إنها مصر

حروب لا تزال تنزف !

كرم جبر
كرم جبر

كل الأحداث التاريخية تندمل بمرور الزمن وتختفى آثارها، إلا بعضها الذى لا يزال ينزف دماً، رغم مرور سنوات طويلة.
«حرب 1967» واحتلال إسرائيل لسيناء وقطاع غزة والجولان والضفة الغربية لنهر الأردن، وكان الحلم العربى قبلها هو تحرير فلسطين المغتصبة، وطرد إسرائيل وإقامة الدولة الفلسطينية.
بعد الحرب تراجعت الأحلام كثيراً، وانحصرت فى مجرد تحرير الأراضى العربية، ونجحت مصر فى استرداد سيناء ولكن لا تزال الجولان محتلة، ودخلت القضية الفلسطينية ثلاجة التجميد.
تحررت سيناء فى حرب أكتوبر المجيدة التى أعادت الكرامة والكبرياء، ونجحت مصر فى المعركة الدبلوماسية، ولم يستثمر العرب النصر لتحقيق التقدم على كافة الجبهات، ورفضوا الانضمام لمفاوضات السلام الشاقة التى قادها الزعيم أنور السادات، وبعد مرور هذا الزمن الطويل يشعرون بالأسف والندم ويقول بعضهم "ليتنا ركبنا طائرة السادات" فى إشارة لزيارته للقدس.
«غزو العراق للكويت» لا تزال آثاره تنزف حتى الآن، ومن أسوأ نتائجه شق الصف العربى وطعنة فى القلب، ولم تعد إسرائيل وحدها هى التى تهدد الأمن القومى العربي، بل جاء التهديد من العرب للعرب.
وترتب على الغزو المأساة الكبرى التى يعيشها العرب الآن، وأكثرها بشاعة حرب تدمير العراق، واستنزاف ثروات المنطقة فى حروب لا تزال مستمرة وإشعال الحروب الدينية فى المنطقة.
قبل الغزو لم يكن التضامن العربى فى أحسن حال، ولكن لم تكن المنطقة مستباحة للجيوش الأجنبية مثلما يحدث الآن، وجاء الغزو بكوارث ونكبات على المنطقة كلها.
« أحداث 11 سبتمبر 2001»، جعلت الولايات المتحدة توجه كل إمكانياتها العسكرية تجاه المنطقة ومن أطلقت عليهم "الشياطين الجدد"، وكان فى صدارتهم الجماعات الإرهابية، التى دمرت برجى التجارة وألحقت العار بأكبر دولة فى العالم.
لم تنس أمريكا الغدر، وأدركت أن الخطر الذى يتهددها ليس فى الصين وكوريا الشمالية، وإنما فى هؤلاء الأشرار الذين خرجوا من الكهوف والصحاري، وتجرأوا عليها، والذين كانوا حلفاء الأمس وتحالفت معهم ضد الغزو السوفيتى لأفغانستان.
غزت أمريكا أفغانستان بزعم القضاء على القاعدة وبناء دولة حديثة خالية من الإرهاب، وخرجت منها بعد 20 سنة والقاعدة أكثر قوة، وأفغانستان أكثر تخلفاً وفقراً وديكتاتورية.
الدرس المستفاد هو: فى زمن الحرب يعرف الجميع من يطلق الرصاصة الأولى، ولكن لا يعرف الجميع من يطلق الرصاصة الأخيرة.