رجال صنعوا النصر| «معركة الجزيرة الخضراء».. مفتاح نصر أكتوبر 

معركة الجزيرة الخضراء
معركة الجزيرة الخضراء

على مر التاريخ قدم الشعب المصري وقواته المسلحة أبطالاً وشهداء ثمنًا للكرامة، وضحوا بأنفسهم ليهبوا لنا الحياة.. وأبطالنا في ملحمة الجزيرة الخضراء يفخر التاريخ العسكري بما صنعوا فيها أروع ملاحم البطولة دفاعاً عن أرضنا المباركة.

تفاصيل دقيقة وهامة يرويها لنا اللواء دكتور «مصطفى أبو سديرة» أحد ابطال الدفاع الجوي في ملحمة الجزيرة الخضراء.

الثقة ورفع الروح المعنوية للجنود والأخذ بالعلم كانا سر استرجاع قوة الجندي المصري بعد إنكسارة في النكسة بحرب 1967، وتحقيق انتصار أكتوبر الذي مهد له من خلال حرب الإستنزاف التي خاضتها مصر ضد العدو بعد أن رأت مصر والدول العربية من العدو الكثير من الغرور والتفضل بالسلام على العرب التي اصطنعته بعد انتصارها.

كما قامت القيادة العامة للقوات المسلحة بتحليل نكسة 1967 وتم تحديد استراتيجية المرحلة المقبلة من خلال خطط وبرامج وتوقيتات الإعادة التنظيمية للقوات والتدريب الجاد وإعداد المقاتل، حيث بدأت تلك المراحل قبل أن ينصرم شهر يونيو 1967، حيث بنيت تلك المرحلة على أساس عزيمة وإيمان المقاتل في جيشنا وقدراته على القتال، معتمداً على الضبط والربط والأخلاق والروح القتالية تمهيداً لإعادة سيناء بالكامل.

وتابع اللواء مصطفى أبو سديرة لـ"بوابة أخبار اليوم"، أتذكر ذلك اليوم جيدًا فهو 19 يوليو تاريخ لا ينسى من ذاكرة المصرىين ففيه سطرت القوات المصرية واحدة من أهم ملاحم البطولات العسكرية التى عرفت بـاسم "معركة الجزيرة الخضراء".

المعركة وقعت في الفترة من 19 إلى 21 يوليو عام 196، والتى خاضتها القوات المصرية خلال حرب الاستنزاف 1967 1967.

وعلى أرض هذه الجزيرة الصغيرة نجحت قوة مصرية صغيرة محاصرة في التصدي لهجوم عنيف شنته «سريتا كوماندوز» بحرية للعدو مدعومة بقصف بحري وجوي، وانتهت العملية للعدو التى أطلق عليها «بولموس6» بالفشل، ووصلت خسائر العدو إلى 11 قتيلاً وستة جرحى، بحسب الأرقام الإسرائيلية، فضلاً عن إسقاط طائرتين خلال الغارات على بطاريات الصواريخ المصرية.

"موقع الجزيرة الخضراء" كان ضمن القواعد البريطانية في مصر قبل الجلاء، وهو موقع تم تحصينه ضد القنابل ويمثل إشكالية خطيرة لاسرائيل، ويضم موقع إنذار مبكر ضد الغارات.

ورغم أن مساحتها التى تصل إلى 190 مترًا في 90 مترًا فقط إلا أنها كانت تحتوى على مدفعية أرضية ومدافع مضادة للطيران ونقطة أرصاد و إنذار مبكر.

وقال أبو سديرة، رغم إن القوات المسلحة المصرية خرجت من حرب يونيو1967 بخسائر فادحة في الأفراد المعدات والأسلحة، بالإضافة إلى إنخفاض الروح المعنوية لدى الأفراد إلا أن ذلك لم يضعف من عزيمتهم بل ازدادوا قوة وعزيمة فنجحوا في إعادة تنظيم وتسليح وتدريب المقاتلين وإعادة الثقة في أنفسهم وقادتهم وسلاحهم لتحرير الأرض التي أغتصبها العدو.

ووصف اللواء أبو سديرة  المعركة بأنها أشرف وأنبل المعارك، وكانت بمثابة مفتاح النصر لحرب أكتوبر المجيدة، مشيرًا إلى أن المعركة تمت على أرض الجزيرة الصغيرة والجزيرة كان عليها وحدة للدفاع الجوي.

وبدأت العملية في الساعة الثانية عشرة ليلاً في 19 يوليو، فأحضرت قواتنا العديد من الجنود والضباط وصناديق القنابل اليدوية، بالإضافة إلى قذائف لهب وذخائر وألغام بحرية تم زرعها تحت المياه لمواجهة ضفادع العدو البشرية.

واجهت هذه القوات إنزال مئات جنود العدو حاولوا التسلل بصمت للإجهاز على كل الجنود المصريين، لتبدأ مواجهة عنيفة عجز العدو خلالها عن دخول الصخرة بدماء شهدائنا.

ويقول  أبو سديرة " كنا في الجزيرة ووجدنا مدفعية العدو تقذفنا ولكن السراديب والمخازن وقفت عائق أمام وصولها إلينا وأختبئنا داخل المخازن، وبعد أن هدأ الهجوم المدفعي قمنا باستطلاع الموقع عبر الأجهزة، التى كانت لدينا فوجدنا لانشات بحرية للعدو من نوع زوديك".

ويتابع : "تم توزيع القوات المصرية الموجودة في الجزيرة على الجهات الأربع لمداخل ومخارج الجزيرة للاستعداد لأي هجوم قادم، وكنا مدربين ومجهزين بالأسلحة وبعد أن رصدنا أعداد الزوارق الإسرائيلية قمنا بتدميرها، وألحقنا بالعدو خسائر بشرية ولم تتعرض قواتنا الباسلة لأي خسائر بشرية".

وما ساعد القوة المصرية أن الجزيرة كانت مرتفعة عن البحر فقاموا بمهاجمة مراكب الانزال الصغيره ليكبدوهم خسائر كبيرة في المعدات والأفراد ليجن جنون قوات العدو ويقوموا بقذف الجزيره بمنتهى العنف والوحشية بالمدفعية والهاونات الثقيلة، والقنابل الفسفورية المحرمة دوليا و الرشاشات الثقيله لتغطية محاولات تسلق جدران الجزيرة، وقاموا بالدفع بكل القوات الاحتياطيه والهجوم بالجنود للعدو بكل قوه وسط مقاومة شرسة من جنود الجزيرة، والذي كان سلاحهم الرئيسي مدافع دفاع جوي.

و بالرغم من سير اللانش بسرعة بطيئة حتى يخفض من صوت المواتير لعدم كشفهم وبعد الكر والفر في البحر إلا أنه تعرض بوابل من العنف من نيران السفن الحربية للعدو التي اكتشفت وجوده في محاولةً لاغراقه ليستشهد 7 جنود آخرين، ويصاب 11 جنديًا أخر باصابات بالغة فوق المركب و قبل وصولهم إلى الجزيرة، ويصاب الضابط «مجدي بشارة» في قدمه ونجحنا في الوصول إلى الجزيرة واعتلاء الجزيرة من الجانب الغربي، الذي كان غير مركز به هجوم العدو.

 ويضيف أبو سديرة : "وواجهتنا مشكلة أخرى، فنظرًا للظلام الدامس في هذه الليلة كانت باقي القوة المصرية الموجودة على الجزيرة لديها شعور باقتراب قاربين من الجزيرة و ظنا منهم إنها قوارب العدو، وفتحت عليهم النيران بكثافه ليستشهد 4 جنود آخرين ويصاب خمسه آخرين، ورفعنا أصواتنا أنا والنقيب مجدي بشارة لهم، وسط صوت انفجارات القنابل والاشتباكات وطالبنهم بوقف الضرب ليتفاجىء الجنود بالقادة وسطهم يشاركونهم القتال مما رفع روحهم المعنوية، وشد أزرهم ومع إحساس العدو بوصول مقاومة جديدة، كانت حسابات مجدي بشارة أنه مع «دك» الجزيره سيسقط قطعًا هو وجنوده شهداء و لكن أيضا ستصيب المدفعية القوات المهاجمة سواء الذين نجحوا في اعتلاء الجزيرة أو مازالوا حولها بخسائر فادحة لن يتحملوها.
 
فيقوم بأمر جنوده بترك مواقعهم و النزول إلى المخابىء السفلية، و بالفعل و في لحظة واحدة نزل الجحيم على الجزيرة من المئات من المدفعية الثقيله للجيش الثالث الميداني على الجزيرة وحولها لأكثر من 10 دقائق، ثم يسود الصمت القاتل ونجيت أنا بإصابه ومجدي بشارة وجنوده من القصف، ما عدا 2 جنود استشهدوا وبالرغم من تدمير باقي منشآت الجزيرة، كانت الساعة في هذا الوقت تجاوزت الخامسة و النصف فجرًا، و بدأ النهار في الظهور وصعدنا إلى الجزيرة وكانت خاويه تماما من أي نوع من أنواع الحياه.

وقاموا بالانسحاب من الجزيرة لعدم قدرتهم على تحمل خسائر الضرب المدفعي، فكانت الفرحة عارمة والتهليل والتكبير لا يوصف، ليشاهدوا الاسرائيليين وهم يقومون بعمليات إخلاء للمصابين والقتلى من المياه.

لينقلب الوضع تمامًا رأسًا على عقب وقمنا بمطاردة القوارب والزوارق المنسحبة، والتي تقوم باجلاء ضحاياها وضربهم بآخر مدفعين يمتلكوه على الجزيرة، ليكبدهم خسائر أخرى فادحه في الأرواح والمعدات و ينجحوا في إغراق المزيد من قواربهم.