خرجت الأسكندرية كلها في وداعه، بكاه من يعرفه عن قرب، بكاه أيضا من لم يعرفه ويلتقي به، بكاه البسطاء وأصحاب المظالم..هناك أشخاص نتوقف كثيرا أمام رحيلهم، والأدق نتوقف كثيرا أمام حياتهم، كيف كانوا وكيف أصبحوا بكل هذا البهاء والشرف .. أبوالعز الحريري، أحد هؤلاء الشرفاء (جاء لهذا العالم كي يعترض) ويدافع عن حقوق العمال والبسطاء..عرف (بالمناضل اليساري) و(النائب المشاغب ) و(المعارض الأبدي). منذ أن كان عاملا في شركة الغزل والنسيج، وهويواصل الغضب ومحاربة الظلم والفساد، حتي فصل من عمله ..فدرس التاريخ وحصل علي ليسانس الآداب ليعرف بلاده، وحصل علي ليسانس الحقوق ليرد الحقوق الي أصحابها (حقوق العمال تحديدا) .. كانت معارضته سببا في سجنه 17 مرة، لكنه كان يخرج من السجن ليواصل احتجاجه وغضبه، فقد أختار أن يحارب دائما، وكان قادرا علي أن يحارب وحده، بقوة قضيته وأيمانه بالحق والعدل والحرية ...ولعله كان أحد الذين دفعوا السادات الي حل البرلمان (1976) بسبب معارضته ومواقفه ضد اتفاقية السلام مع اسرائيل .. لكن أشهر استجواب تقدم به الحريري بالبرلمان، ربما أيضا اشرس معاركه البرلمانية، هومعركته مع أحمد عز (أمبراطور الحديد، وعضولجنة السياسات بالحزب الوطني، والمقرب جدا من جمال مبارك، وأحد مهندسي التزوير، والتوريث) كان الاستجواب حول استيلاء أحمد عز علي شركة حديد الدخيلة، بالتواطؤ مع الحكومة والحزب الوطني، ليصبح هوالمحتكر الأول للحديد... من السادات، الي مبارك والحزب الوطني، ومن المجلس العسكري، الي مرسي والاخوان، كان الحريري هواليساري الوحيد الذي يخشاه الاخوان، ولعل أكثر ما أخافهم هو استخدامه لنفس السلاح الذي يلجأون اليه، وهوالحشد الجماهيري، والقدرة علي تحريك الشارع، ومخاطبته والتأثيرعليه ..كان أبوالعز أحد الأعداء الشرسين للأخوان، الي الحد الذي دفع بهم لضربه بالشوم والسيوف في شوارع الاسكندرية، والي الشماتة في موته، واصفينه بأنه العدوالأول للاسلام ..!! رحل الحريري، أحد شرفاء هذا الوطن، كان يبحث عن الحق.