خالد حمزة
فى تطور لافت ومتسارع للقتال فى إثيوبيا ، دعا رئيس الوزراء الأثيوبى آبى أحمد المواطنين، لحمل السلاح للتصدى للمتمردين وتسليح أنفسهم وأعلن حالة الطوارئ، بعد زحف قوات جبهة تيجراى وحلفائها إلى العاصمة أديس أبابا لأول مرة منذ الحرب قبل عام، وباتت على بعد أقل من 140 كيلو مترا فقط منها، وسط نداءات إقليمية ودولية لمنع انزلاق البلاد لحرب أهلية شاملة بين عرقياتها التى تقدر بـ80 عرقية متنافرة، وجرها لأزمة إنسانية خانقة، كنتيجة سياسات آبى أحمد الفاشلة داخليا وإقليميا.
ودعت الولايات المتحدة من خلال مبعوثها لإثيوبيا، وبالتنسيق مع الاتحادين الأوروبى والأفريقى ومجلس الأمن، إلى هدنة بعد عام من النزاع المسلح الذى تسبب فى أزمة إنسانية، وإلى وقف إطلاق النار فورا، والدخول فى محادثات مباشرة دون شروط، ودعت جبهة تيجراى وحلفاءها إلى وقف زحفهم فورا نحو العاصمة، وإلا ستضطر لإجراءات أخرى من بينها فرض العقوبات على الحكومة الإثيوبية، لوقف المذبحة هناك، وحثت رعاياها مع دول أوروبية أخرى لمغادرة إثيوبيا فورا، ودعت الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقى الأطراف المتنازعة، لوقف القتال والتفاوض المباشر دون شروط.
جاءت تلك التطورات الجديدة، بعدما أعلنت جماعة جيش تحرير أورومو، تحالفها مع قوات جبهة تحرير شعب تيجراى ضد الحكومة، وتقول الحكومة الإثيوبية إن تلك الاتفاقية بينهما، تؤكد أنهما تعملان فى انسجام ضد استقرار الأمة كلها والانفصال التام، وتخوض الجماعتان المسلحتان نزاعات منفصلة مع الحكومة منذ أكثر من 3 أعوام، لكنهما تقولان إنهما ستتبادلان المعلومات وستقاتلان معا فى بعض الجبهات ضد الحكومة المركزية، كما جاء بعد تقرير صادر عن هيئة تحقيق مشتركة فى الوضع الإنسانى فى الإقليم، أن جميع أطراف الصراع ارتكبوا جرائم حرب، من بينها جرائم ترقى لجرائم ضد الإنسانية، وأشار إلى توثيق جرائم قتل خارج نطاق القانون، وتعذيب واغتصاب وهجوم على لاجئين ومشردين، كما رجحت نتائج تحقيق أجرته مفوضية حقوق الإنسان الإثيوبية بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، أن جرائم حرب قد تكون ارتُكبت بالفعل، وهناك دلائل على أن الجميع متورطون، سواء بشكل مباشر فى الهجوم على مدنيين أو منشآت مدنية مثل المنازل والمدارس والمستشفيات ودور العبادة.
وفى وقت قال فيه مسئولون أمميون إن النزاع أدى إلى مجاعة تؤثر على أكثر من 400 ألف شخص، وإن 1٫8 مليون شخص آخرين على شفا المجاعة، نتيجة الصراع المستمر منذ عام، وقال مسئول المساعدات الإنسانية بالأمم المتحدة لأعضاء مجلس الأمن، إن الوضع فى تيجراى قد تدهور بشكل كبير، وأن نحو 5٫2 مليون شخص، مازالوا بحاجة إلى مساعدات إنسانية، غالبيتهم من النساء والأطفال، وقالت منظمة العفو الدولية فى تقرير ميدانى لها، إن الجيش الإثيوبى وحلفاءه، مسئولون عن انتشار العنف الجنسى ضد النساء فى تيجراي، مستخدمين الاغتصاب كاستراتيجية حرب.
وتقول المنظمة إن الأدلة الدامغة، تُظهر تفشى العنف الجنسى منذ بداية النزاع، وقالت المنظمة الحقوقية إن 63 امرأة وطفلا من تيجراى، قالوا إنهم تعرضوا للاغتصاب من جنود إثيوبيين أو إريتريين أو مقاتلين، أو ميليشيات موالية للحكومة، وقالت بعض النساء اللاتى قابلتهن المنظمة، إنهن احتجزن لأسابيع وتعرضن للاغتصاب بشكل متكرر.
وذكرت أن الانتهاكات كانت جزءا من استراتيجية ترهيب وبصورة مرتبة، وأن الضحايا لم يحصلوا على الدعم الذى يحتاجونه للتعافى، وإن العديد منهم يعيشون فى فقر فى مخيمات اللاجئين السودانيين أو مخيمات تيجراى، كما عُرض على إذاعة الـ"بى بى سى" البريطانية، مقابلة مع مراهقين أُلقى القبض عليهم، وهم يقاتلون لصالح الجانبين، قالوا إن عددا من الصبية والفتيات، يتم تجميعهم وإجبارهم على حمل السلاح والذهاب لجبهات القتال، وبعد أن أثار بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية الأب ماتياس الجدل مؤخراً، عندما قال إن عملية إبادة جماعية تُرتكب فى الإقليم، وأوضح وهو من أبناء تيجراى، أنه منذ اندلاع النزاع منذ عام بين الجيش الإثيوبى والجبهة، كان فمه مغلقا وغير قادر على التحدث بسبب الخوف.
وتقول جبهة تيجراى إنها تخوض الحرب نحو العاصمة، لفك الحصار الذى تفرضه القوات الحكومية على شمال البلاد، وإنها ستستمر فى زحفها، وإن أدى ذلك لسقوط العاصمة كسابقة لأول مرة منذ اندلاع النزاع، خاصة أن الحصار الذى تفرضه الحكومة على تيجراى، له آثار مدمرة على النظام الصحى فى الإقليم الذى أصيب بالشلل التام، وأن المرضى يعانون من انقطاع الكهرباء ونقص فى المستلزمات الطبية، ولا وجود لأى إجراءات للحد من انتشار جائحة كورونا فيه.
وفيما يخص الاقتصاد، حذرت الجبهة من أن إغلاق البنوك يعنى أن الناس، لا يمكنهم الحصول على رواتب تقاعدهم أو الوصول إلى مدخراتهم، كما تم إغلاق العديد من المؤسسات التجارية والمحلية والخدمية نتيجة لذلك، كما أن إعاقة توزيع المعونات الدولية، يزيد من تزايد المجاعة يوما بعد يوم، وإن تردد المجتمع الدولى فى اتخاذ إجراء حقيقى ضد حكومة آبى أحمد، قد أطال من أمد الحصار والحرب، بينما تقول الحكومة إن المتمردين، هم من يعيقون جهود الإغاثة ويهاجمون العاملين فى شبكات الكهرباء، ويتعمدون شل الحياة فى المدن والأقاليم التى استولوا عليها، أو يحاصرونها هم وحلفاؤهم، والتوترات فى تيجراى ليست بالجديدة، فهى تضم سبعة ملايين شخص من 122 مليون نسمة هم عدد سكان إثيوبيا .
أبناء تيجراى هم ثالث أكبر مجموعة عرقية فى البلاد بعد الأورومو والأمهرة، وهناك عداء شديد للحكومة المركزية فى هذه المنطقة التى عانت خلال الحكم العسكرى والحرب الأهلية، التى أعقبت خلع الإمبراطور الإثيوبى هيلا سيلاسى بعد انقلاب عسكرى عام 1974، وكانت تيجراى بؤرة المجاعة بين عامى 1983 و 1985، التى راح ضحيتها أكثر من مليون شخص وأكثر من مليونى نازح بالداخل، وكانت الجبهة جزءاً من التحالف الذى أطاح بالحكومة عام 1991، وظلت قوة مؤثرة فى السياسة الإثيوبية حتى عام 2019،عندما شكل رئيس الوزراء آبى أحمد ائتلافاً جديداً، رفضته الجبهة، وبعد عقود من الاستقرار، اندلع القتال فى نوفمبر العام الماضى بين قوات الحكومة وجبهة تيجراى، وبعد شهرين شنت قوات الجبهة هجوماً على قاعدة محلية للجيش الإثيوبى، وردا على ذلك شنت الحكومة هجوماً عسكرياً كبيراً على تيجراى، وشاركت قوات من إريتريا فى الهجوم على مقاتلى الجبهة، ولا يُعرف إن كانت القوات الأريترية لاتزال فى الإقليم أم انسحبت منه.
والصراع الدائر منذ عام، يمكن أن يضعف الدولة الإثيوبية، وقد يكون له عواقب إقليمية فى المستقبل القريب، كما يمكن أن يشجِّع القوميات الأخرى فى الدولة متعددة الأعراق وفى بلدان مجاورة بالقرن والشرق الأفريقى، على الوقوف فى وجه الحكومة المركزية والمطالبة بالاستقلال، وهو ما دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش إلى التحذير من أن استقرار إثيوبيا، مهم لمنطقة القرن الأفريقى كلها.