أمنية

بركان الكراهية

محمد سعد
محمد سعد

يتسمون بعاطفة قاسية، بل إجرام اجتماعي وربما فطرتهم ملوثة بعض الشئ، والأكيد أنهم مدججون بمشاعر الكراهية، وصفهم أعظم شعراء العرب أبو الطيّب المتنبي في أبياته، وقل للشامتين صبرا فإن نوائب الدنيا تدور إلى ديان يوم الدين ونمضي، وعند الله تجتمع الخصوم.


بعد لحظات من انتشار خبر حريق مسرح الجونة صباح الأربعاء الماضى وقبل ساعات فى حفل افتتاح النسخة الخامسة، حتى تلقفه الفريقان الاكثر انتشارا فى مصر الأول –وهم قلة- كانوا متعاطفين، والثاني –ولهم الغلبة- فقد قابلوه بسيل من السخرية معتبرين الحادث رسالة سماوية على شاكلة «الطير الأبابيل»، تعكس غضب الخالق على «فساتين الجونة».


بدا السجال محتدمًا بين الفريقين لساعات، لكن الواقع يقول إن اغلبية الشامتين في الحريق لا يكرهون الفن ولا الفنانين، ربما فقط ناقمون على شهرتهم ومعيشتهم و قصورهم .


 وسياراتهم الفارهة، و أحدث إطلالاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي والكم الهائل التي تلقاها من تفاعل، اغلب الشامتين ليسوا أعداء للفن والدليل انهم لا يقاطعون مسلسلات رمضان و متابعون جيدون لأخبار الفن، و يتابعون المشاهير داخل وخارج مصر على السوشيال ميديا.


والحقيقة الغائبة الآن أن الهوة تتسع بالبعد عن الرقى فلا نهتدى سواء السبيل، نقف فى ذات المكان فوق بركان الكراهية والبغضاء ننتظر لحظة الانفجار، لا نغير حتى نتغير، نعتنق الرذيلة، حتى صارت عادة اعتدنا وجودها في الحياة، فتوارت القيم واندثرت الأخلاق، وكأن كل شىء أصبح غريبا فى الوجود، الباطل يتدثر بثياب الحق والحقيقة عارية ينهش الجميع عرضها لا يسترها غير رب السماوات والأرض.


تنهار القيم وتتحطم الثوابت على صخور الكراهية، حتى يطفح القبيح ويسود بين الناس، تقبله عيون الناظرين وقد شُبه لهم أنه الجمال ليتعايشوا معه فبقى أمرا مألوفا يسلم بوجوده الناس، لم يقاوموا أوضاعا غير مألوفة استسلموا لها وذلك وهن المنكسرون ولن يتغيروا إلا عندما تبزغ الإرادة وتخرج للوجود.


هناك شعوب للرقى تعتنق فيكتب لها ما تريد وشعوب أخرى وأدت إرادتها تعتنق كل ضلالة وكل ضلالة فى النار، تمضى فاقدة للبصر والبصيرة خلف سراب خادع وكأنها قابضة على جسد الحقيقة، والحقيقة منها هاربة خُيّل لهم أنهم على درب اليقين، وشعوب فى يقينها إرادة فصنعت وجودها، صمتت عن الكلام المباح وغير المباح، نفضت كل غبار بأذهانها عالق، صمتت عن كل شىء إلا فى ميادين العمل، هناك تكتب صفحات الرقى، فنهضت تشيد حضارتها تمد خيوط المستقبل فلا تتوقف.


البعض يضل الطريق فلا يهتدى سواء السبيل، تسير خطواته فى الاتجاه الخطأ يهيل التراب على كل إنجاز، ويحطم الأمل البازغ في الأفق بادعاء المعرفة ويؤيد الأحلام فى المهد فبأي ذنب قتلت، يطفئون وهج العقول ويردون تغيب الواقع ويعيشون أسرى أسطورة الخيال، فهم فى انتظار فارس الأحلام، لكن الحقيقة الصماء أنه لا جائهم الفارس ولا تحققت أحلامهم المريضة.


أقول للشامتين وأعداء الخير بصفة عامة، لن نبرح حافة الخطر طالما أزعجنا الحياة بضجيج الكلام وتحدثتم بغير وعي أو فهم لحقائق الأشياء و ابتعدتم عن ميادين العمل، هجرتم العقل والمنطق وعلقتم الآمال على الأوهام طهروا انفسكم بغسل النقاء وغرس بذور الصفاء لتطرح ثمارا يانعة وتحلوا بقيم من شيم الأخيار.