ابدأ بنفسك

الكاتبة الصحفية نسرين موافي
الكاتبة الصحفية نسرين موافي

جملة من كلمتين فقط ، على بساطتها  تحمل الكثير من الحلول للكثير جدا من المشكلات ، تحمل مسئولية كبيرة يجهلها الكثيرون ، و تُحملنا بجدول أعمال شاق نبدأ فيه مع أنفسنا أولا   ، تكسر شماعة الانتقاد التي يعلق عليها الجميع أخطاء يراها و ينتقدها و لا يفعل شيئا لتغيير ما يراه .. فقط ينتقد ،  جملة تحولنا جميعاً من منتقدين ثرثارين إلى فاعلين ، من السلبية للإيجابية .

فلنعترف ، نحن شعب يهوى بل و يجيد التنظير و الانتقاد ،  صفة سائدة في مجتمعنا الذي يحمل الكثير من الهموم و أمامه الكثير من التحديات في أحد أصعب الأوقات التي يمر بها الوطن ، وقت بناء للدولة و تعديل مسارات كل هيئاتها و مؤسساتها و الذي لابد أن يقابله بناء للفرد و تعديل مسار للمجتمع بأسره .
و أقل ما يُقدم في هذا الوقت ..أن نبدأ بأنفسنا ، نخلع رداء الفوقية و انتظار الحلول من الغير و نبدأ بانفسنا .

نصطدم يومياً بسلوكيات بسيطة أو هكذا تم تصنيفها بالرغم من تراكمية تأثيرها ، سلوكيات قبيحة حولنا حتى من أقرب المقربين لنا … هذا يرمي القمامة في الشارع من نافذة سيارته الفارهة ، و هذا لا يتبع الحارة المرورية و يربك المارة ، هؤلاء يدمرون ممتلكات عامة ، و آخرون يكتبون و يشوهون وجه مدننا ، و آخرون يشوهون منظر المباني و الطرز المعمارية للحي ، و مسئولين ينفذون مجازر في حق كل ما هو أخضر و كأن الأشجار عدو قديم …. الخ

كلها أفعال تدل على الأنانية ، الفردية الشديدة ، قصر النظر ، عدم الفهم للمسئولية المجتمعيه ، قلة الوعي و بالتأكيد غياب كبير لدور القانون و تطبيقه .

من منا لا يغضب من هذه الأفعال ! ، و من منا لا ينتقد سلوكيات خاطئة لغيره ، من منا لا تستفزه كل الأخطاء و التجاوزات حولنا ، و من منا لم يعطِ دروسًا في كيفية الإصلاح من وجهة نظره ، بل من منا لم يرَ  أن طريقته في الإصلاح هي الطريقة المثلى و دونها باطل لا أساس له ، كلنا فعلناها بطريقة أو بأخري ففي النهاية نحن بشر 
حتى أبسط السلوكيات ينتقدها الجميع و لا يتبع القانون الا القليلين ، و ننتقد حتي القانون إذا ما صدف و طُبق بحزم و قوة ، و كأننا نهوي الفوضي لننتقدها و نُفعل خاصية التنظير لدينا ، فنحن نمتلك قائمة من ( المفروض أن … ) 
و لا نمتلك جملة ( سأفعل كذا ..)

هل نظر احدنا الي نفسه ، بحث بداخله و هو يخطب في المخطئين من فوق المنبر و حاسب نفسه اولاً !
كيف تنتقد اشياء و تفعلها و اذا ما تمت مواجهتك بجرمك تتحجج بأن الجميع يفعل ؟! 
المنطقي أن تفعل أنت الصواب ، ما تراه مفيد لك و لمجتمعك ، و أن تتبع القانون و إن لم يكن هناك من يراك ، لأن بالنهاية أنت ستُحاسب وحدك علي افعالك أنت ، و ليس علي ما يفعله الآخرون .

كثير من هذه السلوكيات و الأخطاء تحتاج لهذه الجملة ( ابدأ بنفسك ) و القليل من الوقت لتتغير ، تحتاج أن تكون أنت الفاعل فيها … فقط ابدأ بنفسك لا تفعل ما تراه خطأ فقط لأن هذا الطريق الأسهل ، لا تعطي رشوة و ان كانت مبلغ زهيد لتأخذ به حق غيرك و لو كان هذا الحق مجرد تجاوز دور في طابور طويل … فِعلة في نظرك بسيطة و تري أنك تأخذ حقك بمالك فأين الضرر؟! 
الضرر يطال هنا الكثيرون ، من اعطيته المال سيعتاده و يصبح حق له لا يُنفذ عمله الا بأخذه ، من أخذت حقهم سيفعلون مثلك و يشترون حقهم بالمال ، و الأكثر إذاءاً هو الاطفال ، اطفالك الذين يعتبرونك قدوة و يسيرون علي دربك للنهاية لندخل في دائرة مفرغة لا تنتهي و الفعل في الاصل بسيط لا يري أحد ضير من فعله لكنه نواه لفساد تستطيع أنت أن تمنع جزء منه و لن يضرك ما يفعله الاخرون ما دمت تفعل ، و انت تعي و تعلم أنك تغير. 

تريد أن يتفشي الصدق ، الحب ، البسمة ، الشرف ، أي سلوك أو أي فضيلة  تتمناهم  !؟ 
الإجابة بسيطة .. ابدأ بنفسك 
اصدق أنت مع نفسك و مع الآخرين أولا ، تحلي بالفضيلة و جاهد للتمسك بها - و هو ليس بالشئ السهل - و سيتبعك آخرون ستؤثر فيهم بالتاكيد ، علي اقل تقدير سيتبعك اطفالك دون أن تشعر ،قاوم كل ما يغضبك بايجابية و ليس فقط بكلمات الإنتقاد و الرثاء علي حال مؤسف و سلوكيات ضارة. 
كن انت التغيير الذي تريده فيمن حولك . ابدأ بنفسك فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، لا ترسم خطوطآ للآخرين ثم تكن أنت أول من يتجاوزها .
 لا تحدث الناس عن الغيبة وأنت أول من يأكل لحمهم ميتا.
ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن بقي شيء من صدقة فللآخرين ، وتذكر أن السر خلف انتظام الصفوف في الصلاة بسرعة ودون فوضى أن كل منا يبدأ بنفسه حينها .

ابدأ بنفسك في كل شئ … كل ما تنتقده كل ما يغضبك كل ما يثير أعصابك و يستفزك ابدأ بنفسك و غيره بداخلك أولا ثم فيما حولك ثانياً .. حينها ستشعر أنك اديت واجبك ، و تستطيع أن تطلب حقك بكل قوة و حزم فأنت أديت واجبك علي أكمل وجه .

جملة إن نُفذت علي نطاق واسع سيتغير أكثر السلبيات المرهقة في تعاملاتنا اليومية بدون أي مجهود إضافي من الدولة التي منوط بها أن تُكمل المنظومة بتطبيق كامل يُعطي الملتزم حقه بمعاقبة المُتجاوز .
كم أتمني أن أري هذه الجملة تتحول من كلمات لأفعال و .. لأبدأ بنفسي .