حبر على ورق

«ريش» عمر.. و«طلقة» شريف

نوال مصطفى
نوال مصطفى

كلام غريب فعلًا لم أكن أتوقع أن يصدر عن فنان أحبه وأقدره هو شريف منير! ليست المشكلة فى موقفه من فيلم «ريش» الذى غادر قاعة عرضه بمهرجان الجونة ليثير ضجة، وحالة جدل لم تنته حتى الآن على السوشيال ميديا وبرامج التوك شو ومقالات الصحف. كما أنه ليس عيبًا أن يقول «إن الفيلم وحش ولم يعجبنى» لكن العيب كل العيب أن يخرج من الفيلم بعد دقائق من بدايته، ليعلن أنه فيلم يسيئ لمصر! هذا ما لم أفهمه، ولم أتوقعه من فنان قدير.

شيء طبيعى أن يعبر الفنان عن فكرة رئيسية اختارها لفيلمه أو عمله الفنى بالأسلوب الذى يختاره. وموضوع الفقر والعشوائيات تم تقديمه فى أفلام عالمية كثيرة، كان بعضها رائعًا، ممتعًا من الناحية الفنية، وبعضها ضعيفًا وغير جذاب بالنسبة للمشاهد. ما يعنينا هنا هو الحكم على العمل من الناحية الفنية، دون محاكمة العمل سياسيًا أو أخلاقيًا، وإلا أصبحنا نمارس رقابة فوق الرقابة، وننصب من أنفسنا محاكم تفتيش، أو نصبح ملكيين أكثر من الملك، نطالب الفن بأن يعبر عن الصورة الوردية فقط، ونشهر سيوف التخوين والعمالة فى وجه كل من تجرأ وقدم عملًا دراميًا عن الفقر.

وكأن الدنيا خلت من هؤلاء، وأصبحنا نعيش فى يوتوبيا نرفل فيها جنات النعيم والرفاهية!.
 ما هذا الكلام يا فنان؟ كيف تتبنى هذا المبدأ الخطير الذى يعلى دور الرقيب على دور الفنان، ويحاصر الإبداع والتجديد، والأساليب الفنية الجديدة سواء توافقت مع ذائقتنا الفنية أو لم تتوافق؟.

منذ بدأ هذا الجدل حول فيلم «ريش» الحاصل على جائزة النقاد فى مهرجان كان، وجوائز عالمية أخرى، انقسم الرأى بين فريقين، رأى يهاجم الفيلم بضراوة باعتباره يتجاهل ما تحقق من إنجازات فى قضية العشوائيات، ونقل الناس من تلك الأماكن غير الآدمية إلى الأسمرات وغيرها من المدن والأحياء الحضارية التى تحفظ للمواطن كرامته وإنسانيته التى كانت مهدرة فيما مضى، ورأى يرى الموضوع فى إطاره الطبيعى، وهو كونه فيلما أو فكرة تنتمى إلى الفانتازيا، على خلفية أسرة فقيرة تكافح من أجل الحياة.
 ما دخل ذلك بما تحقق من إنجازات فى قضية العشوائيات؟ وهل دور الفن هو رصد الإنجازات ونقل ما يحدث على الأرض إلى المشاهد، وإذا كان هذا هو دور الفن والدراما التى المفترض أن تقوم على فكرة واقعية أو خيالية، وتقديمها ممزوجة بخيال ورؤية الكاتب والمخرج، فما هو إذن دور الإعلام والصحافة؟.

لاحظت قلقًا شديدًا من عدد من الفنانين جراء تلك التصريحات الغريبة، قرأت للمخرجة القديرة كاملة أبو ذكرى بوست على صفحتها على الفيسبوك تقول فيه «تلميذى وعزيزى المخرج الشاب عمرالزهيرى. مبروك على فيلمك وأرجو من الإخوة اللى يزايدوا بوطنيتهم يرحمونا من كلمة سمعة مصر هو حد قال لحضراتكم إن مصر دى واحدة ست بتدور على عريس. كلمة سمعة مصر دى كلمة مستفزة وتقلل من قيمة مصر. عيب عليكم بقى كفاية نفاق ومزايدة إن حضرتك وطنى والمسئول عن حماية مصر. مبروك يا عمر، افرح بنجاحك وما يهمكش من شوية منافقين عايزين يتملقوا من خلال شاب صغير فى أول حياته. وصدقنى الكبار اللى بيخوفونا بيهم عندهم القدرة على معرفة المنافقين والمتملقين لأنهم كبار وفاهمين ما تخافش منهم واحلم كمان وكمان إن شاء الله المستقبل قدامك».

واتفق مع المهندس نجيب ساويرس أن كل الجدل الدائر حول الفيلم، أفاده تسويقياً أكثر مما أضر به أو بمخرجه، وأنا أيضاً أعتبره أكبر دعاية للفيلم، لم يخطط لها حتى صانعوه ولم يضعوا لها ميزانية بالملايين.