«مفاجآت» في تساؤلات المواطنين لـ«دار الإفتاء»

دار الإفتاء المصرية
دار الإفتاء المصرية

لم يعد مشهد المواطن البسيط المتجه بجلبابه إلى مسجد الحى لسؤال الإمام عن إحدى العبادات أو حكمها هو المشهد السائد الآن لأخذ الفتوى، فمع التغيير السريع لنمط الحياة تغيرت معه نوعية القضايا المستفتى حولها، بل وتغيرت أيضا الوسائل..

الأمر الذى دفع مؤسسات الدولة الرسمية المنوطة بالرد على استفتاءات المصريين إلى مواكبة هذا الأمر، فانطلقت جاهدة لمحاولة الرد على كل مصرى بمختلف فئاته وبكافة الوسائل التى يستخدمها من هاتف وبريد الكترونى وحتى «فيس بوك وتيك توك وانستجرام»، حتى تصدرت مصر أكثر الدول إصدارًا للفتاوى بنسبة 17 % خلال النصف الأول لعام 2021، وفقا لآخر إحصائيات المؤشر العالمي للفتوى التابع لدار الإفتاء المصرية..

وفى هذا التحقيق تحاول «الأخبار» كشف الستار عن القضايا التى تشغل بال المصريين والتى يستفتون عنها خلال الآونة الأخيرة، مع معرفة كافة الطرق التى يتم استخدامها للوصول للرد المناسب.

مؤشر الإفتاء العالمى: مصر الدولة الأكثر إصدارًا للفتوى بنسبة 17% خلال النصف الأول من 2021

الفتاوى تكشف اهتمام المصريين بالحداثة وتعكس أزمة اجتماعية واضحة

«الأحكام الشرعية للقاح كورونا» و«القضايا التكنولوجية» فى مقدمة الفتاوى

«تكفين موتى الوباء»  و «فوائد البنوك» و «طلاق الغضبان» وتعاطى الاستروكس القضايا الأبرز

عامان فقط كانا كفيلين بتغيير خريطة فتاوى المصريين، فمنذ أن فرضت جائحة كورونا أهميتها على الساحة تغيرت معها كافة معالم الحياة حتى نمط استفتاء المصريين عن شئون حياتهم.

ففى عام 2019 قبيل ظهور «كوفيد 19» كانت أغلب الفتاوى تدور حول قضايا الطفل والمرأة والطب وغيرها من القضايا الاجتماعية، فحينها تصدرت مصر دول العالم في فتاوى الطلاق على مدار العام بنسبة 28%، وأكدت دار الإفتاء المصرية حينها أنها تستقبل أكثر من 4 آلاف فتوى شهريًّا حول تلك الظاهرة.

كما انتشرت فى ذلك العام الفتاوى المرتبطة بالعنف الأسرى وكانت أسئلة المستفتين عن كيفية التعامل مع تلك الظاهرة بنسبة 23% من جملة الفتاوى المرتبطة بقضايا العنف ضد المرأة، تليها فتاوى الختان وتشويه الأعضاء الأنثوية بنسبة 20%، وفتاوى الحرمان من الميراث بنسبة 17%.

ومع بلوغ العالم عام 2020 فرضت جائحة كورونا تغيرا كبيرا فى نوعية الفتاوى، فوفقا للمؤشر العالمي للفتوى التابع لدار الإفتاء فإن جائحة كورونا كانت حاضرة بقوة فى فتاوى هذا العام، وأنه فى الوقت الذى كانت تبحث فيه مؤسسات الفتوى الرسمية عن الآراء والأدلة التى تبين الأحكام المتعلقة بالجائحة؛ كانت التنظيمات الإرهابية تعزز مكاسبها من خلال استغلال الجائحة بالترويج لأفكارها واستقطاب أتباعها.

وكان الأمر الملحوظ فى هذا العام هو ارتفاع فتاوى ظاهرة الإلحاد إلى 7% بعدما كانت 5% فى العام السابق له، جاء ذلك فى الوقت الذى تغيرت فيه فتاوى العبادات بنسبة 28%، كما كان لجائحة وما ارتبط بها من خطاب إفتائى تأثير فى لجوء البعض إلى الاستفادة من التراث الفقهي، حيث بلغت نسبة الاعتماد عليه فى الفتاوى المتعلقة بالجائحة 30%.

فتاوى 2021

أما عام 2021 وتحديدا النصف الأول منه، برزت بعض القضايا على الساحة بشكل كبير دون غيرها، وعلى رأسها الأحكام الشرعية المرتبطة بتلقى لقاح كورونا وتأثيره على العبادات، فوفقا لبيان مؤشر الإفتاء العالمى الصادر فى أغسطس الماضى فإن النصف الأول من 2021 شهد حالة من الزخم الإفتائى مرتبطة بجائحة كورونا، وأن المعدل الأكبر لهذه الأسئلة كانت خلال شهر إبريل الماضى بنسبة 24% من جملة الفتاوى المرصودة، وذلك تزامنًا مع الحملات العالمية لتلقى اللقاح، وفتاوى شهر رمضان المبارك المرتبطة بالوباء وغيرها.

وخلال الشهور الماضية أيضا برزت القضايا التكنولوجية لتأخذ حيزا كبيرا من القضايا الإفتائية للمواطنين، والتى شملت عدة أسئلة ونقاشات حول استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، والألعاب الإلكترونية، وتطبيقات الهواتف، والمعاملات والمبادلات المالية عبر الوسائل التكنولوجية الحديثة، وقضايا الزواج والطلاق باستخدام التطبيقات التكنولوجية الحديثة، واستخدام التطبيقات التكنولوجية فى العبادات من صلاة وزكاة وصدقة، وغيرها من القضايا ، ليكون بذلك عامى 2020 و2021 أكثر الأعوام اهتمامًا بقضايا التكنولوجيا بنسبة بلغت (30%) من إجمالى الخطاب الإفتائي..

كما جاء فى تقرير مؤشر الإفتاء العالمى فإن قضايا كورونا والقضايا التكنولوجية برزت على الساحة، وكان من هذه الاستفسارات ما رصدته «الأخبار» من خلال «موقع دار الإفتاء المصري» فى القسم الخاص بالقضايا المعاصرة.

ففيما يخص «كورونا» فقد استفتى المصريون حول «كيفية تكفين المتوفى بفيروس كورونا» و»حكم ارتداء الكمامة فى زمن الوباء» و»الصلاة على النبى ﷺ لرفع الوباء والشفاء من الأمراض» و التغيب عن الجمعة خوفا من الإصابة بكورونا».

أما فيما يخص القضايا التكنولوجية فان من ضمن استفسارات  المصريين الأسئلة حول «حكم ممارسة الألعاب الإلكترونية» و»شراء الذهب والفضة عن طريق الإنترنت» و»السخرية من الأشخاص عن طريق الكوميكس».

كما كانت هناك مجموعة من الاستفسارات الخاصة بالمعاملات المالية ظهرت بشكل كبير مثل الأسئلة حول «هل فوائد البنوك حرام أم حلال» و»حكم شراء شهادات (زاد الخير الاستثمارية)» و»حكم القرض الشخصى والتمويل» و»شراء الأوراق المالية بالهامش» و»الزكاة على القرض من البنك».. وفى إطار القضايا الاجتماعية تنوعت أسئلة المصريين حول «طلاق الغضبان» و«أحوال طلب الرجل من المرأة رد الشبكة» و«حكم تعاطى الاستروكس» و»اشتراط العصمة بيد الزوجة» و»منع أقارب الزوجة من زيارتها» وغيرها من الأسئلة، لتجد دار الإفتاء مجموعة دسمة من الاستفسارات فى كافة نواحى الحياة.

كيف نستفتي؟

من أجل مواكبة هذا الزخم الكبير لاستفسارات المصريين كان لدار الإفتاء المصرية جهد كبير فى تذليل العقبات أمام المصريين لإرسال أسئلتهم، فتوفر الدار خدمات للرد على المواطنين بطرق مختلفة تتناسب مع جميع الأعمار والفئات الاجتماعية، وأولاها عن طريق الهاتف ليتحدث بشكل مباشر مع أحد أمناء الفتوى المؤهلين، وقد خصصت الدار لهذه الخدمة رقما مختصرا وهو «107»، كما يمكن للمتصل تسجيل سؤاله ثم العودة للاستماع للإجابة بعد نحو ساعة، وذلك عن طريق نفس الرقم إلا أنه يتم تحويله لخدمة الاتصالات فى هذه الحالة لتسجيل بياناته وسؤاله وأخذ الرقم السرى الخاص به للاستماع للإجابة فيما بعد.

أما الطريقة الثانية فهى عن طريق الموقع الإلكترونى لدار الإفتاء المصرية، فيدخل المواطن إلى القسم الخاص بطلب الفتوى ثم يحدد عنوان سؤاله ويكتبه تفصيلا ويسجل فى هذه الحالة بريده الالكتروني، ثم يظهر له الموقع رقما سريا للفتوى الخاصة به، ليعود مرة أخرى لموقع دار الإفتاء للدخول به وقراءة الإجابة أو يكتفى باستقبال الإجابة على بريده الإلكترونى الخاص الذى سجله من قبل.. لم يكتف الدار بهذا الوسائل فهناك العديد من المواطنين ممن يرغبون فى الجلوس مباشرة لمناقشة استفتائهم وجها لوجه، لهذا وفرت الدار بفروعها فى القاهرة وأسيوط والإسكندرية خدمة «الفتوى الشفوية» فيتوجه المواطن لهم ليجلس مع أحد أمناء الفتوى الذى يسجل بيانات المواطن وسؤاله، ثم يجيب عنه ويسجل الإجابة أيضا ليتم الاحتفاظ بها، إلا أنه يتم تعليق هذه الخدمة فى بعض الحالات كالحجر الصحى حفاظا على حياة المواطن.

مع كل ذلك وفرت أيضا الدار خدمات الإفتاء عن طريق البريد على عنوان دار الإفتاء المصرية وهو: القاهرة - الدراسة - حديقة الخالدين - ص.ب. 11675، ويتم إرسال الإجابة للمواطن على عنوانه الذى يذكره فى آخر رسالته، أو عن طريق الفاكس على رقم 25926143، وأخيرا ومن أجل مواكبة العصر الرقمى فتستقبل دار الإفتاء الأسئلة أيضا على صفحتها على «الفيس بوك»، التى تخطى متابعوها 12 مليون شخص، وتوفر به خاصية البث المباشر للرد على استفتاءات المواطنين.

وفى الـ 19 من أغسطس الماضى أطلقت دار الإفتاء حسابا على «تيك توك»، مؤكدة أن ذلك من أجل نشر الوعى والمفاهيم الدينية الصحيحة عن طريق التواصل الفعال، وتتناول الفيديوهات التى يتم نشرها «الميراث والقضايا المتعلقة بالمرأة والمعاملات المالية والصلاة والصيام والذكر والزواج والاقتراض وكورونا والتحرش».. وتعتمد هذه الفيديوهات فى محتواها على كل من الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية، والدكتور أحمد ممدوح مدير الأبحاث الشرعية، والدكتور محمود شلبى مدير الفتاوى الهاتفية، والدكتور محمد عبدالسميع أمين الفتوى، وآخرين.. كما اعتمدت الدار على منصات التواصل الأخرى كـ» اليوتيوب» الذى وصل متابعيه إلى 225 ألفا كما تمتلك الدار صفحة على تويتر وحسابا على انستجرام وكلب هاوس وقناة على التليجرام بالإضافة إلى ساوند كلاود.

مركز الأزهر

أما من أجل إتاحة المزيد من الوسائل أمام المصريين تم إطلاق مركز الأزهر العالمى للفتوى الالكترونية، والتى يمكن للمواطن الدخول عليه لطلب فتوى.. ويتم ذلك عن طريق  اختيار «الفتوى الالكترونية» ومنها «طلب فتوى أو استعلام عن فتاوى» ويكتب السؤال ورقم هاتفه وبريده الالكتروني، ويحصل على رقم سرى لها للعودة مرة أخرى لقراءة الإجابة.. كما يمكن للمواطن الاتصال على الرقم الساخن 19906 لتسجيل سؤاله والحصول على الإجابة، ويتيح مركز الأزهر العالمى للفتاوى الالكترونية بثا مباشرا على صفحته على الفيس بوك، ليتم الإجابة بشكل مباشر على استفسارات المواطنين من قبل أحد أعضاء الفتوى بالمركز، ويقوم المركز أيضا بإتاحة إرسال الأسئلة قبل البث بيوم كامل.

أرشيف الفتوى

كان لزاما على مؤسسات الإفتاء حفظ هذا الكم الكبير من الفتاوى حفاظا على السير فى طريق صحيح للأجيال القادمة، لذا فأقدمت دار الإفتاء تماشيًا مع رؤية الرئيس عبد الفتاح السيسى واتجاه مؤسسات الفتوى إلى الرقمنة، على إنجاز أول أرشيف عملاق للفتاوى على مدار عام ونصف العام لـ «محرك بحث المؤشر العالمى للفتوى»، والذى يعد الأول من نوعه فى الحقل الدينى بشكل عام والمجال الإفتائى على وجه الخصوص.

ويعد هذا المحرك أول محرك بحث متخصص فى رصد وتتبع الفتاوى وتحليلها عالميًّا، والذى يُعد نواةً لأكبر قاعدة بيانات للفتوى المصنفة فى العالم.

ووفقا لتصريحات طارق أبو هشيمة مدير المؤشر العالمى للفتوى، فإنه يتم من خلال المحرك استعراض نحو 1000 مادة يوميًّا وإدخالها دورة العمل من خلال 16 شاشة رقمية، مما ساهم فى جمع ما يقرب من مليون و500 ألف مادة على قاعدة بيانات المحرك تتعلق بالحقل الإفتائى والدينى من فتاوى وأخبار وحوارات وتغريدات مجمعة من مصادر إلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، كما تم تحليل وتصنيف 20 ألف فتوى من حيث الأحكام والمجالات ومُصدريها ودرجة انضباطها، فضلًا عن توثيق نحو 110 قضايا إفتائية مصنفة من حيث عدد الفتاوى المرتبطة بها ومصدريها ومجالاتها وأحكامها الشرعية وكيفية تطورها وعدد الدول المهتمة بها.