فى الصميم

امبراطورية «فيسبوك» فى قفص الاتهام

جـلال عـارف
جـلال عـارف

ليست هذه هى المرة الأولى التى يواجه فيها عملاق التواصل الاجتماعى «فيسبوك» الاتهامات التى كان ينجح بسطوته فى الإفلات منها، والمضى قدماً فى تعزيز امبراطوريته التى أصبحت أقوى من الدول وأشد تأثيراً.


لكن يبدو أن الموقف هذه المرة يختلف، والعاصفة لن تمر بسلام على «فيسبوك» ولم يعد ممكناً أن تستمر الشركة العملاقة متحصنة بأسوار الغموض والسرية التى تمنع العالم من أن يعرف ما يجرى داخل هذه الامبراطورية.


ربما كانت الصدفة وحدها (وإن كان صعباً تصور ذلك!) هى التى ربطت بين حدثين هامين وضعا «فيسبوك» وتطبيقاتها الأخرى. فى عين العاصفة. فى الحدث الأول كان العالم كله يهتز مع التعطل التام لفيسبوك وتطبيقاته الأخرى لأكثر من ست ساعات حرم فيها 3.5 مليار من سكان العالم من التواصل، وتوقف العمل فى مؤسسات هامة وأدرك الجميع حجم الاعتماد على شبكات التواصل وتأثير ذلك على الدول والأفراد.


وبينما كان «فيسبوك» يحاول طمأنة الجميع ومحاصرة المخاوف بالتأكيد على أن ما حدث كان مجرد «خطأ تقنى» وليس تخريباً متعمداً أو قرصنة للحسابات.. كان الحدث الثانى (وربما الأخطر) يجرى فى الكونجرس الأمريكى حيث كانت «فرنسيس هوجن» التى تركت موقعها بين قيادات الشركة العملاقة تقف أمام إحدى لجان المجلس لتدلى بشهادتها الخطيرة حول ما تمثله «فيسبوك» من تهديدات للمجتمعات والأفراد!!


كانت السيدة «فرنسيس» قد تركت «فيسبوك» ومعها العديد من الوثائق، ومعها أيضاً الكثير من المعلومات عما يجرى داخل امبراطورية «فيسبوك» التى تتحصن بالغموض والسرية الكاملة. وفى شهادتها الهامة توالت الاتهامات المزلزلة: «فيسبوك» وتطبيقاتها المتعددة تضع الربح المادى قبل سلامة المستخدمين..

والشركة العملاقة تعرف جيداً أن تطبيقهاتها تضر بالمراهقين والأطفال وتهدد الصحة النفسية للفتيات والنساء. والأضرار تمتد للدول والمجتمعات سواء بتغذية الانقسامات وإضعاف الديموقراطية، أو حتى بتهديد الأمن القومى بأنشطة تجسس من بعض الدول (تم ذكر إيران والصين) أو بنشر ما يسهم فى مذابح كالتى شهدتها أثيوبيا وميانمار ثم فى محاولة التغطية عليها (!!).


«فيسبوك» نفت بالطبع الاتهامات، لكنها أقرت فى النهاية بالحاجة للإصلاح ولوضع قواعد أكثر دقة للتعامل مع الانترنت.

بينما توافق الجمهوريون والديمقراطيون فى الكونجرس الأمريكى على المضى فى إجراءات لتصحيح الأوضاع خاصة بعدما جاء فى شهادة السيدة «هوجن» عن تهديد للأمن القومى وإضرار بسلامة المجتمع وخاصة الأطفال المستهدفين بصورة أكبر من «فيسبوك» وتطبيقاته المختلفة.


بالطبع.. الحاجة إلى «فيسبوك» وغيره من التطبيقات لن تنتهى، لكن الضوابط آتية رغم أنف الجميع.

فلم يعد ممكناً أن يظل عالم «فيسبوك» غارقاً فى السرية والغموض.

سيتم فرض الشفافية على عمل عملاق التكنولوجيا المعلوماتية، وستكون هناك معايير حازمة تضمن سرية المعلومات، وتمنع استخدام المنصات للإضرار بالمجتمعات والأفراد ولحماية الأطفال.

وربما سيكون على «فيسبوك» أن تنقسم إلى عدة شركات منعاً للاحتكار.

وسيبقى الأهم: أن تكون سلامة الأفراد والمجتمعات أهم من جنى الأرباح ومضاعفة الثروات!!


مرت «فيسبوك» بأزمات كثيرة، واستطاع مؤسسها ومديرها «زوكر بيرج» أن يتجاوز كل الأزمات والأعاصير ويستمر فى النجاح والتوسع ومراكمة الثروات. هذه المرة يبدو أن اعصار «هوجن» يهز أمبراطورية «الفيس» كما لم يحدث لها من قبل!!