« حاميها حراميها» ليلة سقوط موظف البريد

الموظف المتهم
الموظف المتهم

كتب: عويس‭ ‬الطحاوي‭ ‬

بعد‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬الخبرة‭ ‬والتفاني‭ ‬في‭ ‬العمل،‭ ‬أو‭ ‬هكذا‭ ‬يبدو،‭ ‬ضل‭ ‬‮«‬ي‮»‬‭ ‬طريقه‭ ‬سعيًا‭ ‬لجلب‭ ‬المال،‭ ‬بأي‭ ‬طريقة،‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬استغل‭ ‬سنوات‭ ‬الخبرة‭ ‬تلك‭ ‬وبنى‭ ‬منها‭ ‬أرضية‭ ‬جعلته‭ ‬يسرق‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يشك‭ ‬أحد‭ ‬فيه،‭ ‬ودون‭ ‬أن‭ ‬يلفت‭ ‬نظر‭ ‬أي‭ ‬مسئول‭ ‬معه‭. ‬الأمر‭ ‬كان‭ ‬غريبًا،‭ ‬والمسئولون‭ ‬والموظفون‭ ‬والعمال‭ ‬في‭ ‬مكتب‭ ‬بريد‭ ‬شنرا‭ ‬مركز‭ ‬الفشن‭ ‬بمحافظة‭ ‬بني‭ ‬سويف‭ ‬في‭ ‬حيرة‭ ‬وقلق،‭ ‬مبالغ‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬حسابات‭ ‬المودعين‭ ‬تُسرق‭ ‬بضغطة‭ ‬واحدة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يعرفوا‭ ‬من‭ ‬السارق،‭ ‬والأدهى‭ ‬والأمر‭ ‬أن‭ ‬السارق‭ ‬بينهم،‭ ‬يشاركهم‭ ‬القلق‭ ‬ظاهريًا،‭ ‬ويخفي‭ ‬بينه‭ ‬ونفسه‭ ‬جرائمه‭ ‬المتكررة،‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬عمله‭ ‬وفي‭ ‬حق‭ ‬المودعين‭ ‬الذين‭ ‬استأمنوا‭ ‬المكتب‭ ‬على‭ ‬أموالهم‭. ‬في‭ ‬السطور‭ ‬التالية‭ ‬سندخل‭ ‬معكم‭ ‬كواليس‭ ‬واقعة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬وقائع‭ ‬سرقات‭ ‬‮«‬حاميها‭ ‬حراميها‮»‬‭ ‬والتي‭ ‬كان‭ ‬موظف‭ ‬البريد‭ ‬فيها‭ ‬هو‭ ‬اليد‭ ‬الآثمة‭ ‬التي‭ ‬تسرق‭ ‬خلسة‭ ‬من‭ ‬استأمنه‭ ‬على‭ ‬أمواله‭. ‬

كانت‭ ‬الساعة‭ ‬التاسعة‭ ‬صباحًا‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬عمل‭ ‬مجهد‭ ‬يتعرض‭ ‬له‭ ‬موظفو‭ ‬مكتب‭ ‬بريد‭ ‬شنرا‭ ‬بـ‭ ‬مركز‭ ‬الفشن‭ ‬جنوب‭ ‬بني‭ ‬سويف‭ ‬حينما‭ ‬تم‭ ‬فتح‭ ‬حساب‭ ‬موُدِع‭ ‬وأخذ‭ ‬أموالا‭ ‬منه‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬المودع‭ ‬موجودًا‭ ‬في‭ ‬المكتب‭. ‬

في‭ ‬الحقيقة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تلك‭ ‬العملية‭ ‬ظاهرة‭ ‬لأي‭ ‬شخص‭ ‬من‭ ‬الموظفين،‭ ‬سوى‭ ‬الموظف‭ ‬الذي‭ ‬تجرأ‭ ‬وفتح‭ ‬بيانات‭ ‬المُودِع‭ ‬وسحب‭ ‬منه‭ ‬الفلوس‭ ‬وأرسلها‭ ‬لنفسه‭. ‬

وفي‭ ‬الحقيقة‭ ‬أيضًا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تلك‭ ‬العملية‭ ‬هي‭ ‬العملية‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬نوعها،‭ ‬لكن‭ ‬ولأن‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬الأمور‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬فحصها‭ ‬سوى‭ ‬بعد‭ ‬كشف‭ ‬العميل‭ ‬أمرها‭ ‬وتقديم‭ ‬شكوى‭ ‬بذلك‭ ‬وإفادته‭ ‬في‭ ‬شكواه‭ ‬بسرقة‭ ‬أموال‭ ‬من‭ ‬حسابه،‭ ‬بعدها‭ ‬يتم‭ ‬مراجعة‭ ‬حسابه‭ ‬وإفادته‭ ‬بتفاصيل‭ ‬تلك‭ ‬العملية‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬لها،‭ ‬وتلك‭ ‬الاشتراطات‭ ‬هي‭ ‬ضرورية‭ ‬ولازمة‭ ‬لحماية‭ ‬حساب‭ ‬العميل‭.‬

انتهت‭ ‬العملية‭ ‬الأولى‭ ‬وتمت‭ ‬السرقة‭ ‬بنجاح،‭ ‬وبعد‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬جرى‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬السرقات‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يلاحظ‭ ‬أحد،‭ ‬حتى‭ ‬وصل‭ ‬حجم‭ ‬تلك‭ ‬المبالغ‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬سرقتها‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬عن‭ ‬مليون‭ ‬ونصف‭ ‬المليون‭ ‬جنيه،‭ ‬وجرى‭ ‬حصر‭ ‬هذا‭ ‬الرقم‭ ‬بعد‭ ‬كشف‭ ‬تحويلات‭ ‬كثيرة‭ ‬مماثلة‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬حساب‭ ‬مختلف‭ ‬إلى‭ ‬حساب‭ ‬واحد‭ ‬فقط،‭ ‬هو‭ ‬حساب‭ ‬ايب‭.‬

اللص

ا وشهرته ي؛‭ ‬هو‭ ‬موظف‭ ‬بريد‭ ‬يبلغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬‮٥٣‬‭ ‬عامًا،‭ ‬التحق‭ ‬بالبريد‭ ‬قبل‭ ‬نحو‭ ‬‮٢٥‬‭ ‬عامًا،‭ ‬وانتقل‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬لآخر‭ ‬حتى‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يلتحق‭ ‬بمكتب‭ ‬بريد‭ ‬قريته،‭ ‬شنرا،‭ ‬والتي‭ ‬كان‭ ‬مواليدها‭ ‬وفيها‭ ‬يعيش،‭ ‬بعد‭ ‬استقراره‭ ‬في‭ ‬مكتب‭ ‬البريد‭ ‬بقريته،‭ ‬عرفه‭ ‬الناس‭ ‬بوجهه‭ ‬الحسن،‭ ‬الطيب،‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يرفض‭ ‬خدمة‭ ‬أحد،‭ ‬والذي‭ ‬لا‭ ‬يتأخر‭ ‬على‭ ‬طلب‭ ‬أي‭ ‬شخص‭.‬

كانت‭ ‬طلبات‭ ‬الناس‭ ‬‭-‬‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬عمله‭ ‬‭-‬‭ ‬مجابة،‭ ‬وكان‭ ‬يتقاضى‭ ‬على‭ ‬خدماته‭ ‬تلك‭ ‬مبلغاً‭ ‬زهيدًا‭ ‬حتى‭ ‬علا‭ ‬شأنه‭ ‬بينهم،‭ ‬وبات‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يطلب‭ ‬خدمة‭ ‬من‭ ‬مكتب‭ ‬بريد‭ ‬شنرا‭ ‬يذهب‭ ‬إلى‭  ‬ايب‭ ‬في‭ ‬بيته‭ ‬ويعرض‭ ‬عليه‭ ‬طلبه،‭ ‬وهو‭ ‬يتمها‭ ‬دون‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬صاحب‭ ‬الحساب‭ ‬إلى‭ ‬المكتب‭ ‬ودون‭ ‬أن‭ ‬يرهق‭ ‬نفسه‭ ‬عناء‭ ‬المجيء‭.‬

كل‭ ‬هذه‭ ‬الخدمات‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬ايب‭ ‬يكوّن‭ ‬قاعدة‭ ‬بيانات‭ ‬كبيرة‭ ‬لأهالي‭ ‬قريته،‭ ‬يعرف‭ ‬حساباتهم‭ ‬والمبالغ‭ ‬التي‭ ‬فيها‭ ‬وكيفية‭ ‬فتحها‭ ‬وغلقها‭ ‬لسحب‭ ‬وضخ‭ ‬الأموال‭ ‬وكذلك‭ ‬الأرقام‭ ‬السرية‭ ‬التي‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬يعرفها‭ ‬سوى‭ ‬صاحب‭ ‬الحساب‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬معه‭ ‬دفتر‭ ‬التوفير‭ ‬الذي‭ ‬فيه‭ ‬كافة‭ ‬البيانات‭ ‬السرية‭ ‬الخاصة‭ ‬بالمُودِع‭ ‬وحده‭ ‬دون‭ ‬غيره‭.‬

ونتيجة‭ ‬لهذه‭ ‬المعلومات‭ ‬الجبارة‭ ‬التي‭ ‬جمعها‭ ‬استطاع‭ ‬أيضًا‭ ‬أن‭ ‬يعرف‭ ‬أرقام‭ ‬الحسابات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يأتي‭ ‬أصحابها‭ ‬إلى‭ ‬مكتب‭ ‬البريد‭ ‬بكثرة،‭ ‬والذين‭ ‬يتأخرون‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬أو‭ ‬سحب‭ ‬الأموال‭ ‬من‭ ‬حساباتهم‭. ‬وكانوا‭ ‬هؤلاء‭ ‬هم‭ ‬أول‭ ‬الناس‭ ‬الذين‭ ‬تمت‭ ‬سرقتهم‭. ‬

ومن‭ ‬هنا‭ ‬بدأت‭ ‬سرقاته‭ ‬سرقة‭ ‬تلو‭ ‬سرقة،‭ ‬ومبلغ‭ ‬بعد‭ ‬مبلغ،‭ ‬من‭ ‬أرقام‭ ‬حسابات‭ ‬عدة‭ ‬إلى‭ ‬حسابه،‭ ‬ثم‭ ‬يسحب‭ ‬المال‭ ‬من‭ ‬حسابه‭ ‬ويأخذه‭ ‬معه‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ينهي‭ ‬عمله،‭ ‬وهكذا‭ ‬مكث‭ ‬فترة‭ ‬يذهب‭ ‬إلى‭ ‬بيته‭ ‬وفي‭ ‬جيبه‭ ‬ألوفات‭ ‬مؤلفة‭ ‬يوميًا،‭ ‬يصرفها‭ ‬فيما‭ ‬شاء‭ ‬وكيفما‭ ‬شاء،‭ ‬ويرى‭ ‬الناس‭ ‬عليه‭ ‬علامات‭ ‬الترف‭ ‬واضحة،‭ ‬حتى‭ ‬ظنوا‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬خدمته‭ ‬لهم‭ ‬قد‭ ‬منّ‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وجعل‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬رزقه‭ ‬سعة‭. ‬لكن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يظن‭ ‬أحدهم‭ ‬أن‭ ‬الرجل،‭ ‬المستأمن‭ ‬على‭ ‬أموال‭ ‬الناس‭ ‬بحكم‭ ‬وظيفته‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يسرقها،‭ ‬والعملاء‭ ‬الذين‭ ‬يسرقهم‭ ‬هم‭ ‬أبناء‭ ‬قريته،‭ ‬أهله،‭ ‬ومن‭ ‬أكل‭ ‬معهم‭ ‬وشرب‭. ‬ومن‭ ‬شاركوه‭ ‬أفراحه‭ ‬وأحزانه‭.‬

كشف‭ ‬الجاني

مُودِع‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬المُودِعين‭ ‬يقف‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬شباك‭ ‬في‭ ‬مكتب‭ ‬البريد‭ ‬وأمامه‭ ‬موظف‭ ‬يساعده‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬لأجله،‭ ‬أخرج‭ ‬المُودِع‭ ‬بعض‭ ‬المال‭ ‬من‭ ‬حقيبته‭ ‬وطلب‭ ‬من‭ ‬الموظف‭ ‬إيداع‭ ‬المبلغ‭ ‬في‭ ‬حسابه،‭ ‬وبالفعل‭ ‬تمت‭ ‬العملية‭ ‬واستلم‭ ‬العميل‭ ‬إيصال‭ ‬الإيداع،‭ ‬مكتوب‭ ‬فيه‭ ‬المبلغ‭ ‬المُودَع‭ ‬وإجمالي‭ ‬المبلغ‭ ‬الموجود‭ ‬في‭ ‬الحساب‭.‬

هنا‭ ‬استغرب‭ ‬العميل‭ ‬المبلغ‭ ‬الإجمالي‭ ‬بمجرد‭ ‬ما‭ ‬وقعت‭ ‬عيناه‭ ‬عليه،‭ ‬وعليه‭ ‬عاد‭ ‬للتأكد‭ ‬من‭ ‬المبلغ‭ ‬الموجود‭ ‬في‭ ‬دفتر‭ ‬التوفير‭ ‬الخاص‭ ‬به،‭ ‬فوجد‭ ‬أن‭ ‬إجمالي‭ ‬المبلغ‭ ‬الموجود‭ ‬في‭ ‬دفتر‭ ‬التوفير‭ ‬الخاص‭ ‬به‭ ‬أكبر‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬المبلغ‭ ‬الإجمالي‭ ‬الموجود‭ ‬في‭ ‬الحساب،‭ ‬وعندما‭ ‬لفت‭ ‬نظر‭ ‬الموظف‭ ‬الذي‭ ‬أمامه‭ ‬لهذا‭ ‬الأمر‭ ‬أخذته‭ ‬الدهشة‭ ‬ولكنه‭ ‬عاد‭ ‬وسأل‭ ‬العميل‭ ‬عن‭ ‬أنه‭ ‬ربما‭ ‬سحب‭ ‬هذا‭ ‬المبلغ‭ ‬من‭ ‬حسابه‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬ولكن‭ ‬إجابة‭ ‬العميل‭ ‬جاءت‭ ‬بالنفي،‭ ‬وعليه‭ ‬قام‭ ‬الموظف‭ ‬من‭ ‬مقعده‭ ‬ذاهبًا‭ ‬إلى‭ ‬مديره‭ ‬وأبلغه‭ ‬بحقيقة‭ ‬الأمر‭. ‬

عاد‭ ‬المدير‭ ‬وحاول‭ ‬أن‭ ‬يهدئ‭ ‬من‭ ‬روع‭ ‬العميل،‭ ‬لكن‭ ‬العميل‭ ‬قد‭ ‬انتابته‭ ‬نوبة‭ ‬غضب‭ ‬كبيرة‭ ‬بعد‭ ‬هذا‭ ‬الخطأ‭ ‬الفادح‭ ‬والسرقة‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬لها،‭ ‬ولم‭ ‬تجد‭ ‬محاولات‭ ‬موظفي‭ ‬البريد‭ ‬في‭ ‬تهدئة‭ ‬الرجل‭ ‬ولا‭ ‬إثنائه‭ ‬عن‭ ‬تحرير‭ ‬محضر‭ ‬حتى‭ ‬يتسنى‭ ‬لهم‭ ‬معرفة‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬ومن‭ ‬المتورط‭ ‬فيه‭.‬

كان‭ ‬موظفو‭ ‬البريد‭ ‬في‭ ‬حيرة‭ ‬من‭ ‬أمرهم،‭ ‬وأثناء‭ ‬ما‭ ‬كانوا‭ ‬يبحثون‭ ‬في‭ ‬ملف‭ ‬العميل،‭ ‬جرى‭ ‬الخبر‭ ‬في‭ ‬أرجاء‭ ‬القرية‭ ‬كالنار‭ ‬في‭ ‬الهشيم،‭ ‬وعليه‭ ‬خرج‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأهالي‭ ‬صوب‭ ‬مكتب‭ ‬البريد‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الثاني‭ ‬يتأكدون‭ ‬من‭ ‬الأموال‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬حساباتهم،‭ ‬وهنا‭ ‬كانت‭ ‬الطامة‭.‬

عدد‭ ‬كبير‭ ‬منهم‭ ‬تعرض‭ ‬لما‭ ‬تعرض‭ ‬له‭ ‬العميل‭ ‬السابق،‭ ‬بل‭ ‬أن‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬تم‭ ‬سحب‭ ‬أموال‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬حسابه،‭ ‬لذلك‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬المسؤولون‭ ‬أى‭ ‬وسيلة‭ ‬غير‭ ‬إبلاغ‭ ‬العقيد‭ ‬وليد‭ ‬قرني‭ ‬رئيس‭ ‬مباحث‭ ‬البريد‭ ‬لمنطقة‭ ‬شمال‭ ‬الصعيد‭ ‬بحقيقة‭ ‬الأمر‭.‬

بدأ‭ ‬التحقيق‭ ‬في‭ ‬الواقعة‭ ‬ومراجعة‭ ‬كافة‭ ‬حسابات‭ ‬العملاء‭ ‬وفحصها،‭ ‬تم‭ ‬تحديد‭ ‬المبلغ‭ ‬المُختلِس،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬فحص‭ ‬بيانات‭ ‬السحب‭ ‬والإيداع‭ ‬وجدوا‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الأموال‭ ‬كلها‭ ‬تم‭ ‬تحويلها‭ ‬إلى‭ ‬حساب‭ ‬واحد،‭ ‬وبمراجعة‭ ‬بيانات‭ ‬هذا‭ ‬الحساب‭ ‬وجدوا‭ ‬أنه‭ ‬خاص‭ ‬بأحد‭ ‬الموظفين،‭ ‬هو‭ ‬ايب‭.‬

سقوط موظف البريد

حتى‭ ‬قبل‭ ‬إبلاغ‭ ‬مباحث‭ ‬البريد،‭ ‬كان‭ ‬ايب‭ ‬يشارك‭ ‬مع‭ ‬زملائه‭ ‬المشكلة‭ ‬التي‭ ‬تعرضوا‭ ‬لها،‭ ‬ويقترح‭ ‬أفكارًا‭ ‬ويقدم‭ ‬حلولا‭ ‬ويحاول‭ ‬معهم‭ ‬معرفة‭ ‬سر‭ ‬هذه‭ ‬السرقات‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬فجأة،‭ ‬وعلى‭ ‬وجه‭ ‬علامات‭ ‬الدهشة‭ ‬والغرابة‭ ‬كمثل‭ ‬ما‭ ‬على‭ ‬الموظفين‭ ‬من‭ ‬دهشة‭.‬

لكن‭ ‬ما‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬إبلاغ‭ ‬مباحث‭ ‬البريد‭ ‬وبدأت‭ ‬بدورها‭ ‬التحقيق‭ ‬في‭ ‬الواقعة‭ ‬اختفى‭ ‬تمامًا،‭ ‬لم‭ ‬يأت‭ ‬إلى‭ ‬عمله‭ ‬ولم‭ ‬يبيت‭ ‬ليلته‭ ‬في‭ ‬بيته،‭ ‬بل‭ ‬أنه‭ ‬أثناء‭ ‬الليل،‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬القرية‭ ‬هاربًا‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يعلم‭ ‬أحد‭ ‬عنه‭ ‬شيء،‭ ‬حتى‭ ‬أهله‭. ‬

لاحظ‭ ‬الموجودون‭ ‬ذلك‭ ‬بعد‭ ‬معرفة‭ ‬السارق،‭ ‬ولاحظوا‭ ‬اختفاءه‭ ‬الذي‭ ‬أكد‭ ‬لهم‭ ‬أنه‭ ‬وراء‭ ‬الواقعة‭ ‬تلك‭ ‬وأنه‭ ‬سارق‭ ‬أموال‭ ‬أهل‭ ‬قريته‭.‬

على‭ ‬الفور‭ ‬كلف‭ ‬اللواء‭ ‬طارق‭ ‬مشهور‭ ‬مساعد‭ ‬وزير‭ ‬الداخلية‭ ‬مدير‭ ‬أمن‭ ‬بني‭ ‬سويف؛‭ ‬اللواء‭ ‬أشرف‭ ‬حلمي‭ ‬نائب‭ ‬مدير‭ ‬الأمن،‭ ‬واللواء‭ ‬أسامة‭ ‬جمعة‭ ‬مدير‭ ‬إدارة‭ ‬البحث‭ ‬الجنائي‭ ‬بالمديرية،‭ ‬بتشكيل‭ ‬فريق‭ ‬بحث‭ ‬من‭ ‬إدارة‭ ‬البحث‭ ‬الجنائي‭ ‬برئاسة‭ ‬العميد‭ ‬منصور‭ ‬الدغيدي‭ ‬رئيس‭ ‬المباحث‭ ‬الجنائية،‭ ‬يضم‭ ‬الرائد‭ ‬شريف‭ ‬جمال‭ ‬عمر‭ ‬رئيس‭ ‬مباحث‭ ‬مركز‭ ‬الفشن،‭ ‬ومعاونوه‭ ‬بالاشتراك‭ ‬مع‭ ‬العقيد‭ ‬وليد‭ ‬قرني‭ ‬رئيس‭ ‬مباحث‭ ‬البريد‭ ‬لمنطقة‭ ‬شمال‭ ‬الصعيد،‭ ‬وذلك‭ ‬لسرعة‭ ‬ضبط‭ ‬وإحضار‭ ‬اللص‭ ‬الهارب‭ ‬قبل‭ ‬فراره‭ ‬بالأموال‭ ‬التي‭ ‬اختلسها‭ ‬خارج‭ ‬البلاد‭.‬

وبالفعل‭ ‬في‭ ‬سويعات‭ ‬قليلة،‭ ‬استطاع‭ ‬فريق‭ ‬البحث‭ ‬الجنائي‭ ‬تحديد‭ ‬مكان‭ ‬تواجد‭ ‬المتهم‭ ‬الهارب،‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬الشقق‭ ‬السكنية‭ ‬بمنطقة‭ ‬حلوان‭ ‬بالقاهرة،‭ ‬وبالتنسيق‭ ‬مع‭ ‬إدارة‭ ‬البحث‭ ‬الجنائي‭ ‬بالقاهرة‭ ‬ومباحث‭ ‬حلوان،‭ ‬تحركت‭ ‬مأمورية‭ ‬أمنية‭ ‬داهمت‭ ‬محل‭ ‬تواجد‭ ‬ايب‭ ‬وتم‭ ‬القبض‭ ‬عليه‭. ‬وترحيله‭ ‬إلى‭ ‬مديرية‭ ‬أمن‭ ‬بني‭ ‬سويف‭ ‬لمعرفة‭ ‬أماكن‭ ‬اختفاء‭ ‬تلك‭ ‬المبالغ‭ ‬التي‭ ‬استولي‭ ‬عليها‭ ‬تمهيدًا‭ ‬لإحالته‭ ‬إلى‭ ‬نيابة‭ ‬الفشن‭ ‬للتحقيق‭ ‬معه‭ ‬تحت‭ ‬إشراف‭ ‬المستشار‭ ‬مصطفى‭ ‬المتناوى‭ ‬المحامى‭ ‬العام‭ ‬الأول‭ ‬لنيابات‭ ‬بنى‭ ‬سويف،‭ ‬والتي‭ ‬أمرت‭ ‬بحبسه‭ ‬‮٤‬‭ ‬أيام‭ ‬على‭ ‬ذمة‭ ‬التحقيق‭ ‬مع‭ ‬مراعاة‭ ‬التجديد‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬الموعد‭ ‬المحدد‭.‬

المجني‭ ‬عليهم‭ ‬

في‭ ‬حديثهم‭ ‬لـ‭ ‬اأخبار‭ ‬الحوادثب‭ ‬قال‭ ‬بعض‭ ‬المجني‭ ‬عليهم؛‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الواقعة‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أحد‭ ‬يكتشفها‭ ‬لولا‭ ‬أن‭ ‬أحدهما‭ ‬يوم‭ ‬أن‭ ‬ذهب‭ ‬لإيداع‭ ‬أمواله‭ ‬وجد‭ ‬فرق‭ ‬كبير‭ ‬بين‭ ‬المبلغ‭ ‬الموجود‭ ‬في‭ ‬حسابه‭ ‬والمدون‭ ‬على‭ ‬دفتر‭ ‬التوفير‭ ‬الخاص‭ ‬به،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬علم‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬أهالي‭ ‬قرية‭ ‬شنرا‭ ‬الأمر‭ ‬ذهبوا‭ ‬للتحقق‭ ‬من‭ ‬حساباتهم،‭ ‬وبالفعل‭ ‬وجد‭ ‬الكثير‭ ‬منهم‭ ‬سرقات‭ ‬في‭ ‬حساباتهم،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬أحدهما‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬في‭ ‬حسابه‭ ‬جنيهًا‭ ‬واحدًا،‭ ‬وآخرون‭ ‬تم‭ ‬سحب‭ ‬أموالا‭ ‬طائلة‭ ‬من‭ ‬حساباتهم‭.‬

أما‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬عرفوا‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬عمليات‭ ‬السرقة‭ ‬انتابتهم‭ ‬الدهشة،‭ ‬وقالوا‭ ‬أن‭ ‬سماع‭ ‬خبر‭ ‬سرقة‭ ‬ايب‭ ‬لأموالهم‭ ‬كانت‭ ‬أشد‭ ‬وطأة‭ ‬عليهم‭ ‬من‭ ‬سرقة‭ ‬أموالهم‭ ‬نفسها،‭ ‬أذ‭ ‬أنهم‭ ‬لم‭ ‬يصدقوا‭ ‬أن‭ ‬ابن‭ ‬قريتهم‭ ‬هو‭ ‬ذلك‭ ‬اليد‭ ‬الآثمة‭ ‬التي‭ ‬امتدت‭ ‬ظلمًا‭ ‬وبهتانًا‭ ‬وسرق‭ ‬أبناء‭ ‬قريته‭.‬