 2020 / 2021، لكن الأكثر كارثية أن الدورى المصرى نال صفة الأسوأ تنظيميا وتنافسيا فى تصنيف الاتحاد الدولى لكرة القدم -الفيفا- لدوريات العالم، ويأتى بعده فى ترتيب الاسوأ كل من الدورى الكويتى ثم السوداني.


المؤكد أن أمراض التعصب لبعض الجماهير فى الناديين قد تجاوزت كل الخطوط الحمراء، ولم يعد الامر مقصورا على اختفاء الروح الرياضية لديهم، أو غياب مشاعر قبول الآخر عند الفوز أو الهزيمة، لكن أصبح يسيطر على هؤلاء المتعصبين اعتقاد أكثر خطورة، يصور الانتماء للنادى يفوق الولاء لمكان العمل الذى يؤّمن له متطلبات الحياة، وربما يفوق الانتماء للوطن.


 وكشفت توابع الأحداث المؤسفة لمراسم تتويج الزمالك بالدورى إلى أى مدى وصلت حالة الاحتقان والعداء، ومما يؤكد على كارثية المشهد أن البعض أصبح يعتقد أن عبارتى «أنت أهلاوى أو أنت زملكاوي» بمثابة التهمة، ويعتبرها نقيصة، أو ربما عارًا، ومن العيب ترديدها ضد الآخر، والمؤسف حقًا أن المهندس أحمد مجاهد رئيس اللجنة التى تتولى إدارة اتحاد الكرة هو أول من ردد ذلك، وتشهد عليه تصريحاته حول العقوبات التى أصدرها ضد شيكابالا كابتن فريق الزمالك، وهذه التصريحات أثارت غضبًا وغليانًا واسعًا بين جماهير القطبين.


يا أهلاوى.. يا زملكاوى !


لن أناقش العقوبات التى صدرت ضد شيكابالا وناديه الزمالك، فهى إجراءات وردود أفعال تحدث فى كل ملاعب العالم، وتحكمها قواعد ولوائح ومن قبلهما الضمير الإنساني، لكن الذى لم يحدث فى العالم هو استحداث تُهمة لم تحدث من قبل، وهى «يا أهلاوى أو يا زملكاوي»، والذى استوقفنى واستوقف الكثيرين، إلى هذا المدى وصل الاحتقان والتعصب لدى البعض، ولم يسلم منه كبار المسئولين عن اللعبة الشعبية الاولى. 


هذا التعصب، وذلك الاحتقان الذى انفجر كالبركان، لابد أن يتوقف، ولابد أن يكون هناك مشروع حقيقى يبدأ فورًا، بل يبدأ الآن.


والكرة فى ملعب وزارة الشباب والرياضة، فى ملعب اتحاد الكرة، فى ملعب العقلاء الذين ينتمون للقطبين.


ومشروع مواجهة التعصب يحتاج إلى رعاية رفيعة المستوى، ولن يُكتب له النجاح بدون تضافر جهود الهيئة الوطنية للإعلام مع المؤسسات الصحفية الكبرى.


احتكار فى الاتحادات


لعل أحد الاسباب الخفية فى تنامى ظاهرة التعصب هو احتكار الكراسى فى مجالس إدارات الاندية، وكانت هذه العدوى -أى الاحتكار– تتسلل ببطء وعلى استحياء إلى مجالس الاتحادات الرياضية واللجنة الأوليمبية، لكن لائحة النظام الأساسى الموحدة كانت لهم بالمرصاد، وتمنع الاستمرار فوق الكراسى لأكثر من ثمانى سنوات، أى دورتين انتخابيتين متتاليتين لأى عضو مجلس إدارة ثم يبتعد لدورة واحدة تدخل فيها كوادر ودماء جديدة، وكان هناك وزراء أقوياء يتسمون بالحنكة والدهاء السياسي، فحافظوا على هذه اللائحة، وتمسكوا باستمرارها، وأبرزهم الدكتور عبد المنعم عمارة والدكتور عليّ الدين هلال.


ويُحسب للمهندس حسن صقر أنه لم يُحافظ فقط على ميراث عمارة وهلال فى لائحة تكافؤ الفرص فى الاتحادات، لكن كان أول من أدخل بند الثمانى سنوات على لائحة الأندية فى صيف عام 2011، واستمر كل من جاء بعدهم على نفس النهج، حتى جاء المهندس خالد عبد العزيز الوزير السابق، فأدخل تعديلات جذرية كارثية فى القانون، ألغى القانون 75 لسنة 77، وأُلغيت بالتبعية كافة اللوائح التى تتوافق معه، ونجح فى تمرير القانون الحالى 71 لسنة 2017، والذى يُجيز لمجالس إدارات اللجنة الاوليمبية والاتحادات والاندية إصدار لوائح خاصة بها.


لا صلاحيات.. لا سُلطات للوزارة !


صحيح أن القانون الجديد ألقى بالكرة فى ملعب الجمعيات العمومية لتمرير اللوائح، لكن ليس كل الجمعيات على نفس القدر من الوعى والثقافة والاحساس بالمسئولية، ولم تكن إجراءات انعقادها واكتمالها تتضمن الحد الادنى من الشفافية والتسهيلات التى كانت عليها فى القانون السابق، وهذا ما فتح الباب أمام الذين احترفوا التكويش على الكراسى لكى يحتكروها للأبد، ووجدوا ضالتهم فى لوائح تفصيل على مقاسهم فقط، وتفننوا فى وضع عراقيل وبنود تعجيزية تمنع العديد من أبناء اللعبة الحقيقيين فى التفكير أصلًا للدخول فى المنافسة، أو السعى لتحقيق رغبته فى العطاء.


ووفقًا للقانون 71 لسنة 2017، تنازلت وزارة الشباب والرياضة عن صلاحياتها وسلطاتها، وسلّمتها للجنة الاوليمبية والاتحادات، ولم يبق لها إلا بصيص أمل فى الاشراف المالي، وورث الوزير أشرف صبحى ترّكة وعبئًا ثقيلًا، وأصبح فى موقف لا يُحسد عليه أمام حالة الغضب والاستياء للرأى العام من النتائج المتواضعة للعديد من الاتحادات واللاعبين فى دورة طوكيو الاوليمبية الاخيرة.


واحتفظ الذين لم يمارسوا اللعبة أصلا بعروشهم فى بعض الاتحادات، ومثلما كانت نتائجهم هى الأسوأ فى دورة طوكيو الاوليمبية، فقد فشلوا أيضا فى الاحتفاظ بمواقعهم فى الاتحادات الدولية، ولعل أكثر النماذج الصارخة هو رئيس اتحاد القوس والسهم ومعه مجموعته الذين يحتكرون الاتحاد منذ 14 عاما، ويحتفظون بمواقعهم لأربع سنوات قادمة، ومنذ ذلك التاريخ لم ينشر اللعبة فى أندية جديدة، ولم يتجاوز عدد جمعيته العمومية تسعة أندية، منهم ثلاثة مشكوك فى قانونية تصنيفهم، ولم يُنشئ أى فرع للاتحاد فى أى محافظة بما فيها القاهرة، والمضحك أن رئيس الاتحاد يطلب من لاعبيه مخاطبة الوزارة لتوفير الدعم قبل البطولات!!.

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي

 
 

 
 
 

ترشيحاتنا