من شظايا الحروب.. «تمثال الصمود» شاهدا على تضحيات أبناء الإسماعيلية

تمثال الصمود
تمثال الصمود

استخرجت قطع شظايا رصاص، من بيوت تهدمت فوق رؤوس أصحابها وهذه الشظايا مازالت تحمل بعض الأحرف العبرية وشاهدة على تضحيات قدمها أبناء مدن القناة فداء للوطن متمثلة  في تمثال النصر والصمود بمحافظة الاسماعلية الذي صنعه ابن الإسماعيلية الفنان جلال عبده هاشم سنة 1974 من بقايا شظايا قنابل العدوان الإسرائيلى وقاعدة من بقايا حطام طائرة اسرائيلية ليعبر عن نصر أكتوبر ومخلفات الحرب الإسرائيلية على مدن القناة صنع تمثالا ممزوجا بشظايا من الدم والنار قتلت أبنائنا ومازالت قطعة الحديد تحمل جزءا من أشلاء شهدائنا من الأطفال والنساء وشاهدة على تاريخ كفاح وصمود شعب الاسماعيلية الباسل.

 


يقول محمد رجب عبد الرحمن الباحث فى التراث الشعبى لبوابة اخبار اليوم ان تمثال الصمود أطلق عليه هذا الاسم للتعريف بصمود أهل مدن القناة وفى مقدمتها مدينة الإسماعيلية والذى جاء تدشينه لأول مرة فى بداية عام 1968 بعد مرور أقل من عام على نكسة 1967، والثانى جاء بعد نصر حرب أكتوبر 1973 ليدشن مرحلة جديدة من الفخر والعزة للمصريين، شظايا مازالت تحمل بقايا أجساد شهدائنا وبضع خصلات من شعر لشهيدات مصريات وشهداء مجهولين لم يعرف عنهم أحد شيئاً سوى عائلاتهم وبضع صور بالأبيض والأسود للحظاتهم الأخيرة بابتسامة تغازل الشمس.


ويضيف عبد الرحمن، أن هذا التمثال شكل علامة فارقة للأجيال وللتاريخ أبدعهما المثال المصرى جلال عبده هاشم، ابن الإسماعيلية، أحد رموز المقاومة الشعبية إبان حرب الاستنزاف.


ويروى الباحث محمد رجب زندا، عن صناعة تمثال الصمود وكيف جاءت فكرته للفنان جلال عبده هاشم يقول فى الأيام الأولى من غارات الطيران الإسرائيلى على مدينة الإسماعيلية عقب هزيمة يونيو 1967، قُتل واستشهد وجرح الآلاف من المصريين ومعظم العائلات أجبرت على التهجير، فيما لم يترك معظم الرجال والشباب محافظة الإسماعيلية، وظلوا فيها للدفاع عنها وخاصة هؤلاء المهتمين بالعمل الفدائى على الرغم من تعرض المدينة للقصف العنيف بشكل يومى ومستمر.

وكانت الأيام تمر بلا طعام أو ماء بعد أن دمر العدوان الإسرائيلى محطات الشرب والجميع كان يقف فرادى ومجموعات لحماية قطاعات الإسماعيلية المختلفة توقعاً لأى عمل عسكرى فى المدينة أو إسقاط مظلى إسرائيلى بها ، وغيرها الكثير والكثير.

وكانت ملحمة بمعنى الكلمة من الصمود والنضال للدفاع عن الإسماعيلية، وكانت الحالة المعنوية تتأثر لدى الناس بسبب كثافة العدوان الإسرائيلى والتدمير الذى أصبح فى كل شبر، فجاءت فكرة استغلال المهارات اليدوية  للفنان جلال عبده وموهبته الفنية فى صنع تمثال من مخلفات الغارات والشظايا التى ملأت شوارع المدينة ليدعو من خلاله إلى الصمود وشحذ الهمم التى أصيبت بخيبة أمل عقب هزيمة الجيش المصرى واحتلال سيناء وقتها دعا جلال الفنانين التشكيليين بمصر لكى يصنعوا تماثيل تخلد للأجيال القادمة عظمة وبطولات أبناء مدن القناة منذ فترة الاحتلال الإنجليزى والحروب التى خاضتها المدن ضد العدوان الإسرائيلى.

مرورا بحرب 56 وذلك عن طريق استخدام الشظايا التى ضُربت على البيوت والمحال وفى الشوارع وعلى الجامع والكنيسة ومبنى الإرشاد، ودعوة الناس فى الإسماعيلية لكى يجمع كل منهم بقايا الشظايا ومخلفات القصف الإسرائيلى وما تبقى من بقايا دانات المدافع على بيته أو محله أو عمله.


وحول شكل التمثال وكم من الوقت استغرق إتمام عمله؟، يقول عبد الرحمن ان شكل التمثال على هيئة مقاتل مدنى من أهل القناة، يرفع بيده اليمنى بندقيته ويحمل فى اليد الأخرى دانة «للتعبير عن الاستمرار فى العمل الفدائى حتى النصر»، وبلغ طوله نحو متر ونصف المتر، ووزنه نحو 312 كيلو جراما تقريباً.

واستعان المثال فيه بحوالى 4500 شظية مختلفة الأشكال والأحجام، وبمساعدة متخصص فى عملية «اللحام» تم إنجاز التمثال فى حوالى الشهرين بسبب ظروف الحرب وانقطاع الكهرباء المتواصل وتم عُرض التمثال لأول مرة بشارع «مصر» على الرصيف فى الإسماعيلية، وتزاحم جنود القوات المسلحة بطول جبهة القطاع الأوسط لرؤية التمثال الذى يخلد لصمود مدن القناة.

اقرأ ايضا

إعصار شاهين يصل عمان .. وهذا تأثيره على السعودية والإمارات

وكان ذلك عقب نكسة 1967، لدرجة أن معظم الجنود التقطوا أكثر من صورة تذكارية لهم مع التمثال، وطلبت إدارة التوجيه المعنوى بالقوات المسلحة من الفنان جلال أن تقام حفلات الترفيه عن الجنود «فرقة السمسمية – وحفل شعراء الإسماعيلية ممن يكتبون الأناشيد الوطنية» عند التمثال لرفع الروح المعنوية للجنود، ولأسابيع وشهور طويلة، بل وسنين حتى نصر أكتوبر فى 1973 دقت السمسمية عند قاعدة التمثال بصوت جنودنا البواسل أعذب الألحان والكلمات، خاصة أغنية «راجعين راجعين للإسماعيلية تانى، واقفين على خط النار، هنقاتل هننتصر» فى صوت واحد يجمع ما بين جنودنا وشباب الإسماعيلية، فالكل كان مؤمنا بأن النصر قادم لا محالة.