من وراء النافذة

حملة تهذيب سلوك

هالة العيسوي
هالة العيسوي

أظن أننا نحتاج الآن وبإلحاح إلى البدء فى معركة تهذيب سلوك وإيقاظ الوعى المرورى والصحى، والدينى، والأخلاقى ، للخروج من الدائرة الجهنمية للفوضى والعشوائية المتجذرة، نوع من التنمية البشرية غير الأكاديمية،  أساسها احترام القانون تتضافر فيها جهود الدولة بمؤسساتها الثقافية والإعلامية، والتعليمية، والأمنية والدينية، لحث المواطنين على الالتزام بالنظام والقواعد والذوق العام.  

لا يمكن مثلًا فى ظل حركة التعمير والتطوير النشطة فى شوارع القاهرة أن يظل قلب العاصمة بهذه الفوضى الضاربة. أصبح المرور فيه جحيمًا لا يطاق ،لاعذر بوجود أعمال إنشاءات فى شارع 26 يوليو ومثلث ماسبيرو، ولاعذر بوجود كثافة حركة من مركبات ومشاة فى ميدان رمسيس، الأزمة تحتاج لتضافر جهود السلطات التنفيذية، مع مخططى الشوارع مع المحليات، ومع ، هوالمهم ، تعاون الجمهور والتزامه فى ظل إشارات توقف طويلة نسبيًا، يسمح الأمر بإجبار المشاة على التزام النظام وعدم العبور إلا حينما تسمح لهم الإشارة بذلك، ومن المواضع المخصصة للعبور قبل بضع سنوات كانت هناك تجربة ناجحة جدًا فى ميدان رمسيس لتنظيم حركة وعبور المشاة، وضعت الحواجز غير الثابتة أمام المشاة مع فتحة واسعة واحدة  تسمح باجتياز الميدان أمام كل إشارة مرور، كان الميدان وقتها، رغم ازدحامه وكثافة الحركة فيه، نموذجًا للنظام والتحضر، للأسف لم تبق هذه التجربة الناجحة طويلًا واندثرت  ،أزيلت الحواجز المتحركة، بل وحطمت بعض الأسوار الثابتة التى تفصل بين جانبى شارع رمسيس، لتسمح للأفراد بالقفز أمام السيارات واختلط المشاة مع السيارات فى سباق غير إنسانى.. كما لا يمكن أن تتحول مداخل ومخارج محطات مترو الأنفاق إلى أسواق عشوائية يحتل فيها الباعة الجائلون الأرصفة ولا يتركون مجالًا لعبور السائرين ، فى الحقيقة أشفق على سكان حى الزمالك ذلك الحى الراقى الهادئ الذى يضم العديد من السفارات الأجنبية من مصير مظلم عندما تعمل محطة مترو الأنفاق فى قلب شوارعه الضيقة أصلًا..

لا يمكن بعد توسعات شوارع مصر الجديدة، أن نجد المارة يعبرون الشوارع السطحية عدوًا من أخطر وأوسع أماكن النقاط رغم وجود كبارٍ علوية مزودة بسلالم كهربائية تسهيلاً على المرضى وكبار السن وحتى على الشباب معرضين حياتهم للخطر، ومعرضين قائدى السيارات لمصائب هم فى غنى عنها، المشهد جد محير وكارثى ،أمثلة ذلك شارع الخليفة المأمون عند جامعة عين شمس وكوبرى القبة عند جامع جمال عبد الناصر.. لا أدرى هل نطالب بغرامة للمشاة، مثلما توجد غرامات للسيارات؟ .

وفى الصحة ما يزال هناك من يرفض تلقى التطعيم، بعد كل هذه التكلفة فى توفير اللقاح المضاد لكورونا، والأدهى أن هناك من يتهاون ولا يرتدى الكمامة فى أشد الأماكن ازدحامًا وتلاصقًا كالمواصلات العامة والمصاعد والمساجد،  برغم كل إعلانات وتحذيرات وزارة الصحة  بضرورة الالتزام بالإجراءات الاحترازية وارتداء الكمامة حتى لمن تلقوا اللقاح ،وبرغم انتشار اللافتات التى تحظر دخول الأماكن والمواصلات بدونها، ويدهشك أن بعضًا ممن يفترض أن يكونوا قدوة للآخرين ودافعًا لإحراجهم ودفعهم للالتزام بالإجراءات الاحترازية هم أول من يستهينون بها، ومما يزيد الدهشة أن تجد البعض محتفظًا بالكمامة فى جيبه أو يعلقها حول رقبته، يتعامل معها كأنها كبطاقة الهوية يظهرها فقط عند الضرورة أو الطلب..

ومن التجارب الناجحة التى غابت بلا سابق إنذار تجربة الآذان الموحد، لقد أنعم الله علىّ بوجود أربعة مساجد تحيط بمسكني، لا تزيد المسافة بين كل اثنين منها عن ثلاثمائة متر، الكل تخلى عن آذان إذاعة القرآن الكريم، تتسابق المساجد فى رفع درجة مكبرات الصوت إلى أقصاها، رغم عدم الحاجة لذلك، ويتنافس المؤذنون فى ارتفاع أصواتهم بالميكروفونات إلى حد الصراخ، مع عدم تمتعهم بحلاوة الصوت الذى كان سببًا رئيسًا فى اختيار الرسول عليه الصلاة والسلام لبلال كى ينادى للصلاة، وبدلًا من أن يجلى نداء الصلاة الأرواح ويسوق النفوس نحو الخشوع والهرولة للصلاة، تجد الناس وقد صموا أذانهم يتمنون نهاية الآذان، أنها حملة مجهدة تحتاج إلى النفس الطويل لكنها ضرورة لابد منها.