مجرمون تحت 18| انتشار عنف الأطفال وألعاب الإنترنت فى قفص الاتهام

مجرمون تحت 18
مجرمون تحت 18

«سيف» لقى مصرعه على يد زميله.. و«طه» أقدم على الانتحار شنقًا
«حنين» قتلت طفلة 4 سنوات تقليدًا لمقطع فيديو

ألعاب متناثرة تغطيها الدماء، صراخ واستغاثات تملأ أرجاء المكان، تحولت المزحة إلى جريمة مكتملة الأركان.. هكذا هو المشهد فى إحدى جرائم القتل، لكن المتهم هذه المرة طفل جعل من السكين لعبة، فراح ضحيتها شقيقه الأصغر صاحب الـ 4 أعوام..

جريمة حدثت مؤخراً بمنطقة الهرم فى محافظة الجيزة، لتكشف التحقيقات أن الشقيق الأكبر صاحب الست سنوات كان يقلد أفلام «الكرتون» حين تسبب بجرح قطعى فى رقبة شقيقه ليلقى مصرعه فى الحال وسط ذهول الأسرة..

لكنها ليست الأولى من نوعها، فهناك العديد من الجرائم التى نفذها «قُصّر» تحت السن القانونية للطفولة والتى حددتها المواثيق الدولية بعمر «18 عامًا»، لذا حرصت «الأخبار» على دق ناقوس الخطر، ورصد مظاهر العنف لدى الأطفال بالوقائع والتعرف على أسباب انتشارها وكيفية تفاديها.

 

فى أول شهر سبتمبر من العام الجارى قام (ز.م) يبلغ من العمر 15 عامًا، بقتل صديقه وتمزيقه بخنجر وسط الشارع وذلك فى محافظة الأقصر، بعد نشوب خلافات تطورت حد القتل على الرغم من أن مرتكب الجريمة لا يزال حسب القانون طفلا، وهذه ليست الواقعة الوحيدة، حيث أنه العام الماضى وتحديدًا فى شهر فبراير لقى «سيف» -الذى لم يكمل العاشرة من عمره- مصرعه على يد زميله فى منطقة المعصرة، وهو من نفس عمره بعدما طعنه بسكين فى صدره، بعد مشاجرة نشبت بينهم كأى زميلين إلا أن حدتها تطورت حد القتل.


واقعة أخرى مأساوية حدثت فى منطقة الوراق بالجيزة، حين تربص الطفل «سيف» البالغ من العمر 17 عامًا بصديقه -من نفس عمره - أثناء خروجه من محل «الحلاقة» المعتاد تردده عليه، بإصرار وترصد وبادره بطعنتين نافذتين بالقلب والبطن بواسطة سكين المطبخ، ليفارق الحياة فى الحال وسط ذهول الأهالي.


جرائم العنف ليست مقتصرة على الأطفال الذكور فقط، بل إن هناك فتيات قاصرات ارتكبن جرائم عنف أيضًا، ومثال على ذلك، الطفلة «حنين» والتى تبلغ من العمر 13 عامًا، استدرجت ضحيتها «ريتاج» وشهرتها «هايدي» بدعوى توصيلها لمنزلها، وصنعت لها مشنقة لتنهى حياتها فى غضون دقائق، وذلك بمركز أوسيم محافظة الجيزة، وبعدما قامت بفعلتها بدلت ملابسها وأكملت حياتها بشكل طبيعي، وقد تم العثور على جثة طفلة 4 سنوات داخل منور عقار مجاور للعقار سكنها، مُعلقة من رقبتها بسلك كهرباء مربوط بصندوق حديدي، وحين مواجهة المتهمة اعترفت تفصيلياً بارتكابها الواقعة تقليداً لمقطع فيديو حول الشنق على موقع «يوتيوب» اعتادت مشاهدته وتأثرت به، وحين وجدت الضحية تسير بمفردها فى الشارع قررت تنفيذ ذلك.


قتل النفس


العنف لم يعد مرتبطًا فقط بقتل الغير لدى الأطفال، بل تجاه انفسهم أيضًا وظهرت لدى بعضهم ميول انتحارية تقليدًا للمشاهد العنيفة، وهذا ما حدث بالفعل فى محافظة الدقهلية شهر مايو من العام الجاري، حين أقدم طفل فى الصف الرابع الابتدائى على الانتحار بعد توجيه جدته إهانة قاسية له أمام زملاؤه وهو الأمر الذى لم يتحمله..

 

 

وعلى الرغم من تعرض معظم الأطفال للتوبيخ عندما يلهون بصوت عال او يسببون الازعاج لمن حولهم وهو الأمر الذى يحدث على الدوام فى معظم المنازل، إلا أن الطفل الذى لم يتجاوز 11 عامًا، وبخته جدته بسبب الصوت المرتفع اثناء اللعب مع زملائه، ودخل غرفته وظل يبكى وغاب كثيرًا، وعندما استشعروا غيابه، وجدوه قاتلا لنفسه شنقًا دون تردد منه بعد هذا الموقف، وتكررت الواقعة مرة أخرى شهر مارس من العام الجاري، ولكن فى محافظة قنا، حيث أقدم طه.م - 15 عامًا- طالبًا فى المرحلة الاعدادية على الانتحار شنقًا..

 

يذكر أنه فى المادة 111 من قانون العقوبات التى توقع على الطفل ما بين الـ 15 و الـ 18 سنة، فقرر المشرع ألا يحكم بالإعدام ولا بالسجن المؤبد ولا بالسجن المشدد على المتهم الذى لم يجاوز سنة الـ 18 سنة ميلادية كاملة وقت ارتكاب الجريمة، ومع عدم الإخلال بحكم المادة (17) من قانون العقوبات، إذا ارتكب الطفل الذى تجاوزت سنة 15 سنة جريمة عقوبتها الإعدام أو السجن المؤبد أو السجن المشدد يحكم عليه بالسجن، وإذا كانت الجريمة عقوبتها السجن يحكم عليه بالحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر..

 

بحسب إحصاء لعدد الجرائم التى تمت فى القاهرة الكبرى والتى تشمل ثلاث محافظات وهى القاهرة والجيزة والقليوبية والتى أعلنت عنها الجهات الامنية عام 2020، فقد بلغت 25 جريمة من بينهم طفلين ارتكبوا جرائم قتل، كما أوضحت دراسة أصدرها المركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية، أن الأطفال المحكوم عليهم أو المحبوسين احتياطيًا بلغ عددهم أكثر من 10 آلاف طفل، وزيادة نسبتهم بعد عام 2011 لترتفع بنسبة 25%..

وأوضحت الدراسة أن 23% من نسبة الأطفال المسجونين محكوم عليهم بمدة تزيد على 10 سنوات، وزيادة نسبة المحكوم عليهم فى جرائم القتل العمد، إلى 20% من المحبوسين، فى حين وصلت نسبة الأحكام بالحبس من 3 سنوات إلى سبع سنوات إلى 22.8% من الأطفال، وتراوحت باقى الأحكام بين نسبة الأطفال المحكوم عليهم بالحبس لمدة أقل من 3 سنوات، وبين باقى الأطفال المحكوم عليهم بعقوبات مختلفة، كما كشفت دراسة جديدة بأحداث شمال الجيزة عن أن هناك 15 ألف جريمة ارتكبها الأطفال دون الـ18 خلال عام 2016 منها 217 ضرب و 4 قتل و75 قضية سلاح.


سلوك الأطفال


فى هذا الصدد، تعلق د. عبلة البدري، أستاذ علم الاجتماع، أن عنف الأطفال وجرائمهم ترجع إلى عدة مصادر، أهمها الأسرة فعندما يرى الطفل عنف داخل أسرته يتولد بداخله نزاعات عنيفة يحاول تطبيقها على أرض الواقع، سواء فى المدرسة مع أصدقائه أو مع أفراد عائلته، بالإضافة إلى البيئة المحيطة التى تساهم فى تشكيل سلوك الأطفال، فإذا كانت تتسم بالعنف سينتقل ذلك إلى الطفل بكل سهولة.

وتتابع بأن الطفل يتأثر كثيراً بالأعمال، المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، والألعاب ذات المضمون العنيف والتى أدت لحوادث قتل وانتحار بين الأطفال والمراهقين..

وتشير إلى أن الحل يتمثل فى الرقابة على الطفل فيما يشاهده، ومتابعة سلوكياته خاصة فى المدرسة، والاهتمام بالتنشئة السليمة، لذلك يقع على الأسرة الدور الأكبر.


من جانبها تقول سوسن فايد، أستاذ علم النفس بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، إنه يجب التقرب إلى الأبناء بحديث مشترك يجمع بينهما، ويجب أن يحرص الآباء على جعل ابنائهم يمارسون الرياضة و شغلهم بهوايات مختلفة.


وأكدت على ضرورة التوعية بشكل مباشر ومناسب من مخاطر الوقوع فى مثل هذه الأخطاء او ارتكاب العنف، وضرورة مصارحة الأهل حال ارتكاب أى خطأ، واكتشاف ميول الأبناء ومعرفة نفسياتهم لتفادى أى خطر أو ميول للعنف وإخراج طاقتهم بشكل مفيد وفعال للمجتمع.