رسائل السيسي .. في حديث الشدة واللين »نريد صورة لنا جميعا، أدعوكم إلي الصعود للمسرح لتلتقط صورة تجمعنا كلنا، وفي القلب منا الشباب»‬. هكذا دعا الرئيس عبدالفتاح السيسي الحضور في القاعة الرئيسية لمسرح الجلاء للقوات المسلحة الذين استمعوا إلي كلمة مرتجلة، هي الأطول التي يلقيها السيسي منذ تولي الرئاسة، ومثلما مست الكلمة شغاف القلوب، استقرت برسائلها في العقول، رسائل التحدي والأمل في حديث الشدة واللين! في القاعة، منذ التاسعة صباحا، امتلأت الصفوف بممثلي السواد الأعظم للجماهير المصرية، أو من يسميهم الرئيس رموز الكتلة الصلبة للشعب، رؤساء أحزاب، رجال حكم وجيش وشرطة وقضاء وعلم وأدب وفن ورياضة ومجتمع مدني وشخصيات عامة، وفي صدارة الجميع رأس الجامع الأزهر الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، ورأس الكنيسة الأرثوذكسية قداسة البابا تواضروس الثاني. • • • من بين الحضور، لمع حمدين صباحي المرشح السابق لرئاسة الجمهورية. لم يخف الرئيس سعادته بحضور حمدين في قلب هذا الجمع، وقال له: »‬الأستاذ حمدين.. أنا سعيد بوجودك».. وداعبه قائلا: إنت عارف إن ربنا بيحبك؟.. ثم أضاف: »‬هذه بلدنا كلنا» ورد حمدين بتحية الرئيس ضامما كفيه معا، مؤكدا علي وحدة الكتلة الصلبة للشعب المصري. وسط الحضور لوحظ وجود الدكتور يونس مخيون رئيس حزب النور.. وحين كان الرئيس يتحدث عن إسلام الفرد وإسلام الجماعة، نظر إلي مخيون مذكرا إياه بنصيحته لتيار الإسلام السياسي منذ البداية بالابتعاد عن الحكم، وقال له: »‬ما أنا قلت بلاش أنتم».. ثم أضاف: »‬الدكتور مخيون رجل فاضل ومحترم». بين الحضور.. كان يجلس اللواء كمال عامر رئيس أركان القوات المصرية في حرب تحرير الكويت ومدير المخابرات الحربية الأسبق، وعندما كان يتحدث الرئيس عن الخطاب الديني، وعن أن الله لو كان يريد الناس كلها علي دين واحد لخلقهم جميعا علي نفس الدين، وأن هذه هي قناعته والله عليم بها، نظر تجاه اللواء كمال عامر وقال: »‬سيادة اللواء كمال كان استاذي منذ ٢٥ عاما وكان قائدي وعارفني كويس». اللواء كمال عامر كان قائدا للفرقة ٣٣ المشاة الميكانيكية حين كان السيسي قائدا لإحدي كتائب المشاة التابعة لها، وربطت بين الاثنين علاقة وثيقة قوامها الاحترام والتقدير. ثم أضاف السيسي موجها حديثه للواء كمال بكل رقي وإعلاء للتقاليد العسكرية: »‬هل أنا تغيرت يا فندم»؟.. فرد اللواء كمال بمودة وأيضا باحترام للتقاليد العسكرية: »‬لا يا فندم». • • • لقاء ممثلي الكتلة الصلبة المصرية بالرئيس السيسي الذي يحرص علي وصفها بأنها أساس قوة مصر.. سبقه بيوم واحد بيان للأمة وجهه الرئيس السيسي عبر شاشات التليفزيون وهو يقف بين رجاله ورفاق السلاح من أعضاء المجلس الأعلي للقوات المسلحة.. غير أن الرئيس أراد أن يتحدث من جديد لينقل رسائل محددة إلي من يعتبرهم شركاء معه حتي يتحمل كل منهم نصيبه من المسئولية الوطنية.. فالسيسي يعتبر نفسه -كما قال مجدداً بالأمس- ليس حاكما وإنما واحد من الشعب.. »‬واحد منكم، كلفتموه بمهمة أن يكون مسئولا عن كل المصريين.. الصغير قبل الكبير، الضعيف قبل القوي، الفقير قبل الغني». قبل حديث الشدة واللين، ألقي الإمام الأكبر الدكتور الطيب كلمة بليغة أدان فيها »‬أيدي الخيانة والغدر والعمالة الأجنبية الدنيئة»، وقال إن مصر فرض عليها فرضاً أن تواجه إرهابا علي حدودها وفي داخلها».. واختتم كلمته قائلا عن جيش مصر الذي وصفه الرسول الكريم بأنه خير أجناد الأرض : »‬إن هذا الجيش لن يغلب أبدا». ومن بعده ألقي قداسة البابا تواضروس كلمة رائعة قال فيها للرئيس: إن تفويض الشعب لكم هو تفويض مستمر، فاعمل وتحمل المسئولية، ونحن جميعا نشاركك فيها. واختتم الكلمة قائلا: إن الله يضع البلدان بين يديه، ويضع مصرفي قلبه. قبل الكلمتين، شاهد الحضور ومعهم الرئيس داخل القاعة فيلما تسجيلياً أعدته إدارة الشئون المعنوية عن الشهيد العميد أركان حرب السيد فوزي البحيري قائد اللواء »‬12»، الذي راح ضحية هجوم الغدر والخيانة في العريش. كان الفيلم رائعا في تصويره هذا القائد الشجاع الإنسان الذي حظي بحب واحترام كل من عرفه من مرءوسيه ومن رجال الإعلام ومن أبناء سيناء.. وكان مؤثراً إلي درجة أنه استدر دموع الكثيرين. لعل هذا الفيلم ومعه بيان جماعة الإخوان الارهابية الذي يدعو لـ »‬الجهاد المسلح» كان السبب في انطلاق الرئيس السيسي الغاضب أصلاً، من أعلي نبرات الثورة وهو يستهل حديثه. • • • علي الرابع -كما يقولون- بدأ الرئيس كلامه في حديث الشدة واللين. • خاطب الرئيس رجال الجيش قائلا: »‬لن أكبل أيديكم في الثأر لشهداء مصر. أنتم الذين ستأخذون بثأر مصر، وستموتون من أجلها. هذا الجيش مستعد يموت علشان البلد تعيش. لا أحد سينال منها مهما كان حجمه وتنظيمه». ثم استدرك الرئيس قائلا: »‬أوعوا تظلموا. ليس معني الثأر أن نقتل الأبرياء. هكذا بدأنا وهكذا سنستمر. هذا ليس قيداً إنما هو التزام للرجال الشرفاء الأمناء المخلصين. إن قبضنا علي أحد نسلمه للعدالة ليقتص منه القانون، ولا نتعامل بالسلاح إلا مع المجرم الذي يرفع في وجهنا السلاح». ثم نظر الرئيس إلي الفريق أسامة عسكر قائد الجبهة الموحدة الجديدة لسيناء ومكافحة الإرهاب.. وقال له: »‬إنني أشهد الناس عليك ألا يتكرر هذا الأمر مرة أخري. انت مسئول أمامي وأمام كل المصريين أيضا عن تنمية سيناء. وتم تخصيص 10 مليارات جنيه لهذا. نحن ذاهبون لنعمر بلدنا قبل ما نبحث عن الثأر وقتل المجرمين. المهمة كبيرة. نحن معك وربنا يوفقك». • خاطب الرئيس الشرطة قائلا: »‬الأمن داخل مصرعلي أكتافكم وفي رقابكم. نريد ونحن نحافظ عليه أن نراعي حقوق الناس». ثم عبر الرئيس عن تعازيه لأسرة شيماء الصباغ قائلا إنها ابنته. وقال إنني لا أعرف من وراء قتلها، مشيرا إلي أنه لوكان المخطئ من رجال الشرطة فيجب أن يحاسب، ولايمكن أن تحاسب مؤسسة علي خطأ فرد. وطلب الرئيس من محمد إبراهيم وزيرالداخلية أن يتحدث قائلا له: أناأريد أن أشهد الناس عليك.  رد الوزير قائلا: »‬أعد حضرتك بعد انتهاء تحقيقات  النيابة وهي شفافة، إذا ثبت تورط ضابط أو فرد من رجال الشرطة فسأقدمه بنفسي إلي المحاكمة الجنائية والإدارية». ثم أضاف الرئيس قائلا: عندما تحركنا وقلنا نحترم إرادة الناس وحريتها ونغير، تساءلت هل يمكن أن نتخبط ونحن نسير؟.. كلا.. لابد أن نحافظ علي أهدافنا وهي العيش والحرية والكرامة والعدالة. ولن أقبل أبدا بأي تجاوز في حق أحد. سنحافظ علي أمن مصر وعلي استقرارها وعلي شعبها ونحنو عليه. • خاطب الرئيس جموع الغاضبين الذين يطالبون بإجراءات غير قانونية.. قائلا: الناس موجودة، لكن يجب ألا نطالب بهذا. إننا نريد دولة القانون، وأريد عندما أترك منصبي أن أسلم دولة بأجهزة تقف علي قدميها. ولن يستطيع أحد أن يهدم هذه الدولة ذات السبعة آلاف عام. • خاطب الرئيس الإعلاميين قائلا: في حرب الاستنزاف كان يسقط لنا كل يوم أعداد من الشهداء، لكن لم يكن يذكر ذلك، حفاظا علي الروح المعنوية للشعب. إنني لا أريد حجب المعلومات عن الناس أو حظر النشر، وإنما علينا أن نحرص حتي لا نعطي الفرصة لمن يريد أن يهزنا أو يشكك في جيشنا. • خاطب الرئيس علماء الدين قائلا: عندما نتكلم عن الخطاب الديني، فإننا نسعي لمنع الكتلة المتطرفة من اختطاف الدين وضرب عرض الحائط بتعاليمه. هذا الفكر المتطرف نما علي مدي ٤٠ عاما لأن أحدا لم يتصدي له. وأضاف: ما حدث في ٣٠ يونيو لم يكن مسألة تتعلق بالدين وإنما بالفشل في إدارة الدولة، فقال لهم المصريون: لن تكملوا. واليوم في موقعهم الإلكتروني يدعون إلي »‬الجهاد المسلح» حتي تصبح مصر كسوريا. ثم تناول الرئيس مسألة الزيادة السكانية التي تلتهم معدلات التنمية، وتساءل: هل الرسول سيدنا محمد »‬صلي الله عليه وسلم» يرضي أن يري أمته ملقاة في العشوائيات وأبناءها يعيشون في جهل وفقر. هل حلال أم حرام أن نطالب من عنده طفل أن ينتظر ٤ سنوات قبل أن ينجب الثاني، ومن عنده طفلان أن ينتظر ٥ سنوات قبل أن ينجب الثالث، ومن عنده ٣ أطفال أن يكتفي بهم؟! ونظر الرئيس إلي الإمام الأكبر متسائلا: هل حلال أم حرام؟.. فرد شيخ الأزهر: »‬حلال.. وحلال.. وحلال». • خاطب الرئيس الأشقاء العرب شاكراً للسعودية والإمارات علي وجه الخصوص دعمهما لمصر. ترحم الرئيس علي الفقيد الملك عبدالله بن عبدالعزيز متذكراً وصيته له: راع ربك، وراع دينك في أي أمر. قال إننا لن ننسي وقوف الملك والسعودية معنا، وسوف نقيم جامعة باسم الملك عبدالله في أعلي قمة جبل الجلالة بأموالنا نحن عرفاناً له. وطلب من الفريق أول صدقي صبحي القائد العام واللواء عماد الألفي رئيس الهيئة الهندسية الانتهاء من تصميم الجامعة خلال شهرين وإنشائها خلال عام. وأشاد الرئيس بالأشقاء في الإمارات، قائلاً: إنهم كرام أبناء رجل كريم، وقفوا معنا كثيراً وقدموا الكثير لمصر وليس من أجل مواجهة أحد. ووجه الرئيس بإنشاء تجمع سكاني بأموال مصر باسم الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي، مشيراً إلي أن الشيخ خليفة رئيس دولة الإمارات أودع مبلغاً باسمه لإنشاء مدينة باسمه. • • • • ثم وجه الرئيس رسائل التحدي والأمل إلي شعب مصر قائلاً: هل سيظل أشقاؤنا ينفقون علينا؟.. إن هذا ليس له صلة بعلاقاتنا الوثيقة معهم.. لكن ألا نستطيع أن نقف علي أقدامنا.. إن الدولة لا تقوم إلا علي أكتاف ناسها.. ومصر سوف تقوم. وأضاف: بعد ٦ شهور من الآن، وفي شهر أغسطس المقبل سنفتح قناة السويس الجديدة ومعها المشروع القومي للطرق بطول ٣٢٠٠ كيلومتر يضاف إليها ٦٠٠ كيلو متر جديدة. مشروع المليون فدان يتكلف ٢٨٠ مليار جنيه، لو توفروا لي سأجعلكم تشاهدون ريفاً علي أرض مصر كالريف الأوروبي والأمريكي. لن نطلق مشروعاً إلا إذا توافرت إمكانات تنفيذه.. إنني أجري علي هذا المبلغ ومن يريد أن يساعدني عليه أن يسعي معي. مع ختام اللقاء.. اجتمع ممثلو كتلة مصر الصلبة حول القائد الصلب وهو يقول: طول ما انتم علي قلب رجل واحد، واثقون في الله، وفي أنفسكم، وفي شعبنا، وفيّ شخصياً، سنحقق لبلدنا كل ما نتمناه. .. الرسالة وصلت