مشاهد عبقرية حطمت أسطورة الجيش الذي لا يقهر

المشير طنطاوي
المشير طنطاوي

القيادة الإسرائيلية اعترفت بالإخفاق فى حرب أكتوبر، وضغطت تل أبيب على جولدا مائير رئيسة الوزراء لتقدم استقالتها والتى تمت فى 1974. 


وقالت فى مذكراتها «ليس أشق على نفسى من الكتابة عن حرب أكتوبر 1973».. اليوم نوثق ونكتب نحن عن تلك الحرب التى امتلأت بمشاهد عبقرية نرصد بعضا منها فقط لتشير إلى قوة «الله أكبر» عند العبور وقوة اتحاد القائد والجندى المصرى مسلما ومسيحيا فى يد واحدة ضد كيان لم يعد قوة لا تقهر.

المشير طنطاوى عبقرية العبور مرتين

 

فى ذكرى أشرف يوم فى تاريخنا كان لابد أن نحتفى بهذا البطل الذى رحل قبل عدة أسابيع.. هو واحد من تسعة فقط حملوا رتبة «المشير» فى تاريخ مصر. لكنه انفرد عن سابقيه فى أنه عبر  بنا مرتين بعبقرية..

 

العبور الأول كان فى ٦ أكتوبر ١٩٧٣ حين عبر المقدم أركان حرب محمد حسين طنطاوى بالكتيبة ١٦ مشاة، قناة السويس إلى الضفة الشرقية وفى يوم ١٥ أكتوبر ١٩٧٣، بدأت معركة المزرعة الصينية، التى لقنّت العدو الإسرائيلى درسًا لم ولن ينساه، وكان لها أثر كبير فى النصر المجيد.

 


وفى 11 نوفمير 2011 عبر بنا هذا البطل العظيم العبور الثانى وخلال أقل من ٢٨ شهرًا اجتزنا معه فترة صعبة لن ننساها كان مخططًا ألا نعبرها، كما لم يعبرها غيرنا، حتى يومنا هذا. أدى المشير طنطاوى رسالته مقاتلًا وقائدًا، ثم خلال فترة رئاسته لمصر، بصفته رئيس المجلس الأعلى لقواتنا المسلحة، وتحمّل ما لا تتحمله الجبال من أجل مصر، بشهادة الرئيس عبد الفتاح  السيسى، الذى قال أيضًا، فى إحدى الندوات التثقيفية لقواتنا المسلحة إن «التاريخ سيتوقف أمام الدور الجليل الذى أداه المشير محمد حسين طنطاوى لحماية الوطن والحفاظ عليه والعبور بسلام بمرحلة من أصعب المراحل التى مرت بها مصر».

 

صاحب الشفرة

أحد أبطال المشاهد العبقرية فى ملحمة العبور كان هو  أحمد إدريس، ابن النوبة البسيط  وصاحب  فكرة شفرة حرب أكتوبر باللغة النوبية، رحل عنا الأيام الماضية لكن تبقى عبقريته لتظل حاضرة ولد أدريس عام 1937 وفى عام 1954، تطوع فى الجيش ضمن قوات حرس الحدود.

 

 

 

 

حضر حرب العدوان الثلاثي. وظل فى صحراء سيناء منذ عام 1957 حتى حرب اليمن. وبعدها دخل حرب 1967. ثم كان له الفضل فى فكرة استخدام اللغة النوبية كشفرة فى انتصار حرب أكتوبر، ولم يعلم أحد بخطة شفرة حرب أكتوبر حتى سنوات قليلة مضت، اعتبرت من الأسرار العسكرية، واحتفظ بها 40 عامًا، قبل أن يفصح عنها، ويتلقى على بطولته تقديرًا مصريًا لن يطويه الموت.

 

فى هذه اللحظة.. انتهت أسطورة الخط المنيع

يصف «جرانفيل واتس» أحد المراسلين الحربيين، لحظة استسلام نقطة لسان بورتوفيق، قائلا: «رأينا آخر موقع إسرائيلى محصن يعلن استسلامه، تحت إشراف الصليب الأحمر، لقد شاهدت العديد من الجنود الإسرائيليين يخرجون من خنادقهم ودشمهم، بينما ارتفع العلم المصرى،  وبجانبه علم الصليب الأحمر على  الموقع الإسرائيلى، وكان أول إسرائيلى نقلوه بالقوارب إلى الضفة الغربية هو قائد الموقع، وقد استسلم 37 أسيرا، بخلاف القتلى والجرحى، ومنهم 5 ضباط قتلى وبسقوط نقطة لسان بورتوفيق الحصينة، انتهت أسطورة خط بارليف المنيع» 

 

 

 

 


وفى الصورة يظهر اللواء زغلول فتحى، وكان فى حرب أكتوبر برتبة «رائد»، وهو قائد الكتيبة 43 صاعقة، التى التقطت بعد أن استسلام ضباط وجنود واحد من أكثر الحصون قوة ومناعة على الجبهة، وهو حصن «لسان بورتوفيق» وقد حظرت إسرائيل تداول تلك الصورة خلال الحرب حيث أوضحت كم الذل والانكسار التى عاشته قواتها.

 

عبقرية «سعادة» فى تصنيع وقود الصواريخ  

 

أزمة كبرى وقعت فيها مصر وكادت أن تكون سببا فى تأخير الحرب عن موعدها..

الاتحاد السوفيتى  قام ردًا على قرار السادات بطرد خبرائهم بالمماطلة فى إرسال السلاح وقطع غيار الأسلحة التى كانت تطلبها مصر منهم، و كان الوقود المستخدم فى تموين صواريخ الدفاع الجوى من بين الأشياء التى امتنع السوفييت عن تصديرها لمصر ..

معنى ذلك هو عدم قدرتنا على  استعمال صواريخ الدفاع الجوى فى المعركة وبالتالى عدم وجود الدفاع الجوى مما يؤدى لعدم قيام مصر بشن الحرب لاسترداد أرضها المحتلة ..

لجأ المشير محمد على فهمى قائد سلاح الدفاع الجوى آنذاك، للدكتور مهندس محمود يوسف سعادة  فقام بفحص وقود الصواريخ المنتهى الصلاحية ونجح بعد الدراسة والبحث فى استخلاص 240 لترًا صالحة للاستعمال وتم استيراد عينة من الوقود من إحدى الدول قام الدكتور سعادة بفك شفرتها ومعرفة نسب مكوناتها واستيراد هذه المكونات من الخارج ونجح الخبراء المدنيون والعسكريون تحت إشرافه فى إنتاج 45 طنًا من وقود الصواريخ.

 

 

وبهذا أصبح الدفاع الجوى المصرى فى كامل الاستعداد لتنفيذ دوره المخطط له فى عملية الهجوم وبلا أدنى شك يعتبر نجاح دكتور محمود سعادة فى تخليق الوقود المصرى للصواريخ عبقرية مصرية خالصة و أحد أهم أسباب نجاح حائط صواريخ الدفاع الجوى المصرى فى تدمير 326 طائرة إسرائيلية فى حرب أكتوبر 1973.

 

«  الأخبار » إلتقطت أشهر صورة عن الحرب

 

الفرق بين الصورتين 48 عاماً .. لكنها لنفس الشخص جندى مجند محمد طه يعقوب.. يشير بعلامة النصر فى اليوم الثانى لانتصارات أكتوبر..

 

هذه الصورة التقطها مصور أخبار اليوم  الراحل فاروق ابراهيم  فى منطقة الخدمات على خط بارليف أثناء الحرب، وتعتبر أول صورة التقطت لجندى مصرى على خط بارليف بعد العبور وقد صمم  الجندى يعقوب على التواجد بين القوات رغم اصابته فى كسر فى يده  وبيده الأخرى السليمة يرفع علامة النصر ويقول يعقوب لـ «الأخبار»  هذه الصورة لم  تُلتقط بشكل عشوائى كنا أثناء معركة شديدة بالطيران بموقع «عيون موسى» وأحد رفقاء السلاح أصابته دانة بترت قدمه  وحتى لا يموت من النزف كان لابد أن يتم حمله إلى أقرب نقطة لتلقى العلاج شرق قناة السويس وكانت المسافة حوالى نصف كيلومتر فتطوعت بحملة ثم عبرت قناة السويس سباحة وسلمته لوحدة العلاج ثم آثرت أن أعود إلى غرب القناة من خلال إحدى الثغرات والممرات التى تم فتحها فى ساعات العبور بدلًا من العودة عبر السباحة فى القناة ..

فى ذلك الوقت قابلنى مصور جريدة «الأخبار» الراحل فاروق إبراهيم تعرفت عليه أكثر بعد 15 سنة من الحرب لكنه فى تلك اللحظة قال لي: أنا عاوز اصورك فرحبت فورا ودون أى تحضير مُسبق للصورة وقفت ورفعت أصبعيّ بالهيئة التى التُقطت عليها الصورة، دون أى تفكير وبتلقائية شديدة.

وعن معنى هذا الرمز الذى استخدمه للإعلان عن النصر قال :»الإشارة بالسبابة والوسطى وإخفاء باقى الأصابع فى قبضة اليد تمثل شكل خريطة سيناء  فخليج العقبة تمثله السبابة والوسطى تمثل خليج السويس ويحتضنان أرض سيناء الغالية حيث تمثلها منطقة الفراغ بين الأصبعين فأردت أن أطمئن الشعب المصرى والعالم وأقول لهم انتهى الأمر وسيناء أصبحت بين أيدينا وكان ذلك يوم 7 أكتوبر فى الفترة بين العصر والمغرب.
 

140 كيلو على ظهر  البطل  

ذلك الجندى الصائم يصعد أعلى الساتر الترابى خلال العبور محملا بـ مدفع روسى  مضاد للدبابات «بى 10 «  وزنه 120 كجم ليصعد به الساتر الترابى بارتفاع 20م.

 

 

 

 

وهو أيضا يحمل سلاحه الشخصى وبندقية آلية وذخيرة، وشدة بها طعامه وخوذة تزن جميعها قرابة ٢٠ كجم وهو ما يعنى أنه يحمل فوق ظهره 140 كجم و على الرغم من صعوبة الفعل إلا أن الصورة تظهر عبقرية مشهد العبور وقوة وصلابة الجندى المصرى ورغبته فى  صعود  ساتر  ترابى أنفقت اسرائيل عليه 5 مليارات دولار ليصبح مستحيل العبور.

 

عبقرية التحطيم

قالوا إنه يحتاج الى سلاح المهندسين العسكرين فى الجيشين الأمريكى والسوفيتى معا لإزالته وقالوا أنه يحتاج الى قنابل نووية صغيرة لتحطيمه ..هكذا كان الحال مع الساتر الترابى العملاق « بارليف»  الذى بنته إسرائيل كأقوى خط تحصين دفاعى فى التاريخ العسكرى، وشيدته كى يفصل سيناء عن مصر، ولم يكن هذا هو الهدف الوحيد، إنما كان هناك هدف أهم..

وهو بث روح اليأس فى نفوس الجنود المصريين كلما نظروا إليه، كان «الخط» عبارة عن ساتر ترابى ضخم يرتفع إلى سبعة أدوار، أما عرضه فيمتد إلى أربعة أدوار، وعمقه يمتد إلى 12 كم فى سيناء، ويضم 22 موقعا دفاعيًا، و36 نقطة حصينة تم تحصين مبانيها بالأسمنت المسلح والكتل الخرسانية، وقضبان السكك الحديدة للوقاية من كل أنواع القصف، وبلغت تكلفته 5 مليارات دولار وقت إنشائه بعد نكسة يونيو 1967.بنت إسرائيل «الخط» ولم يخطر على بال قادتها أبدًا أنه قابل للإزالة..

 

وفى انتصارنا على إسرائيل فى حرب أكتوبر 1973 كان الضابط مهندس «باقى زكى يوسف»  واحدًا من الأسرار الكبرى والعظيمة لهذه الحرب..

هو نموذج لعبقرية المصرى والتصميم على مواجهة أصعب الظروف بعبقرية التفكير يعود الفضل فى التوصل إلى هدم خط بارليف حيث كانت العبقرية كما يقول الخبراء العسكريون تكمن فى إزالته وسط معركة حربية  وليس فى بنائه  لهذا سيبقى مشهد  تدميره وفتح الثغرات به شاهدا  على عبقرية المصرى.

 

«الإثنين الحزين»

شارون وموشى ديان حاولا خلال حرب أكتوبر فعل المستحيل لعكس دفة الحرب خلال الأيام الأولى لحرب أكتوبر.. كيسنجر وزير خارجية أمريكا وحامى حمى الصهاينة قام وقتها بمنع الأمم المتحدة ومجلس الأمن وأى دولة كبرى من التحرك والتدخل بأى طريقة لوقف الحرب القائمة إلا بعد انتهاء يوم 8 أكتوبر..

 

لأنه اليوم الذى ستقوم فيه إسرائيل بالهجوم المضاد وتملى على العالم شروطها لأجل وقف الحرب..

 


ألف دبابة حشدها الاسرائيلين لدحر القوات المصرية وإنهاء الفوضى القائمة فى سيناء من بعد ظهر 6 أكتوبر..

فشلت الدبابات الألف فى أن تزحزح المصريين مترًا واحدًا عن المواقع التى احتلوها فى عمق سيناء بمواجهة 170 كيلو!. جيش مصر حقق رقمًا قياسيًا عالميًا لم تشهده معركة فى حرب من قبل..

عندما دمر 112 دبابة للعدو فى 20 دقيقة وعندما أسقط أكبر عدد من القتلى والجرحى والأسرى من العدو فى هجومه المضاد وسمى هذا اليوم «بالاثنين الحزين» واصيب شارون وبعد أن عرف كيسنجر ما حدث للهجوم المضاد..

نطق بأول اعتراف عالمى بانتصار جيش مصر يوم 9 أكتوبر الذى صرح فيه بقوله: لقد حقق العرب نصرًا استراتيجيًا فى الشرق الأوسط..

دون النظر إلى النتيجة النهائية للحرب..

وأصبح هناك وضع جديد ولن تعود العجلة إلى الوراء.

 

دموع «مائير» فى استقبال الأسرى «بالبيجامات»

فى لقطة لن تمحى من ذاكرة الإسرائيليين وبأوامر من البطل الرئيس الراحل محمد أنور السادات تم عودة الأسرى الإسرائيليين بالبيجامات «الكستور» الى تل أبيب وكان فى مقدمة استقبالهم جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل والتى وقفت تحتضنهم وتبكى من شدة الحسرة والألم عليهم ..

 

 

 

 

 

وكان  مشهد عودة الاسرى بـ«البيجامات» مشهدا عبقريا يوضح انكسار الغطرسة الاسرائيلية بعد سنوات من التعالى والتباهى بالقوة التى لا تقهر.