يوميات الأخبار

حكومة جديدة للعاصمة الجديدة

صالح الصالحي
صالح الصالحي

فلنتخل عن الشماتة فيمن يرحل.. فكل مسئول له دور محدود زمنيًا.. وواجبنا نقدره طالما تمسك بالنزاهة والشرف.. فالتغيير سنة الحياة.

 لماذا ترتبط الشائعات أو الأخبار المتداولة عن التغيير الوزارى بانتقال الحكومة للعاصمة الإدارية؟!.. وهل انتقال الحكومة بكافة أجهزتها يعنى أن إجراء التغيير وجوبى؟!.. أم أن التغيير تحدده معايير أخرى كالإنجاز والكفاءة وطبيعة المرحلة والزمن وغيرها من الأمور التى ليس منها الانتقال للعاصمة الجديدة.. لقد اعتدنا منذ أزمنة سابقة أن نطلق شائعات تغيير الوزراء والمحافظين.. هذه الشائعات التى تمتد لتشمل ما يتصل بهم من مناصب.. والغريب أن شائعات التغيير تنتشر فى فترات أو مناسبات يستغلها مطلقو الشائعات كأدلة دامغة على وجوب التغيير حتى يسهل تصديقها أو تكون الأقرب للتصديق.. ولكنها شائعات لا تترجم إلى حقائق.

البعض يعاود إطلاق الشائعات من فترة لأخرى.. فخلو أحد مقاعد الوزراء مثلا يرفع أسهم إمكانية تصديق هذه الشائعات وتصل الأمور إلى حد إطلاق أرقام بعدد الوزراء والمحافظين المغادرين لمناصبهم وكل واحد حسب حظه. حتى أن المسئول نفسه ومن حوله قد تطالهم حالة نفسية جراء هذه الشائعة.

منذ عدة أشهر انطلقت نفس الشائعة وسط تأكيدات من بعض من يطلقون على أنفسهم أنهم قريبون من صناع القرار.. ثم عادت الشائعات لتربطها بالانتقال للعاصمة الإدارية الجديدة وأصبح الأمر بالنسبة للحكومة الحالية مجرد أيام، أى أنها فى العد التنازلى حتى يأتى موعد الانتقال التجريبى أو الرسمى.

لا أحد يستطيع أن يؤكد أو ينفى هذه الترديدات، وهل فعلا مجرد الانتقال للعاصمة الإدارية والإعلان عن ميلاد الجمهورية الجديدة يجعل هذا الأمر الأقرب للتصديق؟! على الرغم أن دولاب العمل مستقر ومعدلات إنجاز المشروعات سواء القومية أو المشروعات الاستثمارية فاقت معدلات الإنجاز المخطط والمعد لها مسبقا والمؤشرات الاقتصادية فى تحسن مستمر والتجربة المصرية فى الإصلاح الاقتصادى رائدة بشهادة مؤسسات التمويل الدولية.. فإذا ما وضعنا هذه الأسس فى الاعتبار نجد أن الأمور مستقرة، إلا إذا كانت هناك رغبة فى إحداث تغيير لأسباب تتعلق بدفع الأداء الحكومى للوصول لمعدلات أعلى.

لا أعلم لماذا هذه النظرة الفاصلة التى تفصل بين العمل الحكومى قبل وبعد الانتقال للعاصمة الإدارية وكأن ستائر التاريخ ستسدل على كل ما سبق.. وأن الحكومة بذهابها للعاصمة الجديدة ستنفصل عن الماضى والواقع خارج أسوارها.. الذى أتصور أنه أمر غير وارد على الإطلاق.. وهذا ما أكده الرئيس عبد الفتاح السيسى فى مناسبات عديدة «الحكومة مش هتعزل»، وأن الغرض من الانتقال هو تخفيف الضغط على القاهرة القديمة والتى تشهد عمليات تطوير متسارعة لتعود لبهائها وجمالها ورونقها بعدما تضخمت وأصابتها عوامل الشيخوخة.

الانتقال للعاصمة الإدارية حتى وإن شهد تغييرا وزاريا فإنه سيكون بسبب الحاجة الفعلية لتغيير هؤلاء الوزراء ليأتى غيرهم بتكليفات جديدة لإكمال مسيرة العمل الوطنى.. وهذا لا يعنى أن من يرحل لم يقدم شيئا أو لم ينجح فى تحقيق ما كلف به.

ويجب علينا ألا نقلل من مسئول قدم عمله على أكمل وجه فى مرحلة معينة وينتهى دوره ليأتى غيره ويكمل الدور المنوط به.. وعلينا حينما نحتفى بالجدد الذين لم نعرفهم بعد ولم يقدموا شيئا رغم أملنا الشديد فى أن يكونوا أفضل من سابقيهم، ألا ننكر دور من قدموا بالفعل جهودا وعملا حتى ولو كان يسيرا.. عندها سنكون فى سلسلة من الحلقات التى تكمل بعضها البعض.. فلنتخل عن الشماتة والتشفى فيمن يرحل فكل مسئول مهما كان صغيرا أو كبيرا له دور محدد زمنيا. وعلينا أن نقدم له التقدير والاعتزاز طالما تمسك بتقاليد النزاهة والشرف ورفع شعار المصلحة العامة.. فالتغيير سنة الحياة.

ماذا لو انهار السد؟!
هل هناك جديد فى ملف سد النهضة الإثيوبى يجعلنا نطرحه للحديث الآن، رغم أن المفاوضات فى حكم المجمدة وفقا للتصريحات الأخيرة لوزير الرى؟!

من المؤكد أن ملف سد النهضة حاضر بقوة على الأجندة الرئاسية والحكومية سواء فى تأكيد مصر المستمر على حقها فى توقيع اتفاق ملزم لكافة الأطراف المصرية والسودانية والإثيوبية، بالإضافة لعدم السماح بالاقتراب من حصة مصر.

المؤكد أن طبيعة الحديث عن السد الآن مختلفة فهى تعود إلى ما شهدته الأشهر الماضية من تأكيدات بوجود عيوب فنية وتقنية فى عملية إنشاء سد النهضة الإثيوبى وأن احتمالات انهياره غير مستبعدة.. خاصة وأن التقارير والتصريحات حول هذا الشأن استندت إلى نظريات علمية وجيولوجية تؤكد أن السد أقيم على منطقة فوالق أرضية نشطة تمنع نهائيا بناء السدود عليها لأن الأرض غير ثابتة وعند وجود كميات كبيرة من المياه تتحرك تلك الفوالق وتؤدى إلى انهيار ما عليها من منشآت.. فى الوقت الذى تؤكد التقارير وصور الأقمار الصناعية أن هناك أجزاء كبيرة من السد انهارت عدة مرات ولاتزال هناك جيوب هوائية لم تملأ بالمياه أسفل السد وسوف تملأ بالمياه مع زيادة التخزين وفق نظريات الأوانى المستطرقة، أى أن تلك التشققات «الفوالق» تملأ واحدة تلو الأخرى مع زيادة كميات المياه.. حتى أن هناك أنباء مؤكدة بأن هناك تشققات فى جسم السد وأن الشركة المنفذة بدأت فى الانسحاب وأن السودان وجهت إنذارات إلى كل من يسكن على النيل الأزرق بأن هناك سيولا سوف تحدث.. وتؤكد التقارير أن إثيوبيا فشلت فى عملية الملء الثانى نتيجة لأخطاء تقنية وفنية تتعلق بجسم السد أكثر من كونها أخطاء إدارية خالفت قدرات وآمال الإثيوبيين على الإسراع فى البناء مع كميات المياه الواردة التى تجاوزت المعدل المتوقع.. فيما استبعد الخبراء إمكانية تنفيذ واكتمال السد أو تخزين ٧٤ مليار متر مكعب من المياه كما تعتزم إثيوبيا خاصة أن السد يقع بالقرب من منطقة الإخدود الأفريقى العظيم الذى يقسم إثيوبيا لنصفين..

كما يتواجد السد والبحيرة على فوالق من العصر الكمبرى بالإضافة إلى أن صخور منطقة السد جراتينية شديدة الانزلاق.

وهذه الأمور كلها تضعها الحكومة المصرية فى الحسبان.. حيث تقوم بعملية إزالات على مجرى نهر النيل الرئيسى وفرعى رشيد ودمياط بهدف تمرير أى تصرفات مياه زائدة على بحيرة ناصر أو السد العالى.. وفى نفس الوقت وتحسبا للتأثير المحتمل لانخفاض إمدادات المياه تنفذ مصر عدة مشروعات لزيادة كفاءة استخدام المياه.. ووضعت الحكومة خطة استراتيجية لإدارة الموارد المائية حتى عام ٢٠٣٧ بتكلفة تقديرية مبدئية ٥٠٠ مليار دولار لمواجهة تحدى انخفاض نصيب الفرد من المياه والذى لا يتجاوز ٥٦٠ مترا مكعبا سنويا.. فى حين أن الأمم المتحدة عرفت الفقر المائى على أن نصيب الفرد ألف متر مكعب من المياه سنويا.

وتعمل الدبلوماسية المصرية على تسليط الضوء على قضية مياه النيل من خلال جهود واسعة للتأكيد على صراعات المياه العابرة للحدود فى مؤتمر الأمم المتحدة لتغيير المناخ، والتأكيد على ندرة المياه والجفاف والتصحر والأمن الغذائى بوضعها هذه المعادلة المائية الصعبة لحالة مصر كنموذج مبكر لما يمكن أن يصبح عليه الوضع فى العديد من بلدان العالم فى المستقبل القريب مع استمرار تحديات الندرة المائية وعدم التمكن من تكريس التنسيق والتعاون العابر للحدود على نحو يتسم بالفاعلية وهو ما أكد عليه الرئيس عبد الفتاح السيسى فى كلمته فى افتتاح الدورة الرابعة لأسبوع القاهرة للمياه.

مصر تتحرك على كافة المسارات لمواجهة العجز المائى البالغ ٩٠٪ من مواردها المتجددة وتعيد استخدام ٣٥٪ من هذه الموارد لسد الفجوة المائية وتتمسك بحصتها من مياه نهر النيل.. وتحدد قضيتها فى السد الإثيوبى بتوقيع اتفاق ملزم بين جميع الأطراف.

الحقيقة بالتقسيط
دائما نطالب الآخرين بالإدلاء بالحقائق كاملة عند الحديث.. وهنا تترادف الحقائق بالحق مما يعنى أنك تقول الصدق فى كل ما ترويه أو تتناقله.. ولكن هذا أمر مثالى فلا حقائق مجردة ينقلها البشر.. جميعنا دائما ما يلونون عن عمد أو غير عمد الأمور التى يتداولونها، إما بسبب الأهواء الشخصية والمصالح التى تجعلك تقدم الحقائق كاملة أو تختزل جزءا منها قد يكون فى هذا الإخفاء مصلحة شخصية لك، أو حتى تدرأ عنك الأذى فى بعض الأحيان.. فكل شخص يمتلك معلومة يعتبرها ملكا له ويوظفها فى سبيل مصلحته بالدرجة الأولى وعلى الرغم أن هذه المعلومة قد تكون عامة ولكن متى استحوذ عليها جعل من نفسه خصما وحكما يفعل بها ما يريد.

وقد يكون هذا الشخص مقربا منك بشكل ليس بسيطا لكنه يتفاعل معها وقد يخفيها عنك طالما أن هذا الأمر فى صالحه.
نعيش فى مجتمع طريقة التعارف فيه بنقل وتداول المعلومات سواء كانت عامة أو حتى خاصة فى محيط العمل أو العائلة أو الجيران وهكذا يندر وجود المخلصين الذين يخلصون القول لك بتحذيرك بمعلومة أو نصحك بها.. ولكن المعتاد دائما أنك تصل للحقيقة أو المعلومة الحقيقية على مراحل بشكل يجعلك تحصل عليها بالتقسيط فلا يوجد حولنا من يملكون الصراحة وربما الصدق حتى يدلوا بالحقائق.. لكن مهما تاهت الحقائق فهى تعرف طريقها وعنوانها حتى وإن جاءت بالتقسيط.. فنادرا ما تحصل على الحقيقة جملة واحدة وكأنك فى سلسلة من التحقيقات التى يقودها فريق البحث الجنائى للوصول لأدلة ثبوت المعلومات.

لا أنكر أن هناك أشخاصا محظوظين تأتى إليهم الحقائق تسير على قدمين دون سعى أو قد تمتلك من القدرات ما يجعلها تجيد تجميع وتحليل واستخلاص الحقائق حتى تعلم ما يسير حولها متى اختفى الصرحاء من حولها أو عزت كلمة الحق.. وقد تحصل على الحقيقة بشكل تبادلى بمعنى اعطيك معلومة مقابل أخرى.. ولكن هذا الأمر يحتاج لثقة متبادلة.

كثير من الأمور لا تكتمل ملامحها إلا بعد مرور الزمن بعدما تنتهى المصلحة أو محتكر الحقيقة.

الجميع دائما يبحث عن المعلومة الجديدة حتى ولو كانت شائعة من باب التغيير وفك الرتابة.. وتخيل نفسك قد تكون أنت من أطلقتها وعادت إليك بعد التجويد والإضافة.. حالة كوميدية كثير منا صادفها فى صراع الحقائق المطموسة التى دائما ما تظهر أو تنكشف بالتدريج!!.