مفاوضات مالي مع الجماعات الجهادية بين النفي والتأكيد

قوات تابعة للأمم المتحدة تقوم بمهام دورية فى مالى لمواجهة الجماعات المتشددة
قوات تابعة للأمم المتحدة تقوم بمهام دورية فى مالى لمواجهة الجماعات المتشددة

في محاولة لإنهاء صراع مستمر منذ نحو عشر سنوات تدخلت بسببه عديد من الدول فى شئون البلاد، أعلنت الحكومة المالية، الأسبوع الماضي، أنها طلبت من الهيئة الإسلامية الرئيسة فى البلاد إجراء محادثات سلام مع زعماء الفرع المحلى لتنظيم «القاعدة»، وكشفت علنا عن موضوع بقى حتى الآن سريا نسبيا، فى توقيت حساس فى العلاقات مع فرنسا
ورغم إعلان وزارة الشئون الإسلامية تفويضها التفاوض، نفت حكومة مالى الخميس تكليف أى شخص التفاوض مع جهاديين معيّنين وجاء فى بيان نشر على مواقع التواصل الاجتماعى أن «الحكومة تبلغ الرأى العام الوطنى والدولى بأنه حتى الآن لم يتم تفويض أى منظمة وطنية أو دولية رسمياً للقيام بهذا الأمر».

وكانت السلطات المالية قد أيدت فى السابق فكرة المحادثات حيث دعمت مبادرات السلام المحلية مع المتشددين بعد تدهور الوضع الأمنى وتوسع نشاط الجماعات الإسلامية ورغم نفى الحكومة يرى بعض المراقبين

أن هذه الخطوة قد تكون فرصة لجماعة نصرة الإسلام للانفصال عن القاعدة ونبذ الإرهاب رغم تشدد قادتها.

وتعارض فرنسا، الحليف العسكرى الرئيسى لمالي، بشدة هذا النهج، حيث قال رئيسها إيمانويل ماكرون فى يونيو الماضي، إن القوات الفرنسية لن تجرى عمليات مشتركة مع دول تتفاوض مع متشددين، كما أعلن أن فرنسا ستبدأ فى سحب بعثتها المؤلفة من ٥ آلاف جندى فى منطقة الساحل، مما دفع مالى إلى اتهام فرنسا بالتخلى عنها وطرح فكرة استخدام المرتزقة الروس.

وبرزت فكرة فتح الحوار مع جماعات جهادية باستثناء الفرع الإفريقى لتنظيم الدولة الإسلامية منذ العام الماضى وأيدتها الأمم المتحدة بتحفظ.. وقال خليل كامارا، المتحدث باسم وزارة الشئون الإسلامية إن الوزير طلب من المجلس الإسلامى الأعلى التفاوض مع كل الجماعات المتطرفة فى مالى، وحتى الآن لم يتم تحديد أسس هذه المناقشات والخطوط الحمراء المحتملة فى هذه المرحلة. لكن للجنة المفاوضات مهمة أوسع بكثير، وهى إيجاد حل وسط بين الماليين، بحيث تتوقف الحرب فى جميع أنحاء البلاد.

معروف أن مالى تعيش صراعاً مسلحاً بين شمال وجنوب البلاد، وهو الصراع الذى نتج عنه تمكن الحركة الوطنية لتحرير «أزواد 2012»- وهى حركة إثنية تطالب بالاستقلال-من إعلان استقلال منطقة «أزواد» عن مالي، بسبب الدعم الذى تلقاه من قبل جماعات متطرفة، أهمها تنظيم نصرة الإسلام الذى تأسس عام 2017، ويضم 4 تنظيمات هى «جماعة أنصار الدين»، و«كتيبة المرابطون»، و«إمارة منطقة الصحراء الكبرى»، و«كتائب تحرير ماسينا». ويقود التنظيم إياد آغ غالي، وهو أحد قادة الطوارق فى مالي، الذين أعلنوا التمرد العسكرى على الحكومة فى تسعينيات القرن الماضى بقيادة الحركة الشعبية «لتحرير الأزواد».

ولعل أهم أسباب فاعلية هذه التنظيمات طبيعة الخبرة العسكرية التى تمتلكها، والناتجة عن انضمام عناصر من الجيش المالى، والذى شكل عاملاً كبيراً فى قدرة الإرهابيين على اختراق الحدود خصوصاً من جهة النيجر، وبطبيعة الحال يلعب العامل الدولى دوراً مؤثراً فى مالى على نحو سلبي، حيث انسحبت فرنسا من مالي، بعد أن مارست تدخلاً عسكرياً امتد لسبع سنوات وتسبب التدخل العسكرى المباشر من فرنسا فى زيادة التعاطف مع التنظيمات الإرهابية على اعتبار أنها مقاومة ضد الغازى الأجنبي. كما أن المقاربة التى اعتمدتها فرنسا، أسهمت فى أن تكون سبباً فى زيادة قدرات  التنظيمات إذ اعتمدت هذه الأطراف الدولية على المقاربة الأمنية فقط، من دون أن تتوازى مع مقاربات تنموية، تحاول ألمانيا حالياً أن تكون الرائدة فيها.