ألكسندر كازمياس .. الكوزموبوليتانى

يحيى‭ ‬وجدي
يحيى‭ ‬وجدي

يحيى‭ ‬وجدي

عندما‭ ‬عرفت‭ ‬باختياره‭ ‬رئيسا‭ ‬للجالية‭ ‬القبرصية‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬اتصلت‭ ‬به‭ ‬لأهنأه‭..‬

قلت‭ ‬له‭ ‬أنت‭ ‬إيه‭ ‬حكايتك؟،‭ ‬يوناني‭ ‬ولا‭ ‬قبرصي‭ ‬ولا‭ ‬إنجليزي؟،‭ ‬فرد‭ ‬ضاحكا‭: ‬‮«‬يا‭ ‬باشا‭ ‬أنا‭ ‬مصري‭.. ‬ما‭ ‬أنت‭ ‬عارف‭!‬‮»‬‭.‬

تعرفت‭ ‬على‭ ‬أليكس‭ ‬كازمياس‭ ‬منذ‭ ‬5‭ ‬سنوات‭ ‬تقريبا،‭ ‬كنت‭ ‬أبحث‭ ‬عن‭ ‬أصول‭ ‬شاعر‭ ‬يوناني‭ ‬عاش‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬لفترة‭ ‬في‭ ‬الربع‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬ولا‭ ‬توجد‭ ‬له‭ ‬آثار‭ ‬كثيرة،‭ ‬ودلني‭ ‬على‭ ‬أليكس‭ ‬صديق‭ ‬مصري‭ ‬يترجم‭ ‬عن‭ ‬اليونانية،‭ ‬وقابلت‭ ‬أليكس‭ ‬في‭ ‬‮«‬النادي‭ ‬اليوناني‮»‬‭ ‬بوسط‭ ‬البلد،‭ ‬وكنت‭ ‬أتخيل‭ ‬أنني‭ ‬سأقابل‭ ‬أجنبيا‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬يتحدث‭ ‬بعربية‭ ‬مكسرة‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬الأفلام،‭ ‬لكنني‭ ‬وجدته‭ ‬مصريا‭ ‬خالص‭.. ‬بالتعريف‭ ‬والملامح‭!‬

أليكس‭ ‬كازمياس،‭ ‬مصري‭ ‬فعلا،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تشك‭ ‬إذا‭ ‬قابلته‭ ‬في‭ ‬الشارع،‭ ‬أوعلى‭ ‬القهوة،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬صالة‭ ‬انتظار‭ ‬البنك،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬محطة‭ ‬البنزين،‭ ‬أنه‭ ‬يحمل‭ ‬جنسية‭ ‬أخرى‭ ‬حتى‭.. ‬ابن‭ ‬بلد‭ ‬حقيقي،‭ ‬و«ابن‭ ‬نكتة‮»‬‭ ‬و«صايع‮»‬،‭ ‬من‭ ‬شبرا‭ ‬بالتعريف‭ ‬والمولد،‭ ‬لكنه‭ ‬وإلى‭ ‬جانب‭ ‬مصريته،‭ ‬فهو‭ ‬قبرصي‭ ‬ويوناني،‭ ‬وشهادة‭ ‬ميلاده‭ ‬صادرة‭ ‬عن‭ ‬السفارة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬خلطة‭ ‬لا‭ ‬تتواجد‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬الروايات‭ ‬والأفلام‭!‬

أليكس،‭ ‬وأسمه‭ ‬في‭ ‬بطاقة‭ ‬الرقم‭ ‬القومي‭ ‬المصرية‭ ‬ألكسندر‭ ‬جورج‭ ‬كازمياس‭ ‬ميخائيل،‭ ‬ينحدر‭ ‬لأب‭ ‬قبرصي‭ ‬جاء‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬بداية‭ ‬الخمسينيات،‭ ‬وأنشأ‭ ‬في‭ ‬شبرا‭ ‬مصنعا‭ ‬لإنتاج‭ ‬اللمبات‭ ‬الكهربائية‭ ‬وكان‭ ‬يصنع‭ ‬اللافتات‭ ‬النيون‭ ‬الجميلة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تتميز‭ ‬بها‭ ‬واجهات‭ ‬المحلات‭ ‬آنذاك،‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يتصل‭ ‬بأجهزة‭ ‬الإضاءة‭ ‬والتدفئة‭ ‬الكهربية،‭ ‬كان‭ ‬مصنعه‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬10‭ ‬شارع‭ ‬روبير‭ ‬شماع‭ ‬ومازال‭ ‬موجودا‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬تعرف‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬قصد‭ ‬مصر‭ ‬قادما‭ ‬من‭ ‬نيقوسيا،‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬الرزق‭ ‬على‭ ‬فتاة‭ ‬مصرية‭ ‬من‭ ‬شبرا‭ ‬وتزوجا،‭ ‬وأنجبا‭ ‬ولدين‭ ‬وبنت،‭ ‬أكبرهم‭ ‬ألكسندر‭ ‬الذي‭ ‬ولد‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬عام‭ ‬1968‭ ‬ودخل‭ ‬المدرسة‭ ‬العبيدية‭ ‬اليونانية‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬مع‭ ‬أقرانه‭ ‬القبارصة‭ ‬واليونانيين‭ ‬والمصريين‭ ‬القادمين‭ ‬من‭ ‬اليونان،‭ ‬وأنضم‭ ‬كذلك‭ ‬إلى‭ ‬فرق‭ ‬الكشافة‭ ‬اليونانية،‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬جاء‭ ‬غرامه‭ ‬بالعمل‭ ‬التطوعي‭ ‬الذي‭ ‬يمارسه‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬وفي‭ ‬التسعينيات‭ ‬حصل‭ ‬ألكسندر‭ ‬على‭ ‬الجنسية‭ ‬المصرية‭ ‬بعد‭ ‬صدور‭ ‬القانون‭ ‬الذي‭ ‬يمنح‭ ‬أبناء‭ ‬المصريات‭ ‬جنسية‭ ‬الأم،‭ ‬وفي‭ ‬بداية‭ ‬الألفية‭ ‬تزوج‭ ‬من‭ ‬يونانية‭ ‬وحصل‭ ‬على‭ ‬الجنسية‭ ‬اليونانية،‭ ‬وصار‭ ‬هذا‭ ‬المصري‭ ‬‮«‬الكوزموبوليتاني‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬روح‭ ‬مصر‭ ‬التي‭ ‬عرفناها‭ ‬في‭ ‬النص‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭.‬

يمتد‭ ‬تاريخ‭ ‬الجالية‭ ‬القبرصية‭ ‬التي‭ ‬يترأسها‭ ‬ألكسندر‭ ‬كازمياس‭ ‬بالانتخاب‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬أغسطس‭ ‬الماضي،‭ ‬إلى‭ ‬عام‭ ‬1873،‭ ‬وتعد‭ ‬من‭ ‬أقدم‭ ‬الجاليات‭ ‬الأجنبية‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬وعدد‭ ‬أبناء‭ ‬الجالية‭ ‬حاليا‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬والإسكندرية‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬500‭ ‬شخص،‭ ‬يعيشون‭ ‬ويعملون‭ ‬هنا،‭ ‬وتربطهم‭ ‬بمصر‭ ‬صلات‭ ‬عميقة‭ ‬بالمولد‭ ‬والمنشأ‭ ‬والحياة،‭ ‬ويتشاركون‭ ‬مع‭ ‬الجالية‭ ‬اليونانية‭ ‬في‭ ‬الكنائس‭ ‬والنوادي‭ ‬حيث‭ ‬أنهم‭ ‬يتبعون‭ ‬طائفة‭ ‬الروم‭ ‬الأرثوذكس‭.‬

قال‭ ‬لي‭ ‬ألكسندر‭ ‬كازمياس‭ ‬إنه‭ ‬سعيد‭ ‬جدا‭ ‬بالتقارب‭ ‬المصري‭ ‬القبرصي‭ ‬حاليا،‭ ‬فرئيس‭ ‬قبرص‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬زيارة‭ ‬رسمية‭ ‬مهمة‭ ‬لمصر‭ ‬منذ‭ ‬أسابيع،‭ ‬ونحن‭ ‬يربطنا‭ ‬بحر‭ ‬واحد‭ ‬وثقافة‭ ‬واحدة،‭ ‬وأنا‭ ‬ألمس‭ ‬مؤخرا‭ ‬استثمار‭ ‬عميق‭ ‬لهذا‭ ‬التقارب‭ ‬الجغرافي‭ ‬والثقافي‭ ‬والتاريخي،‭ ‬وأتمنى‭ ‬أن‭ ‬أقدم‭ ‬فيه‭ ‬جهدا‭ ‬ونشاطا،‭ ‬فأنا‭ ‬ابن‭ ‬الثقافة‭ ‬القبرصية‭ ‬المصرية‭ ‬اليونانية‭ ‬المشتركة‭.. ‬درست‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬اليونانية‭ ‬العبيدية‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬مصر،‭ ‬وأشغل‭ ‬منصب‭ ‬رئيس‭ ‬الجالية‭ ‬القبرصية‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬ومنصب‭ ‬نائب‭ ‬رئيس‭ ‬الغرفة‭ ‬التجارية‭ ‬المصرية‭ ‬اليونانية‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭. ‬

أنتهى‭ ‬كلام‭ ‬أليكس،‭ ‬لكن‭ ‬مهما‭ ‬تخيلت‭ ‬أنك‭ ‬تعرف‭ ‬مصر‭ ‬جيدا،‭ ‬فالمؤكد‭ ‬أنها‭ ‬لديها‭ ‬الكثير،‭ ‬عمقا‭ ‬وتنوعا‭ ‬ومواطنين‭ ‬مثل‭ ‬أليكس‭.‬