أصغرهم عمره عامان.. والأشرف برسباى منع حفلات الزفاف نهائيا!

حكاوي الحضري.. 4 سلاطين حكموا مصر فى عام واحد

منشآت الأشرف برسباي تُسجّل مرحلة مزدهرة فى التاريخ المملوكي
منشآت الأشرف برسباي تُسجّل مرحلة مزدهرة فى التاريخ المملوكي

مات السلطان، واجتمع أتباعه لاختيار خليفته. هناك من يرغبون فى تولّى المنصب الرفيع، لكن كلا منهم يفتعل أن الموضوع لا يعنيه. كالعادة فى فترة المماليك وقع الاختيار على طفل يسهل التحكّم فيه، مما يمنح الأطراف كلها فرصة إضافية للمناورة، تجرى خلالها معارك «تكسير العظام»، حتى ينجح الأقوى فى اقتناص المنصب! السلطان الراحل اسمه الظاهر ططر، لا تتعجبوا من الاسم فستجدون بين المماليك ما هو أكثر غرابة، أما ابنه فهو الصالح محمد أبو السعادات، تم اختياره رغم أن عمره أحد عشر عاما فقط، لكن العمر لا يوضع فى الاعتبار عادة، فالمطلوب مجرد واجهة مؤقتة كما سبق أن ذكرنا.

الوصي على السلطان الجديد الأمير برسباي، خاض مواجهات مُعتادة خلال فترة الوصاية أبعد فيها منافسيه، وبعد ثلاثة شهور وأيام قليلة أعلن عزل الصالح أبو السعادات، ليتولى هو الحُكم عام 1422.

التاريخ يُعيد نفسه، لكنه عادة لا يتكرّر بهذه السرعة، فقبل شهور قليلة وقع السيناريو نفسه، عندما مات السلطان القوى المؤيد شيخ، وتولى ابنه وعمره أقل من عامين! وبعد شهور عزله ططر وتولى السلطنة، غير أنه مات بعد ثلاثة شهور، ليتولى ابنه أبو السعادات، الذى عزله برسباي في السطور السابقة! عادة ما يتم إيداع السلطان المعزول في السجن، حتى لو كان طفلا، وهو الأمر الذى لم يتّبعه الأشرف برسباي، فقد عطف على المعزول، وأودعه في دور الحريم باعتباره صغير السن، ثم زوّجه بعد فترة بابنة أحد كبار الأمراء.

بالتأكيد قد يشعر بعض القراء بالارتباك من تداخل المعلومات، خاصة وسط هذا العدد الكبير من الحكام، الذين تولوا الحُكم فى فترة وجيزة، وهو أمر انتبه إليه المؤرخ المملوكى ابن إياس، وذكر أن العامة تندّروا على ما يحدث قائلين: «أربع سلاطين فى سنة، وإيش دا العينة»!

استمر برسباى فى الحكم لمدة 16 عاما وثمانية شهور، أعاد خلالها الاستقرار للبلاد وحافظ على قوتها خارجيا، حيث حارب القبارصة الذين أعلنوا تمردهم على مصر، وبدأوا يهاجمون سفنها وانتصر عليهم، وساهمتْ سياساته في دعم الاقتصاد، وكانت عملته «البرسبيهية» من أقوى العُملات، حتى إن ابن إياس الذى عاش في عصر لاحق تحسّر على الماضى قائلا: «أين هي من معاملة زماننا هذا؟». 

عندما تولى برسباى الحُكم كانت التقاليد تقضي بأن يُقبّل الأمراء الأرض للسلطان. أبطل هذه العادة لكنه وجد من يؤكد له أن هذه عادة قديمة من عهد يوسف -عليه السلام- فقرر إعادتها! قائمة إنجازاته طويلة، غير أن فترة حكمه شهدت ظواهر عديدة، منها هبوب رياح سوداء على أنحاء متفرقة من البلاد، حتى أصبح النهار مُظلما، وظهرت النجوم بوضوح فى عز الظهر! وفى عهده تم القبض على عصابة تبيع لحوم الموتى للأجانب! وفى إحدى سنوات حكمه أصدر قرارا بمنع إقامة الأفراح وحفلات الزفاف نهائيا، لأنه خاف على المواطنين من فساد مماليكه، وشعر بالقلق من أن يهاجموا النساء فى هذه التجمعات، ويبدو أن حظر الأفراح كان أسهل من السيطرة على المماليك الذين اعتادوا إثارة الشغب، خاصة أنه -قبلها بشهرين- أخمد فتنة كبيرة أثاروها وقبض على عدد منهم.

مات برسباى وسار الأمراء على النهج المعتاد، فبايعوا ابنه أبو المحاسن جمال الدين، وعمره أربع عشرة سنة فقط، وكان المسيطر على مقاليد الحكم أمير كبير اسمه جقمق، ليعيد التاريخ نفسه من جديد، وبعد ثلاثة أشهر وخمسة أيام، قام بخلْع السلطان، وتولى هو الحكم، وبدوره أمر بإيداع المعزول فى دور الحريم.