كنوز | نابليون يحتفل بالمولد النبوى تقربًا للمصريين

لوحة تجسد مشاركة نابليون والشيخ خليل البكرى فى الاحتفال بالمولد النبوى
لوحة تجسد مشاركة نابليون والشيخ خليل البكرى فى الاحتفال بالمولد النبوى

تمتع نابليون بونابرت بذكاء شديد استثمر به احتفال المصريين الشعبى والرسمى بالمولد النبوى الشريف بهدف التقرب والتودد إليهم، وكان يرى أن المشاركة الفرنسية فى الاحتفال بالمولد النبوى من شأنها أن تمتص سخط المصريين واستمالة عواطفهم عندما يشاركهم احتفالاتهم الدينية، ومع اقتراب ذكرى المولد النبوى كان يقوم بإرسال نفقات الاحتفال إلى شيخ الأشراف بحى الأزبكية مع الطبول الضخمة والقناديل التى تضيئ الشوارع كى يستميل قلوب المصريين، وكان يأمر بطباعة المنشورات التى يهنئ فيها شعب المحروسة باللغة العربية من خلال المطبعة التى أحضرها مع الحملة الفرنسية وعرفت بها مصر الطباعة لأول مرة، ودأب بونابرت على حضور مظاهر الاحتفال بالمولد النبوى فى ليلته الختامية.. ويصف لنا «عبد الرحمن الجبرتى» مؤرخ الحملة الفرنسية، كيف كان يشارك نابليون وقادة الحملة فى الاحتفال بالمولد النبوى فيقول: 


- « سأل سارى عسكر نابليون عن المولد النبوى لماذا لم يعملوه كعادتهم؟، فاعتذر الشيخ خليل البكرى بتعطيل الأعمال، وتوقف الأحوال، فلم يقبل، وقال له «لابد من ذلك»، وأعطى له مبلغا من المال معاونة منه لإقامة الاحتفال، وأمر بتعليق حبال الزينة الورقية والقناديل، واجتمع الفرنساوية يوم المولد ولعبوا فى ميادينهم، وضربوا طبولهم، وأرسل نابليون الطبل خانة الكبيرة إلى بيت الشيخ البكرى، وهى عبارة عن طبلات كبيرة، استمروا يضربونها بطول النهار والليل ببركة الأزبكية تحت داره، وآلات ومزامير مختلفة الأصوات، وعملوا مشاعل من النفط، وفى ذلك اليوم ألبس الشيخ خليل البكرى فروة، وتقلد نقابة الأشراف ونودى فى المدينة بأن كل من كان له دعوى على شريف فليرفعها إلى النقيب، وكان نابليون كثيرا ما يحضر إلى بيت البكرى بالأزبكية، يتناول فيه الطعام فى المناسبات الداعية من المواسم والأعياد، وقد حضر نابليون بونابرت الليلة الختامية للمولد فى دار السيد خليل البكرى، كما حضرها العلماء الفرنسيون أعضاء المجمع العلمى، وكبار ضباط الجيش، وجلس القائد العام أرضاً ساعات طوالاً يستمع إلى المقرئين يتلون آيات القرآن الكريم، وإلى المنشدين وهم يتلون السيرة النبوية والتواشيح الدينية». 


ويستطرد الجبرتى وصف المشهد قائلا: «وكان كبار المشايخ يجلسون أرضاً حوله، وكل منهم يمسك مسبحة فى يده، ينصت لما يتلى، وكان نابليون يهتز ذات اليمين وذات الشمال كأنه متأثر بما يقولون وأظهر صبراً لم ينفد فى شهود حفلة الذكر من بدايتها حتى نهايتها، وقد تخللتها مأدبة عشاء أقامها السيد خليل البكرى، وكان السماط الذى جلس إليه بونابرت، يتوسط الأسمطة الخمسين الأخرى، وكان بونابرت يأكل بيديه، فيمد يمينه فى تلال الأرز وأكوام اللحم وأطايب الطعام المقدم على صوان نحاسية ضخمة مستديرة، وحذا الضيوف الفرنسيون على مضض حذو بونابرت، فكانوا يأكلون بأيديهم مع المشايخ والأعيان، ويشربون الماء المعطر برائحة الورد».


من كتاب «تاريخ الجبرتى»