يوميات الأخبار

معاناة منطقة مأزومة

 أسامة عجاج
أسامة عجاج

لقد سعت شعوب العالم العربى، للخروج من حالة التكلس السياسى، والجمود فى قمة هرم السلطة، فكانت النتيجة  أزمات سياسية، لا يبدو أن هناك (نقطة ضوء فى نهاية النفق المظلم الذى تعيش فيه).

منذ أسبوعين، طرحت على صفحتى الخاصة على الفيس بوك ،تساؤلا للأصدقاء، عن سر  أسباب حالة عدم الاستقرار، التى أصبحت سمة أساسية من سمات معظم الدول العربية، والمشهد يبدو مأساويا، من خلال نظرة سريعة على الخريطة، من أقصى الشرق، هناك العراق ،مرورا بسوريا ولبنان ،وجنوبًا هناك اليمن،ولا يمكن ان ننسى ليبيا ، كما أضيف مؤخرا للقائمة السودان وتونس، تعددت آراء الأصدقاء، واختلفت الأسباب، وبعضهم طلب ان أقدم إجابتى على السؤال المطروح، بحكم عملى لعقود فى مجال الشئون العربية، ولعل اقدم خلاصة رؤيتى فى هذا المجال، حقيقة الأمر ان هناك عوامل عديدة لذلك، وتحتاج إلى أكثر من يوميات، للخوض فيها، ولكنها محاولة، لعلها تكون إجابة على سؤال كبير وضخم، ودعونا نشير إلى حقيقة ان العالم العربى، دائما خلال الحقب السبع الماضية، ومن منتصف الأربعينيات يعانى من تلك الظاهرة، احد أسبابها فى المقدمة إسرائيل، والتى فرضت على المنطقة ديمومة صراع، نتج عنه عدة حروب فى ال ٤٨ وفى عدوان ١٩٥٦ على مصر وحرب ٦٧ ،التى انتهت باحتلال أجزاء من دول الطوق العربية ،واستيلاء إسرائيل على كامل فلسطين التاريخية، ولم يتوقف الدور الاسرائيلى حتى بعد عقد اتفاقية السلام مع مصر،  حيث قامت بغزو العاصمة اللبنانية فى يونيه ١٩٨٢ ،وظلت الأمور تراوح مكانها طوال حقبة الثمانينات، حتى مؤتمر مدريد فى اكتوبر ١٩٩١ ،والذى كان إيذانا بمرحلة مختلفة مع العلاقات العربية مع اسرائيل ،باتفاقية أوسلو بين الفلسطينيين والاسرائيليين فى عام ١٩٩٣ ،ووادى عربية مع الأردن فى نفس العام، ومنذ ذلك التاريخ لم تهدأ الأمور  على اكثر من صعيد، مازالت القضية الفلسطينية تراوح مكانها، بعد كل ما جرى، والخلافات بين الأردن مع تل ابيب مستمرة، يضاف اليها هجمات اسرائيلية  على الداخل السورى، وتوتر دائم على الحدود مع لبنان، وصراع حول حقول الغاز اللبنانية  التى تستولى عليها، وكانت الاعتداءات الاسرائيلية، السبب الأول فى نشأة حزب الله ،الذى رفع راية المواجهة مع اسرائيل ، (شعارًا براقًا )فى البداية ،حتى تحول إلى عبء على الدولة اللبنانية، والواقع يقول إن إسرائيل وحتى بعد الاتفاقيات التى عقدتها مع عدد من الدول العربية الأخيرة ، بعيدا عن دول الطوق العربى، تقوم باستثمارها لتكريس نفسها زعيمة للمنطقة، فى ظل صراع مع دول إقليمية أخرى على النفوذ، خاصة إيران وتركيا.  

  
ابحث عن إسرائيل 


وحقيقة الأمر  بأن إسرائيل جزء من الأزمة، وليست كلها، فلم يكن لها أى دور فى الزلزال الذى مازالت المنطقة العربية تعيش توابعه فى اغسطس ١٩٩٠ ،بالغزو العراقى للكويت، والذى كان علامة فارقة فى التاريخ العربى، حيث كرس فكرة التدخل الأجنبى العسكرى فى المنطقة، والتواجد الدائم للقوات الأمريكية فى عدد من دول الخليج، وكان سقوط النظام العراقى فى ابريل ٢٠٠٣ كارثة جديدة للمنطقة، والأمر بالطبع لا يتعلق بسقوط نظام صدام حسين، بقدر انها كانت بداية لتقاسم النفوذ بين واشنطن وإيران فى الساحة العراقية، بعد كارثة القرار الأمريكى الأغبى فى التاريخ، بحل الجيش العراقى ،والذى ترك المجال واسعًا أمام توغل تنظيم الدولة الإسلامية جماعة داعش، وتشكيل ميلشيات شيعية، تحت اسم الحشد الشعبى التابعة لإيران ،والتى وجدت المجال واسعا للتمدد فى العديد من الدول العربية، بالإضافة الى العراق، بالطبع هناك لبنان وسوريا واليمن، والأرقام لا تكذب ولا تتجمل، وكلها رسمية، وتؤكد ان الغزو الأمريكى ترك العراق ساحة للخراب والفساد، ووفقًا لتصريح أخير للرئيس العراقى برهم صالح، فان حجم ما تم تهريبه من أموال من العراق منذ سقوط صدام حسين بلغ ١٥٠ مليار دولار،  تشير بعض التقارير الى أن  الجزء الأكبر ذهب الى لبنان ويقدر ب ٦٠ مليارا، وأصبح هناك صعوبة فى استردادها مع الأزمة الاقتصادية والمالية فى بيروت، وعودة الى تصريحات الرئيس العراقى ، فان البلد خسر ما يقارب من مليار دولار من مجموع وارداته النفطية.  


سنوات عجاف 


وإذا كانت بداية الحقبة الأولى من هذا القرن عانت منه ،دول مثل العراق، فان المنطقة كانت مع زلزال بمسمى جديد (الربيع العربى )الذى اجتاح دولا عربية عديدة ،بعضها نظرًا لعوامل عديدة، استطاع نظرًا لوجود الحصانة الذاتية، تجاوز آثاره، ولكن الأغلبية سقطت صريعة تحت أقدامه، ومازالت تعانى طوال الحقبة الماضية وما بعدها، ونعود الى لغة الأرقام، وعلى لسان المسئولين، فخسائر ليبيا  وفقا لتقرير صدر مؤخرا عن احد المؤسسات الاقتصادية الدولية، وصلت الى نصف مليار دولار، ناهيك عن الكلفة الخاصة بإعادة التعمير، مع افتراض التوصل قريبا الى حل سياسى، بعد الانتخابات القادمة فى ٢٤ ديسمبر القادم، وهناك شكوك فى اجرائها، أو القبول بنتائجها،  وقد أشار الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، الى إعادة المدن المدمرة فى سوريا هى الأكبر فى التاريخ، وتقدر بحوالى ٩٠٠ مليار دولار، والرقم رغم ضخامته، لا يتوازى مع التحديات الإنسانية، التى يعيشها الشعب السورى، فالأرقام تتحدث عن ان ١٢ مليون شخص فى حاجة الى مساعدات إنسانية، ووصول رقم اللاجئين السوريين فى الخارج الى ٥ مليون، ناهيك عن النازحين من المدن والقرى التى شهدت جولات المواجهات، بين القوات الحكومية وقوات المعارضة المسلحة، واليمن ليس أفضلا حالًا ، فإحداث فبراير ٢٠١١ خلقت أكبر مأساة إنسانية فى التاريخ، أنهت معها فكرة( اليمن السعيد)  حيث اصبح ٨٠ بالمائة من اليمنين فى حاجة الى مساعدات إنسانية، وهناك اكثر من ١٦ مليون يمنى جائع،  و ٢٠ مليون يمنى يحتاجون الى الرعاية الطبية، واعربت الأمم المتحدة عن حاجاتها فى العام الماضى الى حوالى ٣،٤ مليار دولار، لسد احتياجات منظماتها العاملة فى اليمن،  ولم تستطع توفير سوى النصف من الدول المانحة، كما تسبب الصراع الداخلي، عن وجود اكثر من ثلاثة مليون ونصف نازح يمني، كما تصل فاتورة اعادة الإعمار فى اليمن تصل الى ٩٠ مليار دولار كل تلك الأرقام، لم تستدعى من أطراف الصراع الداخلى، لحظة للتفكر أو التدبر فى إنهائه، وحتى فى حالة الوصول الى حل سياسى، وهو أمر صعب نظرًا للتدخلات الإقليمية، ويبقى السؤال من الذى يستطيع توفير تمويل كل تلك المليارات، لإعادة إعمار الدول العربية فى ليبيا والعراق وسوريا واليمن . 


أطماع جديدة 


وهناك عامل مضاف وراء حالة عدم الاستقرار فى المنطقة،  وقد يكون مرتبطا بظهور مشاريع سياسية لدول الجوار الجغرافى، خاصة إيران وتركيا وإثيوبيا، ناهيك عن إسرائيل، والأخيرة مشروعها قديم منذ الأربعينيات، والبقية ظهرت مؤخرا، فعوامل التخريب الإيرانى والتدخل فى الشأن العربي، بدأ مبكرا من خلال حزب الله ،والتى اقتات على المواجهة مع اسرائيل ، ونجاحه فى اخراجها من الجنوب اللبنانى ،الى العمل السياسى وتحول الى دولة داخل الدولة، أو فوقها، وتضخم المشروع الإيرانى ،باسقاط نظام صدام حسين فى ابريل ٢٠٠٣، ومنها ومن خلال استثمار حالة عدم الاستقرار فى المنطقة، الى النفاذ الى دول أخرى، بعد استخدام طهران لذراعها الأكبر لها فى المنطقة حزب الله، الذى خرج من النطاق اللبنانى الى ممارسة تنفيذ مشروعها فى العديد من الدول العربية، ليتم استنساخ النموذج فى اليمن، عن طريق (جماعة أنصار الله) من الحوثيين  لاحظ التطابق فى اسماء التنظيمات ،والتى انقلبت على الدولة فى سبتمبر ٢٠١٤ ومنها الى سوريا التى ساهم عناصرها فى بقاء النظام هناك وهو فى انتظار الثمن، كما هناك حزب الله العراقى، الأكثر التزامًا بالمشروع الإيرانى فى العراق.


المشروع التركى لا يقل خطورة ،حيث بدأ منذ بداية هذا القرن بسياسة (صفر مشاكل)، والذى تحول مع المتغيرات الداخلية فى دول الجوار، الى العبث بمقدرات  العراق ،والتدخل العسكرى فى شماله، تحت حجة مطاردة الأكراد، وإقامة منطقة نفوذ فى سوريا، ناهيك عن دور جديد عبر ميلشيات سورية وقوات حكومية فى ليبيا، هناك مراوحة فى اخراجها من هناك، لتسهيل عملية الانتخابات فى ديسمبر القادم، رغم كل المطالبات الدولية، ناهيك عن وجود تركى ملحوظ  فى دول عربية أخرى كالصومال، (وسودان البشير) وقطر،  ولعل التعنت الإثيوبى فى قضية سد النهضة، هو جزء من تداعيات حالة عدم الاستقرار التى شهدتها مصر بعد يناير ٢٠١١ ، والتى بدأت العمل فى تنفيذه منذ ذلك التاريخ، رغم المقاربة التى تطرحها مصر، وهى التأكيد على تنمية إثيوبيا، وعدم المس بالحقوق التاريخية لمصر فى المياه . 


قد تكون تلك المرحلة هى الاصعب فى تاريخ المنطقة العربية، ولكنها تحتاج الى سرعة الخروج منها ،بحثا عن الاستقرار والتنمية، وازدهار الشعوب، مثلما مثل كل شعوب العالم.