تحقيق: حمـــادة إمـــــام
فى عام 1940 أعلن القيادى الإخوانى محمد خميس انشقاقه عن جماعة الاخوان المسلمين وفضح مؤسسها حسن البنا بعد تلقيه تبرعًا من شركة قناة السويس، التى كانت وقتها تحت هيمنة الاحتلال البريطانى، ورفضه تكوين هيئة لمراقبة المال والمحافظة عليه تكون مسئولة أمام التنظيم عن أوجه ومصادر التمويل والصرف.
وبعد مرور 81 عاما على أول انشقاق بصفوف الجماعة تكرر المشهد فى أكتوبر 2021
مرة أخرى وبسبب المال ولكن على خلاف المرات السابقة فقد كان على أراض غير مصرية وامتدت مساحته لتشمل عدة دول هذه المرة كان على يد ابراهيم منير نائب المرشد والذى قرر اقصاء أعضاء مكتب شورى الجماعة ومحمود حسين الأمين العام بعد أن علم بنيتهم الاستقلال بأصول الجماعة وأموالها وأنشطتها الاستثمارية وممتلكاتها فى تركيا وعدد من الدول، الأمر الذى شق صفوف الجماعة لفريقين وسيطرة كل جبهة من الجبهتين المتصارعتين على ما يقع تحت أيديها من أموال وأصول ومكاتب وممتلكات ومن يخضع لسلطتها من عناصر الجماعة.
وما بين عامى 1940و2021شهدت الجماعة عدة انشقاقات كلها بسبب التمويل ومن يمكن شفرة الامبراطورية الاقتصادية للجماعة والتى تعادل ميزانيها مينزانية عدة دول مخفية داخل مشاريع وشركات متعددة الجنسيات وفى بنوك بأرقام سرية وفى كل مرة كان الفائز فى الصراع هو من يمكن شفرة الامبراطورية المالية للجماعة !!
فى عام 1947، شهدت الجماعة انشقاق أحمد السكرى وكيل مؤسس جماعة الإخوان، ومؤسس جمعية «الإخوان المجاهدون الأحرار» بعد شنه هجومًا حادًا على البنا فى عدد من المقالات، واتهامه بالتواصل ببعض الشخصيات الأجنبية، فقررت الهيئة التأسيسية للجماعة إعفاءه من منصبه وعضويته بالجماعة بعد مطالبته تكوين هيئة لمراقبة المال والمحافظة عليه تكون مسئولة أمام التنظيم عن أوجه ومصادر التمويل والصرف.
إلا أن حسن البنا ظل طوال حياته يحتفظ لنفسه بالسيطرة على النواحى المالية.
وعندما اشتدت الاتهامات حوله كان رده:
ما زالت موارد الإخوان وتنظيمهم المالى ومصادر الإخوان ومصادر نفقاتهم لغزًا كبيرًا أمام كثير من الذين لم يتصلوا بهم ولم يحاولوا أن يتعرفوا الأمور على وجهها وكثير من الناس حين يرى هذا النشاط الدائب والعمل المتواصل والمشروعات الكثيرة والمطبوعات المتوالية والحفلات الضخمة والاجتماعات الحاشدة يسأل نفسه.. من أين للإخوان بكل هذا؟! وكيف يحصلون على المال ومن أى جهة يجلبونه وهم قوم معظمهم إنما يجد ما يكفيه فقط وليس فيهم كثير من الأغنياء أو الأثرياء؟!وخصوصًا إذا كان هذا المتسائل من رجال الأحزاب أو الجماعات التى تنفق الكثير فى مثل هذا النشاط ولا تجد القليل من البذل من الأعضاء والأنصار وقد يذهب الكثير من هؤلاء المتسائلين فى الظن إلى درجة الاتهام الباطل فيقول يأخذون من الدول الفلانية أو الهيئة العلانية أو تنفق عليهم هذه الجهة العالية أو تلك الناحية الخفية وكل ذلك وهم باطل وظن فاسد واتهام جريء وقول مفترى لن يقوم عليه دليل ولا شبه دليل.
وبين رفض حسن البنا للإعلان عن مصادر التمويل إحكام قبضته عليها وانشقاق العديد من القيادات الإخوانية كانت بعض الأنظمة تشهد الطفرة البترولية وكانت تموله وتستخدمه فى الترويج لها بمباركة انجليزية حتى قامت ثورة يوليو ودخلت الجماعة فى صدام مع الثورة واضطرت قياداتها للهروب خارج مصر وسجن منهم من سجن حيث دخلت الجماعة فى الداخل فى مرحلة كمون منتظرة المناخ المساعد الذى يعيد لها الحياة ويمد لها الطاقة وقد كان لها ما كانت تنظره بعد رحيل جمال عبد الناصر.
عام 1973قرر السادات الاستعانة بالإخوان فى احتواء النفوذ الناصرى فى الشارع المصرى
وأصدار قرار بالافراج عن الاخوان المسلمين وسمح لهم بالعمل فى الشارع والجامعات والنقابات المهنية وكان من بين المفرج عنهم عضو التنظيم الخاص مصطفى مشهور
والذى يمكن أن ينسب إليه دور اللاعب الرئيسى فى خروج الجماعة من الاقليمية للعالمية بعد أن أسس ما يعرف بالتنظيم الدولى للجماعة فعقب خروجه من السجن مع بقية قيادات الجماعة
بدأ مصطفى مشهور على الفور تجميع خيوط كل التنظيمات الإخوانية المنتشرة فى الأقطار المختلفة خاصة العربية منها والتى كانت فى تصاعد وتنامٍ سريع بفعل انتشار المد الإسلامى فى المنطقة كلها، وكانت مواسم الحج أفضل طريقة للقاء قيادات هذه التنظيمات التى أغراها الزخم الإسلامى المتصاعد وأجواء الانفتاح الغربى على الإسلام والتسهيلات التى كانت تلقاها قيادات الإسلام السياسى المطاردة فى أوروبا والرغبة فى حشد موارد الجماعة وتعبئتها؛ كل ذلك أغراها بتعجيل إعلان أول تنظيم دولى رسمى فى تاريخ الجماعة، لم تقتصر عضويته على تنظيمات الإخوان المعتمدة فحسب بل وضم إليه تنظيمات إسلامية أخرى مستقلة عن الإخوان لكنها قريبة منها مثل الجماعة الإسلامية فى باكستان التى أسسها المودودي، والحزب الإسلامى فى ماليزيا والرفاه فى تركيا.
تم اعتماد اللائحة المؤقتة للتنظيم عام 1978، وبناءً على هذه اللائحة انعقد مجلس الشورى العالمى يوم 29 يوليو 1982، حيث أقر على النظام العام للجماعة والتى تمثل اللائحة الرسمية للتنظيم العالمي، وتكتسب صفة الإلزامية لجميع الأقطار.
سبتمبر 1981وقبل أيام من قرارات 5سبتمبر الشهيرة التى اعتقل بموجبها الرئيس المصرى الراحل أنور السادات مئات المعارضين من مختلف القوى والتيارات السياسية فى مصر كان مصطفى مشهور يستقل أول طائرة متجهة إلى الكويت لينجو بنفسه من حملات الاعتقال التى طالت أكثر من ألف وخمسمائة قيادة سياسية معارضة وظل القطب الإخوانى الكبير الذى عرف بقدراته التنظيمية غير العادية متنقلا بين الكويت وألمانيا طوال خمس سنوات استطاع خلالها تأسيس أول تنظيم دولى حقيقى لجماعة الإخوان المسلمين.
فى 22مايو 1986 كان أتم بناء التنظيم العالمى للإخوان كاملا وأحكم عليه قبضته الحديدية.
وبعد مرور ما يزيد على عشر سنوات من إقرار النظام العام للجماعة، قامت الجماعة بإجراء دراسة تقويمية لنشاطاتها والأسس التنظيمية لها، خاصة ما يتعلق بالنظام العام الذى يحكم وينظم حركتها، ورغم إجماع الأعضاء على الأهداف والوسائل التى تتضمنها اللائحة العالمية للجماعة إلا أن هناك بعض الآراء التى طالبت بإجراء بعض التعديلات على تلك اللائحة، لتشمل؛ مدة ولاية المرشد العام، وتعديل نسب ممثلى الأقطار فى مجلس الشورى، حسب تغير أحوال بعض الأقطار، والتوسع فى تفصيل حقوق الأفراد تجاه الجماعة وتجاه إخوانهم، وإعادة صياغة المادة الخاصة بالبيعة، وضبط عضوية الأقطار فى التنظيم العالمى لتصبح موازية لضبط عضوية الفرد فى القطر.
وفى 28 مارس 1994، أقره مجلس الشورى العالمى وأصبح النظام العام للجماعة، يضم 54 مادة، مقسمة على ستة أبواب، يضم الباب الأول اسم الجماعة ومقرها « تعد القاهرة المقر الرئيسى للإخوان».
بعد ثورات الربيع العربى،سارع التنظيم العالمى للإخوان وكتب وثيقة لكيفية تفعيل أداء وعمل الجماعة العالمية.
وتتلخص فكرة الوثيقة فى بذل الجهد نحو تفعيل التعاون بين الأجهزة المركزية وأجهزة الجماعة العالمية على مستوى المناطق والمكاتب الجغرافية وتكوين مجموعات إقليمية للاهتمام بالشأن العام وعمل الدعوة على المستوى العام وأن تكون أذرعاً لأجهزة الجماعة ودخل التنظيم بعد ذلك مرحلة التأصيل الشرعى .
أولا :الأسس الشرعية:
«إن وجود التنظيم العالمى ضرورة شرعية وحركية، فالعالم الآن يدار عن طريق مشاريع سمتها الأساس هى البعد العالمى وليس من المعقول ولا من المقبول شرعاً وعقلاً أن تترك المشاريع الإسلامية لتدار بأساليب إقليمية فهى إن توفرت لها عناصر النجاح على هذه المستويات فستكون أشبه بمجموعة من الجزر لا تربط بينها روابط وسرعان ما تكتسحها التيارات العاتية التى تتسع حركتها وتتضافر عوامل النجاح لها، بتضافر عوامل القوة العالمية لها تخطيطاً وتنفيذا............ً».
فالجماعة بحاجة لوجود تنظيم عالمي، ومنها: أنه تعبير جلى وواضح عن الاستجابة لأمر الله تعالى بأن «هذه أمتكم أمة واحدة»،
ثانيا: أهداف التنظيم :
«الوحدة الفكرية للجماعة، ووحدة المواقف فى القضايا المصيرية، والدعم والتأييد للقضايا الإسلامية العامة التى لها ارتباط بالجماعة أو أحد الأقطار المرتبطة بها، والمساهمة فى حل الإشكالات التى تنشأ بين الأقطار المختلفة، وتنسيق المواقف من القضايا الإسلامية المهمة مع الجماعات الإسلامية الأخرى، والمساهمة فى توفير وسائل الدعم المختلفة للأقطار المحتاجة لدعم، والتعاون والتنسيق لتحقيق الاستراتيجية والخطة العامة، والإشراف العام على أعمال الجماعة وأعمال الأقطار المختلفة.
ثالثا: تفعيل أداء عمل الجماعة العالمية
حتى تتهيأ الظروف وتتوفر المتطلبات لتحقيق الهيكلية المكافئة للتعامل مع هذه المتغيرات، فإن إحياء وتفعيل آلية الإشراف الجغرافى لمكتب الإرشاد العام عبر أعضائه يصبح ضرورة ملحة ويتطلب تأصيلاً وتحديداً أدق من خلال.
تفعيل آلية الإشراف، واهتمام المكتب العام بقضايا تحقيق القيادة الجمعية لنظام الجماعة الإقليمية، وتركيز المكتب العام على المهام الكلية من خلال منهجية الأداء عبر آلية ملفات القضايا «الفكرية والتربوية والسياسية والتخطيط والتنسيق والعلاقات»، وزيادة مدة اجتماعات مكتب الإرشاد ومجلس الشورى بشكل مناسب يكفى لمتابعة تقارير القطاعات والأقطار والأجهزة، واستحداث 3 مؤسسات عالمية على قدر عال من الحرفية فى مجالات البحوث والدراسات والإعلام وحقوق الإنسان على أن تكفل لها وسائل النجاح والتكامل والتشبيك مع نظرائها، واستحداث برنامج إلكترونى وقاعدة بيانات فى جميع المجالات والعمل على توثيقها وتأمينها وإمداد الجميع بها، وتشمل: الكتب والدراسات والبحوث والمؤسسات المتخصصة والرموز والعلماء ووسائل الإعلام والبريد الإلكترونى والخبراء والمتخصصين مقسمين حسب المجال. وتكشف الوثيقة عن «هيكلية آلية لعمل الإشراف»، فتقسم ساحة العمل (الدول) إلى مناطق أو قطاعات جغرافية كالتالي: منطقة الغرب، ومكتب أفريقيا ومنطقة اليمن والخليج ويضم إليها إيران وأفغانستان والصومال، ومنطقة الشام «العراق وكردستان العراق وفلسطين وسوريا ولبنان والأردن»، منطقة مصر والسودان وليبيا، ومنطقة المغرب العربى «تونس والجزائر وموريتانيا»، ومكتب وسط آسيا، ومنطقة آسيا والباسفيك.
رابعا: تحديات على الطريق
هناك تحد يمثل قيداً، بسبب التطورات التى حدثت فى المنطقة، وهو سيطرة منطق الدولة الإقليمية ومتطلباتها ومصالحها على ساحة الفكر فى المجتمعات والأقطار، مع بروز مصلحة الطائفة والفرقة والمذهب والعرق.
والسبيل لمواجهة التحدى، هو «بروز الحاجة إلى تنوع طرق التعامل نتيجة لتعدد الأقطار وتمايز الثقافات والمشارب البيئية»، وترى أن «من الضرورى أن تبرز الحاجة إلى وجود مستويات إقليمية وسيطة تزداد مهامها التنفيذية مع اختصاصاتها الإشرافية المناسبة لمعالجة خصائص الإقليم المعنى وخصوصياته التى تفرزها بيئة العمل فى المنطقة الجغرافية».
تحديد مستهدفات عمل إقليمية تتوجه إليها جهود أقطار الإقليم، وتحديد ملامح الدور الإقليمى للمنطقة فى خدمة مشروع الجماعة وخططها العامة، وتحديد قطر أولى بالرعاية على مستوى المنطقة تعمل الجهود على دعمه ودفع العمل فيه فضلاً عن رسم مهام إقليمية له ووضع برامج لدعم قدرات تحقق البعد العالمى للدعوة وتطبيقات ذلك عملياً، وإمكانية تنفيذ مشاريع مركزية
عقب ثورة 30يونيو تعثر حلم تمدد التنظيم وبدأت تظهر أعراض أمراض النشأة عليه وعاد مسلسل الانشقاقات ليطفو على السطح مرة اخرى بسبب مفاتيح التمويل
ويعكس الذى اتخذه القائم بأعمال مرشد «الإخوان المسلمين» إبراهيم منير،فى اكتوبر 2012
حالة الأزمة التى يعيشها التنظيم، والذى يقضى بحل الهياكل التنظيمية التى استحدثتها الجماعة أخيراً لإدارة شئونها خارج مصر، وفى مقدمتها مجلس شورى الإخوان فى تركيا والمكتب الإدارى للإخوان، وكل منهما يتبع فى ولائه لأمين عام التنظيم سابقاً وعضو مكتب الإرشاد محمود حسين. يكاد الصراع الحالى فى الجماعة يتركز بين جبهتين أساسيتين، جبهة إبراهيم منير، الذى شغل منصب أمين عام التنظيم الدولي، وكان عضواً فى مكتب إرشاد الجماعة قبل أن يهرب إلى العاصمة البريطانية لندن إبان فترة الرئيس المصرى الأسبق جمال عبد الناصر، والذى كان يدير فعلياً شئون الجماعة عقب ثورة 30 »يونيو« 2013، رغم وجود نائب المرشد، محمود عزت، غير أن إلقاء السلطات المصرية القبض على الأخير، دفع إبراهيم منير إلى عزل محمود حسين وإلغاء منصبه حتى ينفرد بالقرار، خاصة أن الأخير كانت له أطماعه فى أن يحل محل عزت الذى كان يشغل منصب أمين عام التنظيم، وهو كان فى آخر تشكيل لمكتب الإرشاد تولى المنصب نفسه أمين عام التنظيم، وهو ما أدركه من أنه بديل عزت بعد إلقاء القبض عليه.
محمود حسين، كان يرى أنه الأولى فى خلافة القيادة بعد سجن محمود عزت لاعتبارين، أولهما أنه أمين عام التنظيم، وكان عضواً حالياً لمكتب الإرشاد، وهو الأدرى بما يمكن أن تأخذه الجماعة من قرارات بشأن تصعيدها مع السلطات المصرية، مع الأخذ فى الاعتبار أن منصب المرشد العام شغله المصريون دون غيرهم، وبما أنه يتمتع بالجنسية المصرية ولم يحصل على غيرها كما حصل مع إبراهيم منير، كان يرى أولوية توليه المنصب من دون غيره، وطموحه فى أن يتولى أرفع منصب تنظيمى فى الجماعة.