صدى الصوت

مذكرات الريحان!

عمرو الديب
عمرو الديب

حين يكتب الأدباء مذكراتهم يختلف الأمر كثيرا، ليس فقط لبراعتهم فىالتعبير عن مكنونات نفوسهم،أو لتفوق لغتهم، ونصاعة بيانهم، وتدفق الكلمات طيعة من أقلامهم، ولكن وذلك هو الأهم لاتساع زوايا نظرهم للأشياء ولشتى المفردات من حولهم، فالأديب عندما يجلس ليروىمذكراته، تحتشد فىرأسه آلاف الوجوه والصور والشخصيات،وتزدحم فىذاكرته حشود المشاهد والمواقف، والأحزان والمسرات،ومعظم من يكتبون مذكراتهم من غير الأدباء يتوهون فىذلك الزحام،ويتعثرون فىنثار الحكايا والأحداث والمواقف، ويحارون من أين ينطلقون، وعند أية نقطة يتوقفون،سواء فىسرد فصول الحدث الواحد،أو فىرواية الرحلة ككل،ولكن الأمر - كما ذكرنا- يختلف لدى الأدباء،نظرا لعمق تأملهم، وخصب مخيلتهم ورحابة مجال نظرهم،وقدرتهم العجيبة علىاستخلاص الرؤى من بين الشظايا والركام، وهم بارعون فىالتمييز بين التفاصيل،وأيها يحمل دلالة مهما بدا صغيرا تافها،وما يفتقد المعني،حتى وإن ظهر ذا شأن،لذا أزعم أن الأدباء متى جلسوا ليحكوا،انهمرت السطور وكأنها زخات المطر علىالورق، وتسارع إيقاع تشكيل عالمهم علىالصفحات،ومن المذكرات التىجذبتنىإلىعالمها مؤخرا، الجزء الثانىمن رحلة الأديب الكبير والكاتب المسرحىالقدير محمد سلماوى، الذى اختار له عنوانا موحيا هو «العصف والريحان»، بعد أن ظهر الجزء الأول من المذكرات بعنوان «يوما أو بعض يوم»، وكلاهما صدر عن دار الكرمة للنشر، ومن يقرأ مذكرات سلماوىفىجزءيها يدرك معنىما أقول، ومدى السلاسة والإشراق على امتداد صفحات الجزءين، فسلماوىباعتباره أحد أبرز مبدعينا يتدفق علىالورق، يسرد مواقف مشحونة بالدلالات، ويروى حكايات بالغة التشويق ليس بقصد التسلية التىقد تأتىعرضا، ولكن بهدف استخلاص المغزى العميق جدا، الذى شغل صاحب المذكرات أثناء معايشته للحدث أو الموقف، وظل محفورا بعدها علىصفحات الوجدان،وفىحنايا الذاكرة،ويتبدى تأثيره دوما فىالنظر إلىالأشياء والمعاني،وقد خصص «سلماوى» الجزء الثانىمن مذكراته لأحداث الفترة بين عامى: 1981و 2015، وفيها يروى صاحب الريحان» تجاربه المؤثرة فىالمحطات البارزة فىحياته أثناء هذه الفترة ومنها: دوره فىالتصدى لموجة إرهاب التسعينيات، وعضويته فىلجنة الدستور، وتجربة رئاسة اتحاد كتاب مصر فىمرحلة بالغة الخطورة فى تاريخه، وهذه العجالة تعجز عن الإلماح إلىأهم فصول المذكرات فضلا عن الإشارة إلىمجملها،ولكن قد نوجز الكلام بأن هذه المذكرات جديرة حقا بأن تقرأ بعمق.