‏الفن الإسلامي

نرمين جودة
نرمين جودة

‏بعد انتهاء دولة الخلفاء الراشدين وبداية الدولة الأموية، اتسعت رقعة الدولة الإسلامية وامتزج الفكر الإسلامي بأفكار أخرى كالمسيحية والفارسية، مما أثر على الثقافة الإسلامية بصفة عامة والفن الإسلامي بصفة خاصة ، ومن اهم مظاهر هذا التأثر اهتمام المسلمين بالفنون ، فالمجتمع مهما كان قوى بأستعداداته الحربية وإمكانياته الاقتصادية ، يكون مجتمع ضعيف اذا افتقر الى النشاط الفني .

 

يكمن الدور الحيوى للفن في حياة الإنسان في منح الانسان المعنى والإيحاء والدلالة والإشباع النفسى والروحى والتنسيق الحسى والوجدانى وغير ذلك من العناصر التي تعجز الحياة عن تقديمها للإنسان، لذلك استخدام الفن في العمارة الإسلامية -خاصة في بناء المساجد- ليضيف اليها حالة روحانية تربط العابد بالعبادة في المساجد ، من ناحية أخرى لعب الفن دور مهم في تأصيل الحضارة الإسلامية ، فالاعمال الفنية هي إبداع إنسانى عابر للزمن ومتجاوز للجغرافيا ، تحمل خصائص عصرها الثقافية وتوجهاته الاجتماعية وتجاذباته السياسية ، حيث تعمل كسجلات معتمدة وموثقة عبر التاريخ ، هذه السجلات هي التي تنبئنا عن أخبار أجدادانا العظماء الذين ساهموا في إثراء حضارات عظيمة شكلت الوجدان الانسانى ، وقدمت لنا إرث يدلنا على خصائص الزمان والمكان، فالعمل الفني يحافظ على الموروث الثقافي والحضارى والقيمى للمجتمعات ويكشف لنا آمالهم وآلامهم وأسرارهم وخباياهم ، فالفنون تعد بمثابة رسائل عابرة للتاريخ والجغرافيا والثقافة.

 

‏رغم محاولات الفنان المسلم محاكاة من سبقوه من شعوب الا انه اظهر تميزاً ملحوظاً في سماته وخصائصة نظراً لخصوصية الفنان المسلم ، لذا ظهرت أنواع مختلفة ومتعددة من أنواع الفن لاختلاف العصور الإسلامية والتطور الاجتماعى والثقافى عبر العصور الإسلامية المختلفة ، لم يكن للمسلمين قبل الفتوحات السلامية عمارة وفنون يمكن مقارنتها بفنون الأمم الأخرى، وتحسب للفتوحات ازدهار الفنون الإسلامية نتيجة لتأثر المسلمين بفنون الأمم التي دخلت الإسلام ، فبعد انتهاء عهد الخلفاء الراشدين وخروج عاصمة الخلافة الإسلامية من شبه الجزيرة العربية واندماج المسلمين مع الشعوب الأخرى لفت نظر المسلمين فخامة الكنائس فقرروا ان يبنوا مساجد تضاهى فخامة الكنائس وتم الاستعانة بامهر المعمارين من اهل الشعوب التي دخلها الإسلام ، وأهم مميزات العمارة الإسلامية: المآذن ، والقباب والعقود والمقرنصات او الدلايات والأبواب.

 

‏ اتسم الفن الإسلامي بعدة سمات وخصائص جعلت منه فن منفرداً عن الفنون الأخرى وهى : كراهية تصوير الكائنات الحية ومخالفة الطبيعة والجنوح الى تصوير المحال وتحويل الخسيس الى نفيس والانصراف الى التجسيم والبروز واخيراً التنوع والوحدة ، ومن ابرز سمات الفن الاسلامى انه فن زخرفى استخدم فيه كل كل عناصر البيئة المحيطة في الزخرفة بعد تحويرها لتخالف الطبيعة، فمحاكاة الطبيعة كان مكروهاً في العصور الأولى للحضارة الإسلامية ،وتنقسم عناصر الزخرفة الى: الصور الادمية والحيوانية بعد تحويرها ، والزخارف النباتية والرسوم الهندسية، والزخارف الخطية.

‏وتشتهر مدينة القاهرة بتراثها الفني الإسلامي بمختلف طرزه ، حيث الفن الفاطمي والفن الأموي والفن المملوكى والفن العباسى والايوبي، لذا تستحق القاهرة ان توصف بالمتحف المفتوح ، ويعد شارع المعز من اشهر المعالم الإسلامية الاثرية وأكثرها شهرة ، ويعود تاريخ بناءه الى الدولة الفاطمية والتي تميزت بطرازها الفني ، حيث كانت الدولة الفاطمية العصر الذهبى للفن الاسلامى التي تم اكتمال الفن الاسلامى فيها حيث ترك الفنانون وراءهم العديد من الآثار والتحف التي تشهد على مهارتهم الفائقة ودقتها في مختلف الاشكال الفنية. وتعد الدولة الفاطمة بداية تطور الفنّ الاسلامى وتمرده على التقاليد المعهودة في الفن الاسلامى ، فقد انتشرت رسومات الخزف ذات الرسومات التشكيلية النباتية، والحيوانية، والآدمية، والزّخارف الجدارية بخطوط  كتابية كوفية ، كذلك تأثرت الفنون الفاطمية برسومات الحيوانات فى الفنون الفارسية- العباسية ومنها مشاهد حيوية غير جامدة لفارس يمتطي فرسه ، حيث انتقلت الرسومات العباسية بتأثيراتها من العراق إلى مصر في العصر الفاطمي، خاصة في رسم الوجوه، فجاءت ذات سمات آسيوية من استدارة الوجوه والعيون النجلاء. استخدم الفاطميون تقنية الألوان: اللون الأحمر، والأخضر، والأصفر الذهبي خاصة في صناعة الخزف ذي البريق المعدني ، كذلك جاءت رسوماتهم على النسيج متأثرة بلوحات فنية أيقونة قبطية لمناظر صيد وحيوانات.

 

‏يمكن القول إن الفن الإسلامي هو نتاج لتنوع ثقافات الأمم التي دخلت الإسلام مما أدى إلى ثراءه وتعدد طرزه وانتشاره من المحيط الى الخليج ، كما ان للعقيدة تأثير كبير على الفن الاسلامى ، فتم قائمة من المحظورات على الفنان الاقتراب منها ، كرسومات الكائنات الحية على اعتبار انها تقليد للخلق واستخدام المعادن النفسية كالذهب والفضة في الاعمال الفنية والزخرفة ، لذا لجأ الفنان الاسلامى الى الزخارف الهندسية والخطية واستخدام تقنية لاضافة لمعان المعادن النفسية للتحايل على المحظورات الى وضعها امامه رجال الدين في تلك الحقبة الزمنية بعصر الخلافة الإسلامية لاختلاف عصورها .