يوميات الأخبار

سباحة فى نهر المستقبل..!

علاء عبدالوهاب
علاء عبدالوهاب

فى البدء والمنتهى كان التعليم، ولا ينفصل عنه البحث العلمى، ولا قيمة أو فائدة لهذا النوع من البحث إلا بنشأة مدارس علمية

الجمعة:
شغفى بالمستقبل قديم!
لعله يرتبط على نحو ما بارتباطى منذ نضج وعيى بفكرة الحلم، باعتباره جسراً للعبور من اللحظة الآنية إلى أفق أرحب فى الغد، ثم التعامل النقدى مع ما يعتبره غيرى مسلمات لا تقبل الجدل، أو إعادة النظر، ناهيك عن تجاوز ما يسلم به الآخر إلى رؤية مغايرة، مادامت تستند إلى منطلقات صحيحة، وأسس لا يغيب عنها المنطق بعيداً عن شكليته.
دفعنى هذا الميل إلى نوع من التفاؤل دائماً بأن القادم أفضل، مادام الإنسان يأخذ بأسبابه، من ثم لا يغيب عن البصر، أمل متجدد مبنى على محاولات دءوب هدفها تغيير الراهن، أو الحالى فى مدى زمنى غير بعيد.
هذا مجرد جانب لتفسير اهتمامى بالمستقبل، على الضفة الأخرى، وربما التى صارت أكثر أهمية، أن التطلع للمستقبل يتجاوز الذاتى والشخصى، إلى دوائر أوسع.
الوطن، الإنسان أينما وكيفما يكون، المهنة التى نذرت لها عمرى، ثم ولعل الترتيب هنا لا يعنى بالمرة أن الآتى بعد «ثم» أقل أهمية، بل ربما العكس، إذ يجتمع الشغف والاهتمام فى بوتقة تنصهر فيها مشاعر حب وقلق لأنها تتعلق بالأبناء والأحفاد، وآفاق العالم غداً وبعد غد، فتلك سُنة الحياة، والوطن بهم ولهم.
وحين أشير للأبناء والأحفاد، لا أقصد من انحدروا من صلبى فقط، وإنما الأجيال صاحبة الحق فى المستقبل الأفضل دون تمييز.
سؤال واحد.. وإجابات متعددة
السبت:
من طبائع الأمور أن تختلف الإجابة عن ذات السؤال بتعدد من يتم توجيهه إليهم.
وسؤال المستقبل، أو بالأحرى أسئلته، ليست استثناءً.
ثقافة الإنسان، ودرجة انشغاله بالمستقبل، وزاوية النظر،...،... محددات تجعل التفاوتات منطقية تماماً فى كل إجابة.
أتفهم ذلك، وأتقبله، لكن غير المفهوم أو المقبول، أن ينظر إليك المستمع ساهماً ثم يزيح رأسه، ولا يلقى بالا بما طرحته!
صادم فعلاً ألا يشغل سؤال المستقبل عقول بعض الشباب والصبية.. الأسوأ أن تجد شاباً وقد انتفض، وكأنما لدغته حية، ثم يلقمك بإجابة وكأنها حجر:
ـ أعوذ بالله. سبحانه علام الغيوب.. أى صنف من البشر تظننى.. هل يهبط عليّ وحى حتى أعلم بضروب من الغيب؟!!
يقولها بسرعة، ثم يمضى إلى حال سبيله!
وبعيداً عن صاحب الموقف الشاذ، فإن ثمة إجابات تعيد لك الأمل فى شبابنا:
ـ أحلم بمستقبل بلا تلوث.. ولاشك أن ذلك يرتهن بتجاوب عالمى، والكف عن أنانية الكبار وجهل الفقراء واحتياجهم.
ـ أتمنى الفوز بتعليم يؤهلنى للعمل تحت مظلة اقتصاد الابتكار.
ـ ليت الطب يتقدم ليضمن لى عمراً طويلاً بلا مرض.
ـ اتطلع لتقدم تكنولوچى بلا سقف، بشرط ألا يصبح الإنسان عبداً لمنجزاتها!
ـ حلمى متواضع.. ألا يوجد أمى فى وطنى، أن تنتهى كل صور الأمية: قرائية، تقنية، دينية،....
ـ هل تشرق على الإنسانية شمس يتقاسم فيها البشر فكرة المستقبل المشترك؟
.........................................
مجرد نماذج لإجابات تذكرتها، فالسؤال طالما طرحته فى مناسبات مختلفة، ودون أن أقصد أو أسعى، اكتشفت أننى وجهته لعينة، يمكن بتحليل مضمونها أن يؤشر لكيف يفكر شبابنا فى المستقبل كقضية محورية.
مساحة الزمن: صفر!
الأحد:
تأملت إجابات جيل الأبناء، وباستثناء صاحب أول إجابة، توصلت دون جهد إلى أن العلم كان المحور الذى تدور حوله أفكارهم بشأن المستقبل.
المنجزات العلمية المأمولة وتطبيقاتها فى مجالات التقنية المختلفة، كانت أهم ما يشغل بال الأجيال صاحبة الحق فى المستقبل الأفضل، ينعكس على حيواتهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة، المهم أن يكون ثمة فارق عن ما عاشوه وتقاسموه مع الأجداد والآباء، فعالمهم مع أبنائهم لاشك أنه سيكون مختلفاً.
لاحظت أن تفكيرهم مرجعيته قاموس مفرداته: لا مستحيل، لا صعب، لا خيالى.
إن مساحة الزمن بين الكشف العلمى وتطبيقه التقنى يكاد يقترب من الصفر، هذا رهانهم.
سألت نفسى:
إذا كان هذا حال بعض شبابنا، حين طُلب منه أن يحلم بالمستقبل، أو بدقة أن يحدد علاقته عبر طموح واضح بالغد وبعد الغد، ألا يستحق أن يجد من يتبنى طروحاته، ليترجم هذا الاهتمام المستقبلى فى ضوء وعيه ورؤيته؟
سألت نفسى سؤالا آخر:
ماذا لو لم يجد شاب يمتلك الفكرة، والعلم، الحضّانة التى تقدم له إمكانات تحويل فكرته إلى واقع يسعى بيننا، ليساهم فى صياغة المستقبل الذى حلم به؟
وبسرعة أجبت نفسى المتلهفة ينازعها يأس ورجاء:
ليس أمامه إلا أن يُحبط أو ينطوى على نفسه، أما البديل الآخر فأن يبحث عن فرصة وراء الحدود ليستمر مسلسل نزيف العقول اللامعة!
ليس رجماً بالغيب
الإثنين:
فى تجارب الأمم التى سبقتنا، ثمة ملمح لابد من الإنتباه إليه، واستحذاء خطواته، فالعديد من المؤسسات المعنية بالمستقبل هى بالأساس أهلية، بالطبع إلى جانب مراكز البحوث الحكومية.
وحتى لا نُصعبّها على أنفسنا، فإن مبادرات تقودها بعض المصانع والشركات الكبرى، برصد جزء من ميزانياتها لأغراض البحث العلمى الذى يخدم نشاطاتها، وتبرعات المثقفين، وتخصيص الجامعات بنوداً لحفز شباب الباحثين المبشرين لتوفير نفقات أبحاثهم المبتكرة، كلها تصب فى صناعة مشروع للمستقبل، يساهم فى نهضة الوطن.
إن المسئولية قسمة بين الأهلى والحكومى.
ثم لماذا لا يتم بحث تخصيص جانب من عوائد الأوقاف لذات الغرض، بل إن هذا النوع من الاستثمار مما يحض عليه المستنيرون من علماء الدين وفقهائه، المهم أن يتم طرح الفكرة للنقاش تمهيداً لتفعيلها؟
وربما كان ذلك رداً عملياً على صاحب الإجابة التى استعاذ بالله عندما باغته عن رأيه بخصوص المستقبل!
هل نسى أو تناسى، غفل أو تغافل عن قاعدة: التعقل يسبق التوكل؟!
لقد أصبح الصدام المفتعل بين العلم والدين شيئاً من الماضى، ولأن صناعة المستقبل صارت علماً بذاتها، فلا ضير من إسقاط الحواجز بين الفقه والمستقبل، فالمستقبليون لا يزعمون رجماً بالغيب، لأنهم ببساطة يعلمون تماماً أن ما يقومون به ثمة إشارات إلى ما قد يحدث فى المستقبل، ويشكل بعض ملامح صورته، عبر سيناريوهات وتوقعات واحتمالات ربما تتحول إلى حقائق، بالفكر والتخطيط المحكومين بالمنهج العلمى وأدواته ليس إلا، ومن الأهمية بمكان توفير المناخ والإمكانات الملائمة لذلك.
فى البدء كان التعليم
الثلاثاء:
هل هذا كل شيء؟
عدت للتساؤل، فتوليد الأسئلة أحياناً يفوق فى أهميته الإجابات!
فى البدء والمنتهى كان التعليم.
ولا ينفصل عنه البحث العلمى.
ولا قيمة أو فائدة لهذا النوع من البحث، إلا بنشأة مدارس علمية سواء فى رحاب الجامعة، أو بين جدران المعامل فى مراكز البحوث.
إنها المفارخ التى تنتج صُناع المستقبل، القادرين على صياغة ملامحه.
فى الفصل، كما فى المدرج، والمعمل لابد أن يتقن الدارس فن التفكير، فتلك المهارة هى البداية لأن يبدع أو يبتكر، لينتظم فى سياق مستقبلى.
وفى أى من هذه المواقع، لابد من تنمية الطموح إلى جانب دراسة العلوم. فأن تكون طموحاً، فأنت تمتلك حلماً، من ثم فلابد أن ترنو للمستقبل.
وعندما نتطلع إلى الرواد من علمائنا فسوف نتأكد من صواب ما ذهبنا إليه، وسوف نلاحظ من قراءة سيرهم حرصهم على أن التعليم مستمر بالنسبة لهم ماداموا أحياء، إنهم لا يكفون عن طرح الأسئلة والبحث والتجربة، لذا كانوا فى طليعة من يصنعون المستقبل.
الأمر لا يتعلق بتقديم وصفة سحرية أو روشتة مضمونة المفعول، بقدر ما يرتبط بتأمل نماذج نجحت فى إنجاز هدفها الأسمى بالمشاركة فى بناء المستقبل.

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي

 
 

 
 
 

ترشيحاتنا