«الرجل الأعمى الذي لم يرغب في مشاهدة تيتانيك» بمهرجان الجونة السينمائي

الرجل الاعمى الذي لم يرغب في مشاهدة تيتانيك
الرجل الاعمى الذي لم يرغب في مشاهدة تيتانيك

انطلقت فعاليات العروض السينمائية بمهرجان الجونه أمس، وكان على رأسها فيلم" The Blind Man Who Did Not To See Titanic "الرجل الأعمى الذي لم يرغب في مشاهدة تايتانك" الذي عرض لأول مرة عالميًا في مهرجان فينيسيا السينمائي لهذا العام.

وفاز الفيلم في قسم Orizzonti Extra الذي تم إضافته حديثًا لجوائز المهرجان ويعتمد على تصويت الجمهور، وفوز الفيلم بجائزة الجمهور في فينيسيا والاسم الطويل المثير للدهشة والعديد من التساؤلات مثل لماذا كل هذا الأسم ولماذا قد يرفض رجل اعمى مشاهدة فيلم تيتانيك؟ وهل سنشاهد فيلم تقليدي عن مشكلات المكفوفين،  جعلته الانسب لافتتاح ماراثون مشاهدة الافلام الاجمل والانجح التي يقدمها المهرجان في دورته الخامسه هذا العام. 

عدد قليل من الجمهور حول العالم لم يرغب في مشاهدة فيلم "تيتانيك" لجيمس كاميرون الذي استطتاع أن يحقق نجاح اسطوري في شباك التذاكر العالمي بل وذهب الجمهور لمشاهدته اكثر من مرة على مدار شهور، ولكن بطل The Blind Man Who Did Not To See Titanic كان واحد من هؤلاء القلائل الذين ظل لديهم وجهة نظر مختلفة عن فيلم تيتانيك.

البطل هنا لا يمتلك من المقومات سوى كرسي متحرك وتليفون محمول مخصص للمكفوفين ووجهة النظر العميقة والثقافة ومكتبة سينمائية ضخمة شاهد من خلالها العديد من النماذج التي رسخت في عقله واصبحت تسانده في تخطي المواقف الصعبة. 

للوهلة الأولى تعتقد أنك ستشاهد فيلم عن مأساة جديدة للمكفوفين وذوي الاحتياجات الخاصة باسلوب تقليدي، ولكن بعد دقائق من التركيز في تقنية التصوير المموهة blurred vision  التي استخدمها المخرج الفنلندي الصاعد تيمو نيكي، تجد نفسك أمام تجربة سينمائية فريدة. المخرج لم يستطع نقل الصورة التي يراها بطل الفيلم بيتري بويكولاينن فقط، بل وضع الجمهور طوال 82 دقيقة مدة عرض الفيلم، في حالة من الضيق بسبب عدم وضوح الرؤية. نحن نريد أن نشاهد الصورة كاملة، نريد أن نستخدم قدرتنا على الرؤية الواضحة للصورة لتوقع ما يمكن أن يحدث بعد ذلك لبطل الفيلم أو كيف يمكنه مساعدة نفسه، أو حتى رؤية ملامح بقية الممثلين المشاركين في الفيلم! هنا أكتشفنا أننا خسرنا حريتنا وقدرتنا على الرؤية الواضحة لمدة 82 دقيقة واصبحنا سجناء بإرادتنا لدى مخرج الفيلم داخل قاعه العرض لنستمتع بهذا العمل رغم كل ما تسببه من ضيق و"زغلله" للعين وصداع بعد الخروج من قاعه السينما.   

 

الرجل الأعمى الذي لم يرغب في مشاهدة تيتانيك فيلم ملئ بالاختبارات للمشاهد، وقدرته على تحمل التكرار النمطي للمشاهد التي تعبر عن حالة الملل التي يعيشها البطل "جاكو" في شقته الصغيرة كل يوم، حيث تأتي المساعدة الشخصية له لتؤدي عملها بشكل آلي حتى تتفرغ لعملاء أخرين، بعدها يبدأ جاكو في رحلته اليومية والتنقل بين أقراص الافلام DVD ، حاملا في يده نافذته الوحيدة على العالم الخارجي، تليفون محمول مزود بمجموعة تطبيقات للمكفوفين وضعاف البصر، ليستمتع من خلاله بعلاقة قوية بشخصية داعمة له وهي "سيربا" امرأة لطيفة أيضًا تعاني من مشاكل صحية التقى بها عبر الإنترنت وجمعتهما آلام المرض والوحدة ولكن لم تجمعهما الحياة ولو لمرة في مقابله حقيقية غير افتراضية. بدت علاقة جاكو وسيربا في البداية من اجل التسلية، حتى ذهب بها المخرج لبعد أخر وجعلها السبب الرئيسي لبداية عقبة الحبكة، بعدما علم جاكو أن حالة سيربا الصحية تتدهور وتدفعه مشاعر الحب الصادق لها أن يخاطر بالخروج بمفرده والذهاب لمحطة القطار والاستعانه بخمس غرباء حتى يصل لبيتها ليقابلها للمرة الاولى. هذه الرحلة المستحيلة للبطل بمثابة عملية انتحارية اراد من خلالها التمرد على عجزه وخوفه وضجره بما يعاني منه طوال سنوات إصابته بمرض التصلب العصبي المتعدد، الذي تسبب في عمى البطل في الفيلم، بيتري بويكولاينن ، بعدما كان شخص رياضي يمارس رياضة الجري ومشاهدة الافلام كل يوم. 

الفيلم يمثل عودة من نوع خاص لبطل الفيلم بيتري بويكولاينن 46 عاما، وهو صديق قديم للمخرج، فهو مصاب ايضًا بالتصلب العصبي المتعدد. فبعد تخرجه من أكاديمية Uniarts Helsinki's Theatre عام 2000 ، كان لديه مسيرة مهنية ناجحة كممثل مسرحي قبل أن يصاب بالعمى والشلل الجزئي بسبب التصلب المتعدد منذ حوالي ثماني سنوات. في الحقيقة هذا الاختيار الرائع لبطل الفيلم  يعكس أيضًا الفكر المختلف للمخرج، فقد تحرر من أفكار تقليدية  عفا عليها الزمن مفادها أن الممثلين الأصحاء يجب أن يكونوا أول من يلعب دور الشخصيات ذات الإعاقة. 

بدأت رحلة البطل بمكالمة هاتفيه تأكد من خلالها بتوافر مقعد له في القطار وتاكسي ينقله من المحطة لبيت حبيبته، وهنا تملك الحماس من البطل واستعد للرحله التي سارت بشكل جيد حتى وقع في شباك شاب مدمن حاول سرقته بمساعدة صديقه، وهنا بدات الرحلة تأخذ شكل أخر مرعب لرجل عاجز عن الرؤية والحركة، ولكنه استطاع التغلب على اللصوص الاغبياء بحوار ممتع مكنه من منعهم من قتله واكتفوا بتركه على كرسيه داخل مكان مهجور دون اي وسيله مساعدة. هنا شعر جاكو بالفوز في ثاني اختبار له خلال هذه الرحلة ولكن كان الاختبار الحقيقي لجاكو، الذي ظل يتحسس طريقه، ببطء وخوف قطع انفاس الجميع في قاعه العرض، في قدرته على محاربه خوفه وبالفعل استطاع التحرك والخروج وطلب المساعدة وهنا فقط شعر بالحرية، وأنه لأول مرة استطاع التحرر من سجن جسده البالي، الذي لم يمنعه من الوصول لحبيبته في الموعد. 

 

«القاهرة - برلين» يفتتح مسابقة برنامج الأفلام القصيرة اليوم في الجونة