لماذا اختفت القبلات على الشاشة؟

السينما الرومانسية.. ذهبت مع الريح

السينما الرومانسية
السينما الرومانسية

خالد محمود

مع تغير الزمن وتسارع الأحداث، لم تجد السينما الرومانسية طريقها للشاشات، التى حلت مكانها أفلام الكوميديا والأكشن، حتى بات تقديم فيلم رومانسي في هذا التوقيت مغامرة لأبطاله.. فكانت هذه الأفلام هى السائدة فى الخمسينيات والستينيات تربى عليها جيل كامل تعلمها منها الحب والرومانسية.. نتساءل في هذا الملف عن أسباب اندثار السينما الرومانسية؟

أعترف أننى اشتقت كثيرًا لمشاهدة القبلة على شاشة السينما المصرية، بل وأفتقد لأجوائها ومعانيها الرومانسية الشفافة التى تنفذ إلى القلب وتدغدغ المشاعر وتبث فينا حياة.

نعم، كانت السينما المصرية فى عهود سابقة تغوص فى رومانسية واقعية كانت أم خيالية لكنها صادقة ، وكانت قبلات أبطال حكايتها جزء لا يتجزأ من مسارها وطقوسها التى تناسب جمهورها وعاش فيها وبها، اليوم طمست السينما المصرية قبلاتها، انطفأ نور رومانسيتها، باتت تبث لجمهورها شحنات من الأكشن والكوميديا، معتقدة أنه بات مجرد عقل بلا قلب، قصص الحب بها مفتعلة بلا ضمير ينبض، اختلف مفهوم الحب بها، وبنت سور وحاجز بين المحبين، كلمة بحبك سارت بلا همس ولا مسكة ولا قبلة تعكس حالة غرام وأحاسيس ومشاعر اشتقنا إليها.. باتت عواطفها باردة.

طوال الوقت أتساءل لماذا تبددت أحاسيس كثيرة فى حياتنا، وأصبح للحب منظور آخر، ما الذى حدث، منذ أن طلب منى صديقى محمد عدوى رئيس التحرير الكتابة فى ملف عن الرومانسية فى السينما، وأنا أفكر بحق وأتذكر كم كانت للسينما الرومانسية، والتى تعد القبلة أحد أدواتها، رافد كبير لتغذية المشاعر عند أجيال وأجيال.

وسألت كثيرات ممن حولى من ناقدات كبار، لماذا اختفت القبلة من المشهد السينمائى، وكانت الإجابة فى معظمها مجرد ابتسامة دون كلمات أو ردود، وكأنى أصبحت أسأل فى “المنطقة الحرام” .. تصوروا هؤلاء الذين قضوا نصف عمرهم أمام الشاشات يشاهدون آلاف القبلات وتفاعلوا معها، وكتبوا عن قصصها الدافئة، اليوم يجيبون على السؤال بنوع من الخجل، ياله من عصر، ويالها من سينما، وهنا أقصد أفلامنا المصرية التى تخفت تحت برقع الحياء رافعة ما يسمى بـ شعار “سينما نظيفة”.

كانت القبلة حاضرة ومنذ بدايات السينما في العالم العربي وبالتحديد في مصر، تقريبا فى معظم الأفلام، اليوم تتعرض للحذف في الكثير من التلفزيونات والشاشات العربية، بحجة أنها قبلات  عميقة.

كانت الأفلام التي أنتجت في سنوات السبعينيات، تعج بمشاهد القُبل، حتى أن الكثير من الأفلام التجارية في تلك الفترة كانت تحتوي على مشاهد محشورة وغير مبررة للاثارة أحيانا. غير أن الأمر انقلب إلى ضده في السنوات الأخيرة ، مع ظهور جيل جديد من الممثلات والممثلين الذين رفعوا شعار “السينما النظيفة” وهي السينما الخالية من القبلات بحجة الحفاظ على الجمهور العائلى، وأحيانا برغبة خالصة من الأبطال أنفسهم.

ورغم أن الرقابة في الكثير من دول العالم العربي تسمح بالقبلة في السينما، إلا أن الشاشات والتليفزيونات العربية تمارس رقابة على مشاهد القبل، بما فيها صناع العمل أنفسهم، رغم أن هذه أمور تشكل جانبا من الواقع وهو جانب أساسي في العلاقات بين الجنسين، حيث لا ينبغي أن نترك هذا المجال فارغا، لأن الشباب بحاجة إلى تربية عاطفية.

ينبغي أن تساهم الشاشات في جعل القبلة شيئا طبيعيا ومرغوبا فيه، فهي تعبر عن حب وتقارب، وتعبر عن التوقف عن العدوانية. في السبعينيات من القرن الماضي كانت القبلة شيئا مقبولا لكن مع التراجع الحاصل الآن، هناك رفض لهذا التعبير العاطفي.

سألت طبيب عن القبلة على الشاشة ، قال: “القبلة هي أيضا طريقة نريد التعبير بها عن حبنا أو مشاعرنا الإيجابية والحسية،  تجعلنا نريد أن نكون قريبين من الشخص الذي نحب، بدافع الإحساس به، وبدافع الحنان وليس بدافع جنسي”. القبلة حاضرة أيضا في الأساطير حيث إن قبلة المرأة الجميلة كان لها مفعول السحر.

ونرى بعض الأفلام بها قبلات هل هي استثناء غير قابل للتعميم؟ هل الهدف منها مغازلة شباك التذاكر والربح التجاري؟ وماذا عن الضرورة الفنية؟.

أعتقد أن عودة القبلة الى السينما أمراً طبيعياً للغاية، خصوصاً أنها جزء من التكوين البشري على مدى العصور القديمة والحديثة، وأصحاب شعار السينما النظيفة لجأوا إليه لأغراض تجارية بحتة لا علاقة لها بالفن إطلاقاً، لذا يجب ألا نخضع لتلك الرؤى الرجعية والآراء المتشددة التي تخفى جزء من منطق الفن.

يجب ان نعود إلى السينما الطبيعية والحقيقية التي نراها في أنحاء العالم، لا بد من التعدد الفني على الأصعدة كافة، من المهم أن تتوافر الرومانسية الرقيقة، ولا مانع من الواقعية القاسية، فضلاً عن أن السيناريو هو الذي يحدد طبيعة المشاهد ويفرضها، فلا توجد سينما نظيفة وأخرى رديئة بل سيناريو متماسك وجيد يمكنه أن يصنع سينما متميزة، وآخر مفكك لا يصنع فيلماً جيداً، ومن حق السينما أن تتناول مختلف القضايا من دون التقيد بما يسمى بالسينما النظيفة.

أفلام الستينات كانت أكثر استنارة من اليوم، اذ كانت الرومانسية في قمتها كما في «أبي فوق الشجرة» بطولة عبد الحليم حافظ ونادية لطفي وميرفت أمين، «صراع في الوادي» بطولة عمر الشريف وفاتن حمامة وتلك القبلة المؤثرة التي لا ننساها، وأُعلن زواجهما بعدها، لذا لا يجب أن نتراجع عن تقديم الصورة الحقيقية للفن، فهو مرآة الواقع، ويجب أن يسمو ويرقى بالمجتمع.

أرى أن القبلات القليلة التي شاهدناها على الشاشة في الفترة الأخيرة لا تستحق الصخب. أما المشاهد الساخنة التي أثارت ضجة فربما يهدف بعضها إلى جذب قطاع عريض من الجمهور، وربما تكون مبررة دراميا وتهدف إلى علاج المشاكل الاجتماعية أو تسعى الى تسليط الأضواء عليها لحلها، لذا يجب أن نتجاوز النظرة الضيقة في التعامل مع السينما والفن.

أتذكر أن الناقد السينمائي الراحل أحمد رأفت بهجت قال: «العرض السينمائي يجب أن يسمو بالإنسان ويقدم الواقع بذوق فني رفيع، والتعامل مع عناصر الحب على الشاشة أمر حتمي وضروري، خصوصاً إذا وظفت دراميا برؤية فنان وليس برؤية تجارية، أما إذا كان تقديمها لاثارة الغرائز، فذلك يدخل في إطار الالتفاف على الواقع بسلبياته لتعميقها. السينما النظيفة هي التي تعبر عن الواقع برؤية فنية، من هنا يمكنها أن تقدم القبح، لكن لا يجب أن تجعلني استسيغه، لكن للأسف هذا ما يحدث اليوم في السينما التي باتت تشرع لكل ما هو سوقي بحجة أنه الواقع، ناهيك عن غياب مفردات الحب والرومانسية إلى حد كبير».

قطعا هناك افلام ستمحى من الذاكرة وهى التجارية التى تطال غرائز الجمهور وتبقى تلك التي تحمل مضموناً حقيقياً ولغة سينمائية راقية ، انما لا يوجد في العالم ما يسمى «السينما النظيفة»، وأرى أنه تعبير عن نفاق اجتماعي لمغازلة تيار محدد.

بعض النجمات والنجوم يقولون الجمهور مبقاش رومانسى، وإيقاع الحياة أصبح سريعًا جدًا، والكل يلهث وراء مطالبه وهذا الأمر خلق جفاء المشاعر، وكلمة «بحبك» فقدت معناها، وقيمتها، واختفاء القبلات نتيجة حتمية، وأقول هذا أمر مغلوط فالقبلات فى السينما ليست عيبًا، والسينما المصرية طوال تاريخها تقدم المشاهد الساخنة والجريئة، ولا عيب ما دامت توظف فى الفيلم بأسلوب جيد وصحيح، وتوضع فى مكانها الطبيعي، بحيث لو حذفت تؤثر تأثيرًا كبيرًا فى العمل السينمائي، فالسينما يجب أن تدخل خيال المشاهد، وهذه سمة جيدة وضرورية، والرومانسية شيء ضرورى فى السينما، لأن كل الأفلام يجب أن تحتوى على الرومانسية، حتى لو كانت تتحدث عن قضايا سياسية معاصرة.

حينما نضع تحفظات فى الفن نُجرده من معناه الحقيقي، ألا وهو المتعة، الفن لا يُعلم الغرائز، لكنه يُعلمنا المشاعر والرومانسية وهناك فرق بين الجرأة والابتذال، الجمهور عندما يشاهد قصة حب على الشاشة، إما أن يصدقها أو لا يصدقها، فالغرض ليس تقديم قبلات، لكن لابد من التعبير عن حالة الرومانسية بين البطل والبطلة وصدق المشاعر أهم شيء مثلا فيلم «يوم من عمرى» شاهدنا قصة الحب من خلال أغنيات عبد الحليم والحوار المكتوب ولم يقم على القبلات فى الأساس،

نحن لا ننكر ان جزء من اختفاء مشاهد القبلات من ابتكار النجمات الجدد والمخرجين الذين يضعون شروطًا على تجسيد علاقات الحب على الشاشة .. وهى نظرة دون شك خاسرة.