سيكولوجى

أزمة منتصف التوك توك

هانى شمس
هانى شمس

حكى لى رسام الكاريكاتير الأمريكى ديفيد هورسى بعد زيارته لمصر أن أكثر مالفت انتباهه فى شوارع القاهرة هو عدم التزام السيارات بالحارات المخصصة لها ، وقال ضاحكاً : السيارات تمشى فى الأماكن الفارغة والناس تعبر الطريق بين السيارات والموتوسيكلات تتفادى الناس والسيارات ، سألته عن التوك توك فلم يفهم وبعد شرح طويل تمكن من التعرف عليه لأنه شاهده بالفعل وسط المتزاحمين فى الشارع، لكنه علل عدم ذكره للتوك توك بأنه لم يستطع وضع تصنيف معين له.


أعتقد أن مافعله صديقى بعفوية هو مكمن الأزمة الحقيقية للتوك توك ، ففى عالم الإنسان يمكن للتدخل الجراحى أن يحل أزمة عدم تحديد النوع وماينتج عنه من صراع نفسى ، ووجدنا فى حالات كثيرة انثى تتحول لذكر وذكرا يتحول لأنثى ويمارس كلاهما حياته العادية لأن الطب حسم المسألة ،أما فى عالم المركبات يظل التوك توك حائراً بين كونه موتوسيكل أم سيارة ،ويظل يرقص على سلالم الألم النفسى ،لا صانعى المركبات شافوه ولا إدارة المرور سمعت عنه ، وياله من احساس رهيب بالدونية والقهر يحاول دائماً إخفاءها بحيل دفاعية مثل تشغيل سماعات تصدر صوتاً مزعجاً ،أو تركيب الكاوتشات بالمقلوب بحيث يبدو أكبر حجماً ،وفى معظم الأحيان يحاول إثبات ذاته عن طريق التحرش بالسيارات حتى يشعر بأنه لايقل أهمية عنها.


تتطابق أزمة الضياع التى يشعر بها التوك توك مع الأزمة النفسية التى يمر بها سائقه ،فهو فى الغالب طفل صغير يريد أن يتخطى الزمن ويشعر بالتحقق وطبعا لن يجد أفضل من هذه الفرصة ليفرض سيطرته على هذه المركبة العجيبة مجهولة النسب ، وإمعاناً فى إثبات الذات لا مانع من كتابة شعارات تدل على الصياعة المبكرة من عينة :»حبيتها وقعدنا نلكلك..أتاريها طمعانة في التوك توك «.


تتشابه الأزمة النفسية التى يعيشها التوك توك بأزمة منتصف العمر التى يعيشها الانسان مع بداية عقده الخامس ، لا الماضى سيعود لتصحيحه ولم يعد هناك وقت كافٍ لإنجاز أى شىء فى المستقبل ، كذلك هى أزمة منتصف التوك توك ، حيرة نفسية قاتلة بين ماضٍ غير موجود ومستقبل غير موجود أيضاً ، وكما يمر الباعة الجائلون بسلاسة من ماكينات مترو الانفاق ، يعبر التوك توك أمامى كارتة طريق مصر الاسماعيلية ،سألت الموظف ببراءة : هو دفع كام ؟ فرد بثقة : التوك توك مش بيدفع ، دفعت وأكملت طريقى متجاوزاً التوك توك لأقرأ الشعار الذى كتبه السائق : أبو أربعة ماشي تاتة تاتة والحلو عنده من العجل تلاتة.