شريف بكر
أتذكر جيدًا أحد سفرائنا فى وسط أفريقيا وهو يتحدث عن نظرة الدول الأفريقية السمراء لمصر باعتبارها ليست أفريقية، على الرغم من اعتزازنا بأفريقيتنا وأننا نقع فى قارتين وأن لنا أكثر من توجه عربى أفريقى إسلامي، ولكن يُنظر إلينا على أننا لسنا أفارقة حقًا.
وعلى الرغم من انزعاجنا من هذه النقطة، فما هى النظرة التى نرى نحن بها أفريقيا وما انعكاسها على الأدب المترجم؟
والأهم فى عرضى هذا ما هى النظرة التجارية التى نرى بها الوضع من ناحية الترجمة؟
نحن كدار نشر جزء من هدفنا ورسالتنا هو أن ننشر من كل دول العالم أفضل ما فيها.
ففى مكتبى خريطة كبيرة للعالم، كلما «غزونا» دولة نضع نقطة عليها، ونطمع فى أن يكون لدينا كتاب واحد على الأقل من كل دولة فى العالم. اقترب الرقم الآن من ستين دولة وحوالى 250 كتاباً مترجماً، منهم من أفريقيا؛ أنجولا، والكونغو، وكوت دى فوار، ونيجيريا، ومالي، وزيمبابوي، وكينيا، وجنوب أفريقيا.
لكن، التساؤل الذى طُرح فور فوز عبد الرزاق قرنح وخصوصًا أننا لا نعرف عنه أى شيء، وعدم وجود أى ترجمة عربية لأى من كتبه، هو لماذا؟
أنا سأطرح الإجابة من وجهة نظرى كناشر مستقل. يُنظر إلى الأدب الأفريقى بالكثير من الاستعلاء من قِبل القراء العرب؛ فنحن نسمع الكثير من التعليقات العنصرية من القراء عند عرض الكتب الأفريقية عليهم. كما نضطر فى بعض الأحيان إلى أن نوضح أن الكاتب يُعتبر مثلًا فرنسياً، لأنه يكتب بالفرنسية، وعلى الرغم من أن الكاتب عادة ما يكتب عن وطنه الأم أو عن حالة مواطنى وطنه فى فرنسا، فإننا مع ذلك نلجأ لإقناع القارئ بشراء الكتاب.
وأحد الأسباب التى يطرحها القراء لعدم اهتمامهم بالأدب الأفريقى هى النظرة الدونية لنا ولأفريقيا بشكل عام فالتطلع دائمًا لما وراء البحر لأوروبا أو أمريكا حيث يكون الحلم. لذلك يلجأ القراء بشكل كبير لأدب أمريكا اللاتينية فهى تمثل الغرائبية والسحر وحتى لو قرأوا من أدب آسيا (رغم تنوعه) فهو من قبيل أن هذه الدول وصلت إلى حالة أفضل منا بكثير وأنهم يريدون أن يعرفوا عنها أكثر.
لذلك من الصعب على ناشر مستقل أن يبدأ هو بتبنى مثل تلك الكتب لصعوبة تسويقها ولصعوبة وجود ترجمة من اللغة الأصلية لتلك الدول سواء السواحيلية (والتى يوجد حاليًا مترجم واحد فقط وقمنا بترجمة عمل معه) والأفريكان أو الهوسا.
لفترة تصدرت سلسلة الجوائز نشر تلك الكتب، وأصدرت العديد من الأعمال لكتّاب من دول أفريقية، وهو كما نقول دائمًا دور الدولة فى التصدى لتلك الأعمال التى يعزف عنها الناشر المستقل، بل ودعا معرض الكتاب أكثر من مرة كتاب من أفريقيا لكن أيضًا كان حضور الندوات ضعيف جدًا وهو ما يعكس اهتمامات القارئ وبالتالى لا يدعم مثل تلك الكتب.
الكثير من الكتّاب الذين تصدرنا ترجمة أعمالهم يحملون جنسية مزدوجة، فالكاتب أصله من مالى ولكن يكتب ويعيش فى فرنسا مثلًا. ومع الاهتمام الأوروبى بالتركيز على تلك الكتب وهو ما ظهر فى القوائم الطويلة والقصيرة للجوائز وأشهرها الجونكور الفرنسية، احتلها أصحاب البشرة السمراء بكتبهم التى إما تتحدث عن قصص من الوطن أو كيف وصلوا إلى أوروبا أو وضعهم الحالى فى أوروبا.
وهذا ينطبق على المستعمرات الأفريقية؛ فالبرتغال مثلا تهتم بشكل كبير بكتابها من أنجولا أو موزمبيق، ولكل من يكتبون باللغة البرتغالية بل ويدعموهم.
وهو ما ينقلنا إلى نقطة آخرى مهمة؛ فكل دول العالم تدعم الترجمة عن لغتها وأدبها وهناك برامج متخصصة فى ذلك تسعى لترويج ونشر القوى الناعمة عن طريق الترجمة. ولكن تقريبًا لا يوجد برنامج دعم واحد فى قارة أفريقيا لمثل هذا النشاط بما فى ذلك فى مصر أو من اللغة العربية.
فعبد الرزاق قرنح، رغم أن أصوله من تنزانيا، لم يكتب بالسواحيلى أو تترجم أعماله إلى لغة بلده، بل هو يعيش فى إنجلترا ويكتب بالإنجليزية رغم أن كتبه تتناول الهجرة والمهاجرين. وهو ما يشبه الكثير من الكتاب العرب من شمال أفريقيا الذين يكتبون بالفرنسية عن العرب وعن مشاكلهم ولا تترجم أعمالهم إلا لو حصلت على جائزة فى فرنسا أو تم دعمها من المعهد الفرنسى أو المركز القومى للكتاب.
ومن المعروف أن لجنة نوبل تنظر إلى الأعمال المترجمة للغات الشهيرة فقط (وهو ما يشوبه عدم الحياد أو العدل) ولا توجد فرصة للأعمال المكتوبة بلغاتها الأصلية. ومن بين الكتاب الأفارقة الحاصلون على نوبل فى الآداب فقط نجيب محفوظ الذى يكتب بلغة بلده الأصلية والباقى يكتب بلغة آخرى. فوولى سوينكا نيجيرى يكتب بالإنجليزية، نادين جورديمير جنوب إفريقية تكتب بالإنجليزية، جى إم كوتزى جنوب إفريقى أسترالي، دوريس ليسينج الإنجليزية والتى تتميز كل كتابتها عن موزمبيق وفترة حياتها هناك. فالكل متصل عن طريق اللغة وحتى بدون ترجمة.
ومن الملاحظ أيضًا رغم كل هذا ورغم وصول عبد الرازق قرنح إلى أكثر من قائمة طويلة وقصيرة فى جوائز مختلفة إلا أنه لم يترجم له الكثير من الكتب إلى لغات مختلفة. 3 باللغة الفرنسية، و2 باللغة الإسبانية و5 باللغة الألمانية.
وأنا كناشر أتخيل حجم الايميلات المرسلة للوكيل الأدبى الخاص بالكاتب بعد دقائق من إعلان الجائزة، بل أن موقع دار النشر توقف عن العمل لبضع دقائق فور إعلان الجائزة وهو ما يشير إلى كمية الناشرين المهنيين المهتمين باقتناص أعماله وترجمتها إلى لغتهم. بل تلقيت طلبًا من ناشرة فرنسية تطلب إيميل الوكيل الأدبي. فأحب أن أطمئن القارئ الشغوف العربى أن قريبًا جدًا سيقرأ أعمال عبد الرازق قرنح بالعربية وهذا جزء من سحر الجوائز.